لا يزال العنف الجنسي مستمراً خلال الصراعات المتتالية، من البلقان إلى الكونغو، ومن ليبيريا وسيراليون إلى العراق حتى يومنا هذا، ليس فقط كجرائم فردية، ولكن كسلاح في الحرب. وتقول مادلين ريس، أمين عام الرابطة الدولية للمرأة من أجل السلام والحرية، أن العنف الجنسي لا يزال مستمراً لأنه فعال.

وأضافت خلال اجتماع في تشاتام هاوس في لندن: "إنه أسلوب ناجح في الصراعات لأنه يساعد على تدمير المجتمعات وتمزيقها. والسبب في نجاحه في تمزيق المجتمعات يتعلق بالأعراف الاجتماعية. إنه أسلوب ناجح وإذا كنت ترغب في كسب الحرب، فعليك اتباعه".

وتجدر الإشارة إلى أن العمل على منع العنف الجنسي والتعامل مع آثاره مهمة شاقة وواسعة النطاق تستلزم التصدي للسلوكيات الراسخة في صميم المجتمعات، فضلاً عن توفير المساعدة الطبية والدعم النفسي والمشورة القانونية للضحايا.

وعندما تتعرض (المرأة أو الرجل) للاغتصاب، فإن الانتصاف القانوني قد لا يكون أول شيء تشعر أنها تحتاج إليه، ولكن العديد من الضحايا يرغبن بشدة في أن لا يفلت المعتدون من العقاب. كما أن إنهاء الإفلات من العقاب يلعب دوراً في الوقاية من هذا النوع من العنف في المستقبل. فالأدوات القانونية موجودة، وقد استكشف اجتماع لندن كيفية استخدامها، وكيف يمكن للمحاكم أن تتطور وتوسع نطاق عملها، بمجرد وجود الأدوات القانونية الملائمة.

تشغل مارغريت برداسي منصب المستشار القانوني في بعثة المملكة المتحدة في جنيف، وبهذه الصفة شاركت في مبادرة بريطانية لمنع العنف الجنسي في الصراعات، التي تم تدشينها في عام 2012 من قبل وليام هيغ، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت، والممثلة أنجلينا جولي. وتقول: "هناك عدة مسارات مختلفة في القانون الدولي، والفهم الواقعي للمسارات المختلفة أمر مهم حقاً، وكذلك كيفية تفاعلها معاً، وكيف يمكن أن تكون مكملة لبعضها البعض".

القانون الإنساني هو نقطة البداية دائماً

ووصفت برداسي القانون الدولي الإنساني بأنه نقطة البداية دائماً؛ فاتفاقيات وبروتوكولات جنيف تحظر الاغتصاب وأيضاً الاعتداءات الجنسية الخطيرة على وجه التحديد. ولكن الأقل وضوحاً هو ما إذا كانت هذه الجرائم قد تشكل "انتهاكات جسيمة" لاتفاقيات جنيف، وهو التصنيف الذي يلزم الدول بالبحث عن أي شخص يشتبه في ارتكابه مثل هذه الأفعال ومقاضاته بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، بغض النظر عن جنسيته أو البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة، كما أشارت.

وفي حين لم يتم تصنيف الاغتصاب وجرائم العنف الجنسي الأخرى بالتحديد على أنها انتهاكات جسيمة للاتفاقيات، يمكن أن يتم وضعها تحت مظلة "التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية" المدرجة على هذا النحو، وفقاً لبرداسي.

وقد لقي هذا التفسير تأييداً من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، على سبيل المثال، على الرغم من عدم قبوله من جانب جميع الدول. علاوة على ذلك، فإن القراءة الصارمة لاتفاقيات جنيف تحد من قابلية تطبيق الانتهاكات الجسيمة - واستطراداً لذلك، الولاية القضائية العالمية - على النزاعات المسلحة الدولية، مع استبعاد الحروب الأهلية، التي تعتبر النوع الأكثر شيوعاً من النزاعات الآن. (ولكن لا يزال النقاش مستمراً حول هذه النقطة).

وكذلك هناك القانون الدولي لحقوق الإنسان، على النحو المنصوص عليه في الاتفاقيات المختلفة. قد تحظر اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، أو اتفاقية مجلس أوروبا بشأن إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر، على سبيل المثال، بعض هذه الأفعال، ولكنها أيضاً لها حدودها، لأنها ملزمة للدول، وليس للأفراد، والعديد من أسوأ الجناة ينتمون إلى "الجهات الفاعلة غير الحكومية"، مثل الجماعات المتمردة.

إذن ماذا عن القانون الجنائي، سواء الوطني أو الدولي؟ يعتبر الاغتصاب والأشكال الخطيرة للاعتداء الجنسي على حد سواء من جرائم الحرب بموجب نظام روما الأساسي، الذي تقوم على أساسه المحكمة الجنائية الدولية، وتمت ملاحقتها قضائياً من قبل مجموعة من المحاكم الدولية الأخرى.

"لقد قدموا مساهمات مثيرة للاهتمام من أجل تطوير القانون. ينبغي على المحاكم تفسير القانون، فهذا جزء من سلطتها. على سبيل المثال، الدليل على الاغتصاب: قد تم الفصل فيه من قبل المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا، ومحكمة رواندا [التي أسست لاحتمال اعتبار الاغتصاب عملاً من أعمال الإبادة الجماعية]، والمحكمة الخاصة لسيراليون، وكلها قامت بتطوير القانون فيما يتعلق بما يشكل جريمة اغتصاب ودليل على العنف الجنسي. وكانت هناك أحكام فتحت آفاقاً جديدة بشأن قضايا معينة،" كما أكدت.

وأضافت قائلة: "جميع فروع القانون لها حدودها ونكساتها، لكنها ليست نفس القيود، فأحدها يساعد على سد الفجوات في الآخر".

والجدير بالذكر أن اجتماع تشاتام هاوس نظر أيضاً في قضية ما يسمى بـ "القانون غير الملزم"، وهذا النوع من الإعلانات والبروتوكولات التي تشارك فيها الدول، ولكنها ليست ملزمة وليس لها آليات إنفاذ. ويمكن لهذه البروتوكولات أن تحفز النقاش، وتحدد أفضل الممارسات، وتمنح مؤسسات المجتمع المدني خط الأساس للمعايير التي ينبغي على حكوماتها الوفاء بها.

وفي هذا الصدد، قالت البارونة سكوتلاند، النائب العام السابق في المملكة المتحدة، أن القانون غير الملزم يمكن أيضاً أن يخدم غرضاً عملياً في المحكمة: "تستخدم البروتوكولات أيضاً من قبل المحاكم كأداة قوية وإبداعية، ليس فقط مع الدول ولكن مع غيرها من المؤسسات التي تشارك في تقديم الحلول. يمكنك أن تسألهم: ما هو ردكم على أحكام هذا البروتوكول؟ ماذا تفعلون؟ كيف تستجيبون؟ ولا يهم أنها ليست ملزمة. إنها مقنعة".

كسر حاجز الصمت

ولكن إحدى المشكلات الأساسية في كل هذا هي أن القوانين والمحاكم موجودة داخل المجتمع كما هي. وحيثما يتم التمييز ضد النساء - الضحايا الأكثر شيوعاً - ينعكس هذا في تجربتهن مع القانون. وتقول ريس أن الأمر يتعلق بالعلاقات المختلفة للرجال والنساء بهياكل السلطة، لاسيما في سياق العدالة الانتقالية، حيث ستتسلم المحاكم الوطنية في نهاية المطاف الولاية من المحاكم الدولية.

وتقول أنه في يوغوسلافيا السابقة، "كان لا يزال لدينا تفسير خاطئ للقانون القادم من المحاكم الوطنية ويصب في المحكمة الدولية. انظر إلى الاغتصاب. إنه من الجرائم التي تشهد أسوأ ملاحقة قضائية، والإحصاءات مرعبة، والسبب في ذلك أنها قائمة على وجهة نظر معينة، أو رأي معين عن النساء وأنشطتهن الجنسية".

"إحدى النساء كانت في السادسة عشرة من عمرها عندما تعرضت للاغتصاب، وتم استجوابها لعدة أيام بشأن موافقتها على ممارسة الجنس مع أحد القادة العسكريين ... وكان لهذا تأثير هائل على النساء في البوسنة. أردن الانسحاب لأنهن قلن ’لن نقبل التعرض لهذا النوع من التشويه في محكمة بينما نحن من سعى إلى تحقيق العدالة’. لقد كسبن القضية ... ولكنها تسببت لهن في أضرار،" كما أشارت.

وتتصدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لهذه القضايا مع الضحايا أو مع الجناة المحتملين على حد سواء. وتشدد مستشارتها الدبلوماسية آن ماري لا روزا على ضرورة التصدي لمجموعة كاملة من القضايا: "أنت بحاجة إلى تعزيز المؤسسات. وينبغي عليك التأكد من أن لديك المحاكم التي لديها ولاية قضائية على النساء المعرضات لخطر العنف الجنسي، لاسيما حاملات الأسلحة. وينبغي أن تتوفر لديك هيئات تحقيق لديها إدارة طب شرعي".

وأضافت قائلة: "ولكن التصدي للأشكال الخطيرة للعنف الجنسي لا يتعلق فقط بتأسيس مرافق جيدة ومهنيين مهرة، بل يتعلق أيضاً بكسر حاجز الصمت ومحاربة المحرمات. ولا يمكنك القيام بذلك إلا إذا كانت الضحايا موجودات في بيئة مع شخص تثقن به. ولتحقيق ذلك، من المهم أن يقترن أي عمل نقوم به مع النهج المجتمعية".

 

اضف تعليق