في ظل التحوُّل الرقمي المتسارع، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مصدرًا رئيسيًا لبناء الثروات والشهرة، مما دفع الحكومات وهيئات التنظيم إلى البحث عن آليات لفرض رسوم على المشاهير وصناع المحتوى، بحسب عدد متابعيهم، إلى جانب وضع لوائح تنظيمية لمحتواهم. لكن هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا: هل تُعد ضريبة عادلة تُسهم في تحقيق التكافؤ المجتمعي...
في ظل التحوُّل الرقمي المتسارع، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مصدرًا رئيسيًا لبناء الثروات والشهرة، مما دفع الحكومات وهيئات التنظيم إلى البحث عن آليات لفرض رسوم على المشاهير وصناع المحتوى، بحسب عدد متابعيهم، إلى جانب وضع لوائح تنظيمية لمحتواهم. لكن هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا: هل تُعد ضريبة عادلة تُسهم في تحقيق التكافؤ المجتمعي، أم أنها عقبة تُهدد حرية الإبداع وتُثقل كاهل هذه الفئة؟
الجانب المؤيد: نحو عدالة اقتصادية وتحفيز إبداعي
يرى المؤيدون أن فرض الرسوم خطوة ضرورية لتحقيق توازن في توزيع الثروة، خاصةً مع ارتفاع أرباح بعض المشاهير إلى ملايين الدولارات سنويًّا. فمنطق "الضرائب التصاعدية" – حيث يدفع أصحاب الدخل المرتفع نسبًا أكبر – يُطبَّق هنا لتعزيز الإنفاق على الخدمات العامة كالصحة والتعليم، مما يُقلل الفجوة بين الطبقات.
كما يُشيرون إلى أن هذه الضريبة قد تكون حافزًا غير مباشر للإبداع، فاضطرار صناع المحتوى إلى تجديد أفكارهم للحفاظ على جمهورهم – وبالتالي تجنب زيادة الرسوم – قد يُنتج محتوى أكثر جودةً وتنوعًا، بدلًا من الاعتماد على الشهرة العابرة أو المحتوى المُكرر.
الجانب المعارض: إجحاف مالي وتقييد للإبداع
في المقابل، يرفض المعارضون فكرة الرسوم، معتبرينها شكلًا من أشكال التمييز ضد فئة تدفع بالفعل ضرائب على أرباحها عبر قنوات متعددة (كضريبة الدخل وضرائب العلامات التجارية). بل إن البعض يصفها بـ"العقاب على النجاح"، خاصةً أن الشهرة لا تعكس بالضرورة استقرارًا ماليًّا، فالكثير من المشاهير يعتمدون على مواسم محددة أو شراكات مؤقتة.
أما عن الإبداع، فيحذِّر البعض من أن الضغط المالي الناتج عن الرسوم قد يدفع الصناع إلى تجنب المخاطرة الفنية، واللجوء إلى محتوى تجاري جماهيري بدلًا من أعمال ذات رسالة عميقة، مما يُفقد المنصات تنوعها ويُحوّلها إلى فضاء تسويقي خالص.
بدائل مقترحة: حلول توازن بين العدالة والحرية
لتفادي سلبيات هذه الضريبة، تُطرح حلول بديلة، مثل:
1. تعزيز الضرائب التصاعدية على الدخل: بدلًا من ربط الرسوم بعدد المتابعين – الذي قد لا يعكس القيمة الحقيقية للأرباح – يُمكن رفع نسبة الضريبة على الشركات والعلامات التجارية التي تستثمر في الإعلانات عبر المنصات، مما يُضمن تحصيلًا عادلًا من المصدر الرئيسي للأرباح.
2. منصات دعم الإبداع الحكومية: تمويل مسابقات أو منح للمحتوى الهادف، مما يُشجع الصناع على تقديم أعمال ذات قيمة مجتمعية دون خوف من الخسائر المادية.
3. تشجيع المسؤولية الاجتماعية للمشاهير: عبر حوافز ضريبية للذين يوجهون جزءًا من أرباحهم لدعم قضايا التعليم أو البيئة، بدلًا من فرض رسوم إلزامية.
الضريبة أداة تحتاج إلى ضوابط
لا يُمكن إنكار الحاجة إلى مراجعة الأنظمة الضريبية لتواكب التحوُّلات الاقتصادية الجديدة، لكن فرض رسوم على المشاهير يجب أن يراعي طبيعة عملهم غير المستقرة، ويرتبط بمعايير واضحة تعكس حجم أرباحهم الفعلية، لا شهرتهم الظاهرية. كما أن دعم الإبداع يحتاج إلى سياسات تشجيعية أكثر منه عقوبات ضريبية. فبدلًا من النظر إلى هذه الفئة كمصدر للجباية، يُمكن تحويلها إلى شريك في التنمية عبر حوار يستمع إلى تحدياتهم ويُشركهم في صياغة الحلول.
اضف تعليق