q
منذ كنت صغيرا كان حلمي ان اسكن بيتا واسعا، فيه حديقة بأشجار وورود، وغرف متعددة وسطح كبير، وعندما كبرت أصبح الحلم بيتاً صغيراً اعترافا بواقع صعب نعيشه، فلا اريد بيتا واسعا، ولا اريد حديقة بأشجار وزهور، فقط جدران بيت تحمي عائلتي، لكن عشنا في زمن...

منذ كنت صغيرا كان حلمي ان اسكن بيتا واسعا، فيه حديقة بأشجار وورود، وغرف متعددة وسطح كبير، وعندما كبرت أصبح الحلم بيتاً صغيراً اعترافا بواقع صعب نعيشه، فلا اريد بيتا واسعا، ولا اريد حديقة بأشجار وزهور، فقط جدران بيت تحمي عائلتي، لكن عشنا في زمن صدام في عسرا لا يطاق، بيوت صغيرة وقديمة نتكور فيها، تصلح لأي شيء الا السكن! هكذا حكم صدام علينا وعلى اغلبية الشعب! ان لا نرتاح في السكن، بل يكون هما دائما، في تلك السنوات العصيبة كان لا يشتري بيتا الا ذو حظا عظيم، فسنوات الحصار سحقت الاغلبية، وبالكاد بقينا على قيد الحياة، ان العوائل ذات الدخل المحدود والفقراء كانت كل الضغوط موجه لها، حتى قرار الامم المتحدة بالحصار كان بالأساس يستهدفهم هم فقط.

وبقي الحلم في ذاكرتي انا والالاف امثالي، باننا في الغد عندما يزول حكم صدام يشرق فجر احلامنا كلها.

وشاءت الاقدار ان يضمحل حكم صدام وتختفي زبانيته، وتأتي قافلة من الساسة الفاتحين، ممن ملئوا الدنيا ضجيجا بانهم سيرجعون حقوق اهل العراق، وستتحول حياة الناس الى حياة مرفهة كبلدان الخليج، ولكن خابت امال اهل العراق مع مرور 16 سنة وازمة السكن تتفاقم! مع ان اموال النفط تكفي لنعيش كاهل باريس ومدريد وروما، لكن نتيجة سوء ادارة الدولة من قبل طبقة متعفنة غارقة بالفساد من كل انواعه، تبخرت احلام العراقيين.

وها هي سنوات العمر ترحل ونحن ما بين التكور في بيوت صغيرة، او التنقل بين بيوت الايجار.

سأحدثكم عن البلدان "الكافرة" كما يسميها البعض، وعن مشاريعها التي تقام لخدمة مجتمعاتها، ففي الكثير من تلك البلدان "الكافرة" تتعهد الدولة في اشهر قليلة بتسليم المواطن مفاتيح بيتا جديد، فلا تقبل تلك البلدان ان يكون احد مواطنيها من دون سكن مريح، هنالك حيث تسكن حكومات "الكفر" والتي جعلت من اولويات عملها حفظ كرامة شعوبها، فتوفر لهم السكن والخدمات والعمل والتعليم والصحة، هكذا هم "الكفار" حسب تصنيفات مدعين التدين.

بالمقابل ونحن نعيش تحت ظل حكومات منبثقة من احزاب دينية، فلا نجد فعلها الا سحق المواطن يوميا، عبر تلال من الضغوطات المسلطة عليه، وسرقة حقوقه البسيطة في السكن الكريم والصحة والتعليم والعمل، واهمال مشاكله حتى تراكمت وتحولت لجبلا عظيم يصعب هده!

"اريد بيتا صغيرا مع عائلتي" انها صرخة الاف بل ملايين العراقيين، الذين مازالوا يفتقدون المكان الذي يحميهم ويحفظهم، انها مظلومية عشرات السنين التي اجبر الشعب ان يعيشها بكل قسوتها وتعبها، وتكرسها اليوم احزاب السلطة المتدينة جدا! فهي لا ترغب للإنسان العراقي ان يرتاح ويستقر ويعيش بكرامة، بل تسعى لاستمرار سحقه واذلاله مثلما فعلها صدام بالأمس، انهم يسيرون بنفس المنهج، والنتيجة تمدد ايام سطوتهم على الحكم.

اخير اقول: سيبقى الحلم معي ومع الالاف نأخذه الى القبر، فما عاد في العمر بقية، ونحمله معنا الى الله الجبار المنتقم نشكيه ظلم من حكمنا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق