بحثت ُ عني، لم أدر متى كانت آخر مرة رأيُتني فيها، ومتى لم أعد اليّ، اتذكر فقط أنني حاولت تتبع أثري في الطريق الضبابي الموحش، استوقفتني رقة نظراتها، وجذبني صوتها الرخيم، لا اتذكر سوى أنها حملتني وناغتني، وأصابعها داعبت أصابعي الصغيرة، ما دفعني لأضحك كثيرا، وأناغيها...
بحثت ُ عني، لم أدر ِ متى كانت آخر مرة رأيُتني فيها، ومتى لم أعد اليّ، اتذكر فقط أنني حاولت تتبع أثري في الطريق الضبابي الموحش، استوقفتني رقة نظراتها، وجذبني صوتها الرخيم، لا اتذكر سوى أنها حملتني وناغتني، وأصابعها داعبت أصابعي الصغيرة، ما دفعني لأضحك كثيرا، وأناغيها.
فجأة، بدأت خصلات شعرها تستعر، إتسعت عيناها وفمها بغلظة وتحول وجهها الى دوائر من تجاعيد .. زاد سعيرها .. بصقت عليّ ناراً، وماعدت أشعر بسوى هول قيامتي بين يديها ، حيث صيرتني كرة ملتهبة ، تلعب بها في أشواطها الطويلة.
ثقيلاً كان زمني بين تلك اليدين المستعرتين، ومهولاً التهام السعير لي، فجأة، أيضاً، أحسست ببرودة الريح وهي تعبث بي .. تنثرني، كانت المخلوقة النارية قد كفت نارها وأطلقت ريحاً حولت ماتبقى مني الى كرات رماد ، لتبدأ شوطاً جديداً من العبث الوحشي .
راودتني رغبة بأن استجمع ذراتي المتناثرة .. لكنني فكرت لوهلة أنني قد أكون مجرد جزء صغير من كيان رمادي كامل ليس بالضرورة أن يكون كله أنا. وفكرت أيضاً أنني إذا كنت أصل الكيان ، فكيف لي أن استجمع أجزائي ، وأنا أشعر بأنني لست إلاّ ذرة تاهت كما الباقيات؟
استمرت ريح المخلوقة القبيحة تمرجحنا .. تلوينا .. .. تباعدنا .. لم أدرِ إن كنت أبكي أم أضحك ، وأنا اتلوى مع بقية ذرات الرماد .. اتمرجح يمينا وشمالا .. صعوداً وهبوطاً .. حتى سقطت ُ في مستنقع يمتد بين طرفي ثوب تلك المخلوقة.
لااتذكر شعور الذوبان .. أكان أرأف من شعوري بالاحتراق، او أقسى من عبث الريح بي؟!
تمنيت لو أنّ المخلوقة أطلعتني على مصير الذرات الأخريات، وما إذا كانت قد ذابت جميعاً في المياه الراكدة، لكنني كبتُ الرغبة لإدراكي أن لاجدوى من معرفة أي شيء ، ولأنني لن أعرف كيف بإمكاني أن أجمع الذرات ، كما لم أعرف منذ البدء أين أبحث عني ، وكيف لي أن اتتبع أثري .. أنا التائه في عدم الأشياء ، أنا اللاشيء.
اضف تعليق