تنافس يعري الطرفين
بينما تتجه الانظار الى انعقاد مؤتمري الحزبين تزداد حدة المنافسة بين المرشحين اللذين لا يألوا جهدا لاستغلال ما يمكن استغلاله من بوابات سياسية للتنديد بالبرنامج الانتخابي والنيل من الآخر.
دشن المرشحين دخول سوق المزايدة السياسة بإطلاق خطابين متوازيين حول الحالة الاقتصادية وبرامجهما لتعديل البوصلة الاقتصادية، تخللها هجوم شخصي لكليهما، اتساقا مع العرف الانتخابي الاميركي.
استند ترامب الى تجربته التجارية كمؤشر على قدرته الناجحة في ادارة دفة الاقتصاد حيث بدأ حياته "في حي بروكلين بنيويورك، قبل زمن ليس بعيد، بقرض مالي صغير استطاع استثماره بنجاح لبناء مشاريع تجارية تقدر بنحو 10 مليار دولار." واضاف "كان لدي دوما موهبة لإنشاء مصالح تجارية، والاهم، ايجاد فرص عمل. انها موهبة بلادنا بأمس الحاجة اليها."
ومضى بسوق اتهاماته لمنافسته هيلاري كلينتون بانها عازمة على الغاء المادة الثانية من التعديلات الدستورية، التي تشرّع اقتناء السلاح الفردي، دون ادنى دليل؛ واطلق وعودا تدغدغ غرائز الفئات الاشد يمينية بأنه سيجري تعديلات على قوانين الهجرة بحيث تتيح الفرصة للعاطلين الاميركيين شغل مواقع تدر دخلا معقولا؛ ومواجهة الدول التي تنتهك اصول التبادلات التجارية، في اشارة بينة للصين؛ ورفع القيود المفروضة على مؤسسات استخراج الطاقة؛ والغاء برنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباماكير؛ المصادقة على حزمة ضخمة من الاصلاحات الضرائبية (الكود السري لتخفيض الضرائب المخفف اصلا عن الشرائح الاجتماعية الاشد ثراءا)؛ فرض اجراءات مسلكية قاسية جديدة هدفها استعادة كرامة منصب وزير الخارجية.
حقيقة الأمر ان الرئيس يمارس صلاحياته الدستورية بسياسة الاجماع، بين اقطاب حزبه اولا، وتأييد نسبة معتبرة من خصومه في الحزب الآخر، وهو العنصر المفقود في طبيعة تفكير وتوجهات ترامب. لذا يطلق التصريحات على عواهنها دون الالتفات الى تبعاتها او محاسبته من قبل جمهور الناخبين. علاوة على ذلك فان ترامب مشاعر الامتعاض والكراهية لدى قيادات الدول الاخرى مجتمعة لعدم ثقتها بصوابية تفكيره وسياساته ان استطاع الوصول للمنصب الرئاسي.
من الخطأ طرح ترامب جانبا والاهتداء بتصريحاته المثيرة للقلق، معظم الاحيان. ولديه من الحنكة العملية قدرا يؤهله على ادارة جولات مفاوضات، كما يعتقد الضالعون في السياسة الاميركية.
في هذا الخصوص، توجه ترامب لجمهور المرشح بيرني ساندرز طالبا وده وتأييده نظرا لعدم اقتناعه بأحقية المرشحة هيلاري كلينتون في تبوأ المنصب متوسلا لهم "دعونا نمضي معا لإصلاح الخلل في النظام السياسي لصالح عموم الاميركيين؛ تشمل الاتفاقيات التجارية المهينة القائمة. التزوير لا يطال النظام السياسي فقط فحسب، بل حالة الاقتصاد برمته."
كان من ضمن التوقعات لجوء ترامب الى استغلال قضية البريد الالكتروني الخاص بهيلاري كلينتون، خلافا لمعايير وزارة الخارجية آنذاك والتي تم تعديلها على الفور لسد الثغرة الاساسية التي تتيح للمسؤول استخدام خدمة بريد الكتروني تجاري لا يخضع لسلطة الدولة في التواصل مع من يشاء ومتى شاء.
