حسن عبدربه المصرى
تتسارع في كل من فرنسا والمانيا وتيرة وضع الاولويات الأمنية في مقدمة كل ما يمت للأمن القومي الوطني والحياة اليومية للمواطن بصلة، تحت شعار " لا تعارض بين هذه التوجهات وبين القيم الاوربية ". فليس من المنطقي ان تضحي كل من الدولتين بأمن مواطنيها في سبيل الابقاء علي منظومة القيم والاخلاق علي اسس افلاطونية بحتة.
الاخلاق وحقوق الانسان لا تتعارضان مع الأمن، بدا ذلك واضحا في كلام الرئيس الفرنسي عندما تحدث – الخميس 28 يولية الماضي - عن " الحاجة الماسة لإنشاء حرس وطني لمساعدة قوات الشرطة في التصدي للهجمات الإرهابية، ولمراقبة الحدود " مؤكدا ان استدعاء الاحتياطي الشرطي – 15 ألف عنصر – لن يكون كافياً للحفاظ علي مستوي إحترام المجتمع الفرنسي لحقوق الانسان وإلتزام الدولة بحمايته في كل الأوقات.
جاءت هذه الوتيرة المتسارعة بعد ان اعترف رئيس وزراء فرنسا في نفس اليوم، ضمن حديث له مع صحيفة " لوموند " بجانب من التقصير علي مستوي الأجهزة الأمنية والفضائية فيما يتعلق بالإعتداء الذي تعرضت له كنيسة سانت إيتان وراح ضحيته الكاهن البالغ من العمر 86 عام. أقر المسئول الكبير في ثنايا رده علي التحقيق ان فرق المتابعة ليست كافية وتحتاج لدعم مالي كبير!! ودعا سلطات التحقيق إلي تغيير أدوات ووسائل تناولها لملفات المشكوك في امرهم " بحيث تتمكن من الكشف عن نواياهم قبل ان تتحول إلي فعل إرهابي متطرف ينتج عنه قتل للأبرياء وترويع للمجتمع الآمن ".
إلي اين يسير المجتمع الفرنسي؟، بداية يمكن القول انه يتجه بقوة نحو تفعيل القانون والنظام لإحداث " عقلية جديدة " قادرة علي الدمج بين القانون والحريات الشخصية من ناحية وحق المجتمع في العيش بأمان واستقرار من ناحية أخري.
يتجه إلي ترسيخ القبول العام لدي الأفراد بالحاجة لتشديد الإجراءات الاحترازية بهدف إمتلاك القدرة علي وقف اي عمليات عدوانية " يخطط المعتدون للقيام بها ضد الأمنين وضد مؤسسات الدولة، حتى لو جاءت بعض هذه القرارات علي غير هواهم او حرياتهم الشخصية.
يتجه للتوعية بان اللجوء إلي فرض حالة الطوارئ لا يعني الحد من حريات المواطنين، بل يوفر لهم الأجواء الاحتياطية لكي يشاركوا في مكافحة الإرهاب لكي تتمكن الأجهزة المختصة من تشديد قبضتها ضد الذئاب الضالة التى يمكن ان يقوم أي منها بعمل ارهابي فردي يقضي علي حياة العشرات ويصيب المئات.
في نفس التوقيت انكبت اجهزة الأمن المختصة علي تحليل الحوادث الإرهابية التى تعرض لها المجتمع الألماني مؤخرا في اكثر من ولاية، خاصة عملية التفجير التي اقدم عليها لاجئ سوري بالقرب من مكان إقامة حفل موسيقي ببلدة انسباخ / ولاية بافاريا. ليس فقط بهدف وضع خطط مستحدثة لمواجهة من يشكلون خطر حقيقي علي امن المواطنين، ولكن للتعامل سياسياً معها للحد مما تمثله من مخاطر ضد توجهات المستشاره أنجيلا ميركل بسبب ما نجم عن قبولها فتح حدود البلاد منذ بضعة أشهر لمئات الألآف من اللآجئين الفارين من الحروب الأهلية في الشرق الاوسط.
أعادت الأجهزة الأمنية الألمانية أعادت فتح جميع الملفات بدءاً من تلك التى وقعت ليلة رأس السنة الميلادية ( 31 ديسمبر 2015 ) بمدينة كولونيا وانتهاءاً بحادث أنسباخ، لكي تقيس في ضوئها مدي النجاح الذي حققته سياسات دمج القادمين الجدد في المجتمع.
السؤال الذي يتبادر إلي ذهن القارئ. لماذا أعيد فتح الملفات؟
نقول، لسببين جوهريين.
الأول. لأن العديد من إستطلاعات الرأي التى أجرتها المراكز البحثية ووسائل الإعلام أشارت مؤخراً إلي أن نحو 77 % من المستطلع رأيهم " يعتقدون أن بلدهم تواجه خطر
إرهابي متزايد " بعد ان كانت هذه النسبة تتراوح فقط بين 65 و 69 منتصف شهر يولية الماضي.
الثاني. أن احزاب وجماعات اليمين الألماني الجديد والمتشدد، نشطت في استثمار " اجواء الهلع التى يعاني منها المواطنون " لكي تصنع منها " حالة قلق وعدم ارتياح جماعية " تلقي باللوم علي سياسات الحكومة الرسمية التى فتحت الباب لأكثر من مليون ونصف لاجئ، إكتشف المجتمع أنهم " يمثلون قنابل إرهابية ومجتمعية موقوته ".
في خضم هذه التفاعلات الرسمية والشعبية لم يلتفت الكثيرون لما قاله وزير داخلية إقليم بافاريا، أن العديد من اللاجئين يحتاجون إلي مكان آمن لأنهم قامون من أمكان قتال عرضتهم وأسرهم لمصائر مروعة، دون ان ينفي أن بعضهم يُشكل خطراً حقيقياً علي أمن واستقرار المجتمع الألماني " لأن المشكلة بالنسبة لهم اصبحت أمنية في المقام الأول بعد ان كانوا يورنها أخلاقية منذ حوالي ثمانية أشهر فقط!!.
عوامل كثيرة تؤكد ان التوجه الأمني الأوربي سيتحوذ علي كافة الاولويات لدي فرنسا والمانيا وغيرهما من دول الاتحاد الأربي. يأتي علي رأسها قول جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوربية لصحيفة " كوريير " النمساوية – السبت 30 يولية الماضي – ان الخطر الأكبر الذي يتهدد دول الإتحاد يتمثل في محاولة الرئيس التركي تقويض الإتفاق الذي أبرم مع بلاده في مارس الماضي، الأمر الذي قد يعرض دولنا لموجات عاتية متتالية من المهجرين، إذا ما اصر – اردوغان - علي دفعهم لي عبور حدود بلاده في إتجاه دول الجوار من ناحية، ومنع عودة الألآف منهم ممن لا مكان لهم داخل بعض دول شرق ووسط أوربا التي دخلوها عنوة وممن تصفهم دول أخري بانهم " سموم يجب التخلص منها حماية لمجتمعاتهم منها " من ناحية ثانية.
اضف تعليق