الأمر نفسه ينطبق على ظاهرة انتشار الأطفال عند تقاطعات الطرق، وممارستهم التسول المقنّع من خلال غسل زجاج السيارات، ورميهم في الشارع من قبل أهاليهم، إن كان لهم أهل، يعطي صورة سيئة للغاية عن واقعنا الاجتماعي، الذي لا نقول إن كل شيء فيه مثالي...
حين تذهب إلى السوق أو تمشي في الشارع، غالبا ما تصادف أناسا معاقين، وبعضهم يعاني من عوق كبير.. شيخ كبير أو شاب أو طفل صغير، وهذا المسكين مستلقيا على الحائط أو يزحف على بطنه بطريقة مؤلمة، ويستجدي الناس ويستجلب عطفهم ليمدوا إليه أيديهم إليه بالنقود التي تتكدس أمامه كل يوم، لكنك ستراه في اليوم التالي والذي بعده وبعده، وبملابسه الخلقة والرثة نفسها، لكي يعيد الكرّة وهكذا تمضي الأيام بهذا الإنسان، وهو مرمي في الشارع يجلب المال.
لكن لا أحد يعرف من هو المستفيد من هذا المال، وكيف يستفيد هو منه إذا كان معظم وقته يمضيه في الشارع زاحفا أو مستلقيا، قبل أن يعود إلى بيته منهكا إضافة لمرضه، نقول يعود إلى بيت يفترض أن يؤويه وفيه أناس يحبونه وينتسب إليهم، لا سيما أنه بهذه الحال الصحية الصعبة، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء الناس أو الأهل أو الأقارب، هم من دفعوا بهذا المسكين إلى الشارع، ليأتيهم مساءً بمبلغ كبير، لن يتنعم به هو ابدا، لأنه عاطل عن المتعة بسبب وضعه الخاص، ولكونه مسخرا اصلا ليتنعم الآخرون ب(جهوده) للاسف! نعم أن هؤلاء المساكين يحتاجون إلى من يقف إلى جانبهم.
ونقصد من قبل أجهزة الدولة المعنية، وإن قيام هذه الاجهزة بجولات لتقصي هذه الظاهرة، ولقاء هؤلاء ومعرفة ظروفهم الخاصة والدوافع الحقيقية، التي تقف وراء إلقائهم في الشارع بهذه الطريقة القاسية، بات أمرا ضروريا لقراءة هذه المشكلة وايجاد الحلول الموضوعية لها.
لقد كتبنا سابقا عن ظاهرة التسوّل التي تعددت طرقه وأساليبه، وكيف باتت له مافيات ضحاياها من الأطفال المسروقين، وتقف خلفها جهات منظمة، وأن تدخل الدولة أصبح لا بد منه لانتشال هؤلاء المساكين، الذين يعكسون عن بلادنا صورة غير إنسانية، قبل أن تكون غير حضارية تضاف إلى الظواهر، التي غزت حياتنا منذ حصار التسعينيات، وكان من المفترض أن تنتهي بعد زوال الاسباب وانتعاش الحياة الاقتصادية بشكل عام.
قد يرى البعض أن الكتابة عن مثل هذه الأمور التي يرونها تفصيلية، حيث تعيش المنطقة اليوم حالة استثنائية على مختلف المستويات السياسية والامنية والاقتصادية وغيرها، بسبب تداعيات الأحداث وتسارعها، لكن الإنسان يبقى هو الأساس، وان ترميم الواقع الحياتي من حولنا أو في محيطنا الاجتماعي يعد من الأولويات، التي لا نعتقد أن الاحداث السياسية تتقدم عليها.
الأمر نفسه ينطبق على ظاهرة انتشار الأطفال عند تقاطعات الطرق، وممارستهم التسول المقنّع من خلال غسل زجاج السيارات، ورميهم في الشارع من قبل أهاليهم، إن كان لهم أهل، يعطي صورة سيئة للغاية عن واقعنا الاجتماعي، الذي لا نقول إن كل شيء فيه مثالي، لكن المؤكد أننا في حال اقتصادية أفضل بكثير من بعض الدول المجاورة، التي يتسابق شبابها اليوم للمجيء إلى العراق والعمل فيه.
نعم، نحن نعيش عام (بغداد عاصمة السياحة العربية)، وان معالجة هذه الظواهر الشاذة أصبحت من متطلبات الانتصار لبغداد وتخليصها من تداعيات النشاطات المريبة التي يجب أن تعالج وبشكل فوري، وان علاجها ليس بالصعب أبدا.
اضف تعليق