وسلط ترامب الضوء مرارا على الاستثمارات المالية للزوجين كلينتون، خلال فترة خدمتها في الخارجية، واتهامها باستغلال منصبها السياسي لتكديس ثروة مالية لحساب "مؤسسة كلينتون. الخيرية. وردد ترامب ان هيلاري "عملت طيلة حياتها (العملية) زيادة ثروة مجموعات (الضغط) الخاصة، وتلقي اموالا من تلك المصادر ايضا. لقد اتقنت هيلاري كلينتون اللعبة السياسية للمنفعة الذاتية والسرقة.. تقدم خدمات لأنظمة قمعية وآخرين. عند مغادرتها منصبها تلقت 21.6 مليون دولار لقاء خطاباتها امام مسؤولين مصرفيين في وول ستريت.. بعضها خطابات غير معلنة ولا تنوي الاعلان عنها للجمهور." ومضى قائلا ان الزوجين كلينتون "تلقيا 153 مليون دولار لقاء خطابات القيت امام كبار رجال الاعمال ورؤوس اللوبيات المتعددة وحكومات أجنبية منذ العام 2001."
دب الحماس في فريق ترامب الانتخابي عقب صدور نتائج استطلاع للراي اجراه معهد غالوب الرصين، مشيرا الى تفضيل اغلبية بسيطة من الاميركيين، 53%، ترامب على منافسته في ادارة الملف الاقتصادي، مقابل 43% لكلينتون. وربما كانت نتائج الاستطلاع الحافز الرئيس لكلينتون التحدث بحال الاقتصاد مبكرا مطلع الاسبوع الماضي.
استخرجت كلينتون من جعبتها خبرتها السياسية الطويلة في التصدي لترامب خاصة لفقدانه "الخطة والكفاءة والخبرة، بعيدا عن الشعارات البراقة." واستنجدت بشبه الاجماع الداخلي من "الليبراليين والمحافظين" على السواء الذين ينظرون لترامب بعين القلق والمجمعين على ان ترامب "سيمضي بنا للخلف نحو الركود.. لمرحلة ما قبل الازمة الاقتصادية." وشددت كلينتون على ان ترامب "سيتلاعب باركان الاقتصاد الاميركي لمصلحة وول ستريت؛ الأمر الذي لن يحدث ابان رئاستي، وانا اضمن لكم ذلك."
وسخرت كلينتون من ايحاءات ترامب حول الدين العام الاميركي قائلة ان آليات "الولايات المتحدة لا تعمل وفق طريقة ترامب،" في اشارة الى اعلانه حالة الافلاس مرارا. واوضحت ان المجازفة في مكانة ومصداقية الولايات المتحدة قد تقودنا الى كارثة اقتصادية، من شأنها ان تقطع تسلسل 225 عاما من الثقة الراسخة بالاقتصاد الاميركي من قبل الشعب الاميركي وبقية شعوب العالم."
قرصنة اجهزة حملة كلينتون
بعد الكشف الاسبوع الماضي عن قرصنة واسعة لاجهزة الحزب الديموقراطي، تلقت كلينتون اخبارا غير سارة باكتشاف عملية قرصنة لأجهزة "مؤسسة كلينتون،" وكذلك لأجهزة حملتها الانتخابية، ادت للكشف عن معلومات وبيانات حساسة.
ورد ان اعمال القرصنة الاخيرة طالت نحو 4،000 عنصر ومؤسسة ذو علاقة مباشرة بالحملة الانتخابية: متبرعين وخطط انتخابية وشؤون اخرى. واوضحت وسائل الاعلام الاميركية ان مكتب التحقيقات الفيدرالي – اف بي آي، ووكالة الأمن القومي شرعا في اجراءات التحقيق للتعرف على حجم المادة المقرصنة والمسؤولين عنها. بالمقابل، اعلنت الحكومة الروسية انه لا شأن لها بذلك.
ومن بين احدث البيانات التي افصح عنها ولم ينشرها "المقرصن غوسيفر 2.0" وثائق تتعلق بعمل قيادات الحزب الديموقراطي، الذين انتابهم قلق عميق. واوضحت شبكة بلومبيرغ للانباء "لو استطاع الديموقراطيون التوصل الى الهوية الخفية وضلوع وكالات الاستخبارات الروسية، فباعتقادهم ان موجة الغضب الشعبي (من الساسة) سترتفع حدتها لتسبق الكشف عن المعلومات المحرجة" للحظة. يشار الى ان المقرصن المذكور "هدد" بالكشف عن آلاف الوثائق والمذكرات الداخلية.
لعل احدى المؤشرات على صدقية ادعاء المقرصن كشفه عن ملف تحت عنوان "نقاط الضعف في مؤسسة كلينتون – النسخة الاصلية النهائية،" المكون من 42 صفحة يشمل تلخيصا داخليا للثغرات الكبرى استنادا الى ورود اسم المؤسسة في وسائل الاعلام والتغطية السلبية.
من بين العناوين المتعلقة بالشرق الاوسط، جاء في المذكرة الداخلية:
تلقت مؤسسة كلينتون تبرعات من افراد تربطهم علاقة بالسعودية ابان شغل (السيدة) كلينتون منصب وزير الخارجية؛
رجل اعمال ملاحق له "ارتباطات بشركة الالومنيوم المملوكة للدولة البحرانية،" اعطى ما بين 1 و5 مليون دولار لمؤسسة كلينتون؛
من بين المتبرعين لمؤسسة كلينتون الذين كشف عنهم عام 2009 كان عدد من الحكومات الاجنبية التي قدمت ملايين الدولارات."
مآزق ترامب
خفّت وتيرة الخطاب المناويء لترامب من داخل صفوف الحزب الجمهوري، بيد ان مندوبي المؤتمر "لهم مطلق الحرية في الادلاء بالتصويت او معارضة اي مرشح يرونه، الا في حال تدخل لجنة الاجراءات داخل قاعة المؤتمر،" ومناشدتها التصويت لصالح مرشح بعينه.
واوضح مندوبون سابقون لمؤتمر الحزب الجمهوري ان "المندوبين لديهم الحرية المطلقة للادلاء باصواتهم كما يرتضي ضميرهم، منذ بدء المؤتمر الحزبي عام 1856 ولحين الدورة السابقة عام 2012." الاستثناء الوحيد، وفق اولئك، كانت حملة الرئيس جيرالد فورد التي أيدت تعديل نصوص احدى بنود الاجراءات كجزء من استراتيجية اجرائية لحرمان ترشيح حاكم ولاية كاليفورنيا السابق، رونالد ريغان.
ينبغي التذكير بسلطة لجنة الحزب في الولاية التي تشترط تصويت مندوبيها لصالح مرشح بعينه، مما يعزز الجدل حول اولوية السلطات: هل الاولوية للجنة الولاية او اللجنة المركزية للحزب.
تتكون لجنة الاجراءات المركزية من 112 فرد، موزعين رجل وامرأة عن كل ولاية ومحمية بالاضافة لواشنطن العاصمة، ويحتاج الطرف الساعي للتعديل، سواء في فريق ترامي او غيره، لنيل تأييد ما لا يقل عن 57 عضو كي يسري اخلاء سبيل المندوبين وتخويلهم التصويت لمن شاؤوا.
يرأس اللجنة عضو مجلس النواب السابقة عن ولاية يوتاه، اينيد ميكلسين، يرافقها عضو اللجنة القومية للحزب والمحامي المخضرم رون كوفمان. ويعتقد ان ولاءهما لا يزال يحوم حول المرشح السابق ميت رومني، الذي لا يدخر جهدا لانتقاد امبراطور العقارات. وعليه، من الجائز ان تصطف اللجنة الى جانب الفريق المناويء لحملة ترامب ومندوبيها.
الاجراءات المعتمدة من قبل اللجنة المذكورة ينبغي عليها الحصول على تأييد اغلبية بسيطة من مندوبي المؤتمر، 1،237 من مجموع 2،472. حملة ترامب تعد مؤيديها بين المندوبين بنحو 1،542، عدديا على الاقل، والطرف المقابل يحتاج لانتقال ازيد من 300 مندوب من قائمة ترامب لصالح تعديل في مادة الاجراءات والتصويت عليها؛ الأمر الذي لا يعد مستحيلا وربما مستبعدا حدوثه في ظل تخبط حملة ترامب وتصريحاته المتناقضة والمثيرة للجدل.
ملياردير يعاني من شح التبرعات
منذ بدء الحملة الانتخابية لم يولي ترامب اهمية كبرى لسبل الدعم والتبرعات المالية، معتمدا على ارصدته الخاصة في "اقراض حملته الانتخابية" وتمويلها ومن ثم يتهيأ لتلقي مبالغ مماثلة لسدادها، بخلاف السيدة كلينتون. تشير اغلب التقديرات الى تمكن كلينتون من جمع نحو مليار دولار، بينما لا يزال ترامب يحجم عن طرق ابواب الممولين الجمهوريين. وقد اعرب عدد من قادة الحزب الجمهوري عن قلقهم لندرة الميزانيات الانتخابية المتوفرة.
وصرح ترامب لشبكة (ايه بي سي) للتلفزة مؤخرا انه تتملكه "مشاعر الغبطة والسرور لاستمرار تمويل الحملة ذاتيا.. باستطاعتي انفاق 50 او 60 او 70 مليون دولار من اموالي الخاصة وادارة حملة انتخابية رائعة؛" معربا ايضا عن عدم قناعته بالإنفاق السخي على الحملات الدعائية. واوضح "اذكركم انني انفقت 50 مليون دولار (في بداية السباق) وفزت. البعض الآخر من المرشحين المنافسين انفق اضعاف ذلك المبلغ، وخسر، بل لم يستطع مجاراة" نسبة التأييد الشعبي للفائز الاول.
قانون الانتخابات الاميركي الساري يمنح ترامب حق قبول تمويل مركزي (حكومي) تبلغ قيمته نحو 100 مليون دولار. اعلانه بقبول ذاك النمط من التمويل سيحرمه من تلقي التبرعات المالية، وهو الرافض لأي قيود توضع على مساره. عدم القبول ايضا يمكنه من الاستمرار في حملة انتقاداته القاسية للمرشحة كلينتون "كمرشح شريحة الاثرياء." يشار في هذا الصدد الى تضافر دوافع جمهور بيرني ساندرز الرافض بشدة لعلاقات كلينتون الوثيقة بوول ستريت مع حملة هجوم ترامب عليها، وقد يدفع العديد منهم الانتقال لتأييد المرشح ترامب نكاية بكلينتون.
استطلاعات الراي
نسبة الفارق من مؤيدي كلينتون ضئيلة في المرحلة الراهنة، وتتراوح بين 1 الى 5 نقاط مئوية لصالحها ضد منافسها ترامب. بيد ان القراءة المتأنية لنتائج الاستطلاعات تدل على ارتداد النسبة بالتبادل بينهما مما يشير الى استمرار حالة عدم اليقين لدى بعض الناخبين. في هذا السياق، دلت استطلاعات الرأي المتعددة التي اجريت في اعقاب حادثة اورلاندو بولاية فلوريدا ان بوسع ترامب تجسير الهوة مع كلينتون بعض الشيء. بل دلت الاستطلاعات الاخيرة، الاسبوع المنصرم، على تزايد نسبة ثقة الناخبين بترامب فيما يخص جهود التصدي للارهاب وحماية المواطنين.
النسبة الضئيلة التي تتمتع بها كلينتون في الاستطلاعات المتعددة لا تعكس ارهاصات الولايات الحرجة، التي تصنف بأن الفوز فيها حيوي والخسارة قاتلة. في تلك الولايات، تتضاءل نسبة الفارق بين المرشحين مما ينذر بحملة قاسية في الاسابيع المقبلة للطرفين.
اجرت جامعة كوينيبياك استطلاعا مميزا الاسبوع الجاري في ثلاث ولايات "شقية،" تخللها هجوم اعلامي على ترامب ومقاضاته فيما يخص "جامعة ترامب" وتصريحاته العنصرية ضد القاضي المركزي المشرف على القضية، واحجامه عن قبول التبرعات المالية، وما برز من فوضى عارمة تسود اوساط فريقه الانتخابي. نتائج الاستطلاع دلت على تعادله في احدى أهم الولايات، اوهايو، مع كلينتون، وتخلفه بنقطة مئوية واحدة عنها في ولاية بنسلفانيا التي تصنف في خانة الحزب الديموقراطي. اسوأ ما اشار اليه استطلاع كوينبياك تراجع نسبة تأييد ترامب في ولاية فلوريدا بفاصل عدة نقاط مئوية.
للانصاف، ما تقدم يشكل رؤيا اولية وليست قاطعة لمسار الانتخابات، اذ دلت النتائج السابقة على تخلف الفائز النهائي في نسبة التأييد الشعبي عند هذه النقطة الزمنية الفاصلة بالذات.
يسجل لصالح ترامب ان شح انفاقه على حملته الانتخابية، مقارنة مع منافسته كلينتون، يعزز من مكانته المتقاربة جدا مع كلينتون.
ويبقى السؤال ان كان باستطاعة ترامب الحفاظ على زخم حملته الراهن للأشهر الخمسة المقبلة.
اضف تعليق