بينما تستمر قوى الجريمة والفساد العالمية في الحد من حريتنا وامننا، فإن الصحفيين الذين تعرضوا للقتل في أعقاب ذلك قد علمونا دروسا قوية عن كيفية الرد وهذه الدروس لا تنعكس على الصحافة فحسب، بل ايضا على تطبيق القانون ونوعية المجتمع الذي نريد ان نعيش فيه...
ماثيو كاروانا غاليزيا/أندرو كاروانا غاليزيا/بول كاروانا غاليزيا
لندن — ان الشبكة العالمية والتي تسهل الجريمة المنظمة والفساد عبر الدول هي وبشكل مأساوي واحدة من قصص النجاح الاكثر ديمومة للعولمة، ونتيجة لذلك هي ايضا واحدة من اكثر عيوبها فتكا وبينما تتدفق نتاج وعوائد الجريمة بشكل سلس عبر الحدود فإن تطبيق العدالة والقانون ما يزال بشكل عام عالقا ضمن الحدود الوطنية للدول ويتم تقويضه والتأثير عليه سياسيا بشكل مضطرد وفي الوقت نفسه فإن الصحفيين الذين يحاولون توثيق ذلك يتعرضون للترهيب والسجن والقتل.
وبينما تستمر قوى الجريمة والفساد العالمية في الحد من حريتنا وامننا، فإن الصحفيين الذين تعرضوا للقتل في أعقاب ذلك قد علمونا دروسا قوية عن كيفية الرد وهذه الدروس لا تنعكس على الصحافة فحسب، بل ايضا على تطبيق القانون ونوعية المجتمع الذي نريد ان نعيش فيه.
إن من هؤلاء الصحفيين والدتنا دافني كاروانا جاليزيا والتي تعرضت للإغتيال في مالطا في 16 اكتوبر 2017 وذلك عندما انفجرت قنبلة وضعت تحت مقعد السائق في سيارتها بينما كانت تحاول الانطلاق بسرعة للبنك من اجل اعادة فتح حسابها والذي تم تجميده من قبل وزير الاقتصاد. لقد كان ذلك آخر هجوم ضمن سلسلة من الهجمات التي تعرضت لها بسبب عملها الصحفي ولكن ذلك لم يكن آخر انتهاك تتعرض له مالطا بسبب ما كشفته والدتنا.
إن والدتنا وهي عالمة آثار مدربة تمكنت من كشف شبكة فساد تربط صفقات كبيرة عابرة للحدود مع بيع جوازات السفر وعملية عالمية معقدة لغسيل الاموال وتتبعت تلك الخطوط حتى قادتها الى قلب الحكومة المالطية.
لقد كانت النتيجة مختلفة عن ما توقعته وعوضا عن الاستقالات جاءت الاجراءات الانتقامية حيث تم تدمير جيوب الاستقلالية المؤسساتية في مالطا والتي تحملت اربع سنوات من الشعبوية وتم اعدام والدتنا في وضح النهار وهي التي كانت تعتبر منارة للأمل والشجاعة لمئات الالوف من الناس بما في ذلك قضاة ومسؤولين عن تطبيق القانون.
إن الاشخاص الذين كشفتهم والدتنا ما يزالون في المناصب العامة بينما يتعرض اولئك الذين شاركوا في حملة لتحقيق العدالة في أعقاب جريمة القتل التي طالتها للهجوم علنا. ان قيام والدتنا بكشف فساد الاقوياء في مكان تعتبر فيه المؤسسات مجرد واجهة كان الشرارة التي نتج عنها ردة فعل قوية أدت الى قتلها ولخنق الحياة العامة حاليا في هذا البلد.
لذلك لم يكن من المفاجىء ان تتراجع مالطا سنة 2018 بشكل أكبر في تصنيفات حرية الصحافة في اوروبا وهي منطقة شهدت هي ايضا أسرع تراجع عالمي كما تراجعت مالطا كذلك في تصنيفات الديمقراطية ومؤشرات حكم القانون وهي تتصدر المشهد فيما يتعلق بخطاب الكراهية.
إن تأثير الجريمة والفساد ضمن العولمة لا يقتصر على مالطا وأوروبا بالطبع وردا على ذلك قام الصحفيون الاستقصائيون بتجميع أنفسهم في شبكات عالمية مثل مشروع دافني. ان قضايا مثل اوراق بنما واوراق بارادايز تظهر مدى فعالية الصحافة الاستقصائية في فرض المزيد من الشفافية وتقويض الشبكات الاجرامية وجعل مرتكبي الفساد السياسي يدفعون الثمن.
لكن بينما يتعاون الصحفيون بشكل متزايد عبر الحدود فإن سلطات تطبيق القانون في الدول ما تزال تتخلف عن الركب فيما يتعلق بمكافحة الجريمة والفساد وكنتيجة لذلك فإن تأثير الصحافة الاستقصائية يختلف بشكل كبير بين بلد واخر ومع مرور الوقت ففي البلدان التي تكون فيها سلطات تطبيق القانون مستقلة عن الحكومة المركزية والمصالح الشخصية والتي يستطيع فيها العامة إيصال مظالمهم من خلال مؤسسات سياسية تستجيب لهم فإن الصحافة الاستقصائية يكون لها تأثير مباشر في منع الفساد ومنع تغلغله في مؤسسات الدولة.
لكن في الدول التي تفتقد للإرادة أو القدرة على إقتلاع الجريمة المنظمة والفساد من جذورهما ومع وجود شعب مستقطب لدرجة عدم القدرة على الإتحاد ضد الأعداء، فإن محاولة فرض الشفافية والمسائلة قد تأتي بنتائج عكسية وفي تلك البلدان يستمر استهداف الصحفيين – مع عواقب خطيره بالنسبة للمجتمعات المحلية والاقتصاد العالمي.
عندما يتعرض الصحفيون للهجوم فإن هذا يعني عادة ان المجتمعات التي يعملون بها هي فاسدة لدرجة ان المؤسسات الرئيسية لتطبيق القانون والضوابط الديمقراطية هي بالفعل مخترقة بشكل اساسي وهذا يجعل الصحفيون الاستقصائيون آخر الناس الذين ما زالوا يقفون بين حكم القانون واولئك الذين يسعون لانتهاكه مما يجعل عملهم أكثر خطورة واقل فعالية.
إن آخر مرحلة من العولمة قدمت لنا مونيلاند وهو عبارة عن ملعب كبير جدا للجريمة المنظمة والفساد الحكومي والذي اكتسح دول أضعف من حيث تطبيق القانون مثل مالطا لتصبح تعمل في خدمة المال المظلم. إن الرد الصحيح على ذلك لا يتمثل في التراجع الى خلف الحدود الوطنية، بل في انشاء كيان عالمي جديد مصمم لمعالجة الطبيعة العابرة للحدود للجريمة المنظمة والفساد وبادىء ذي بدء، يمكن لمؤسسات تطبيق القانون التعلم من الصحافة والعمل بشكل أكثر الحاحا لتطوير مقاربة الشبكات الموثوقة والتي اتقنتها الجريمة المنظمة.
بينما يبدو ان العالم يدخل في مرحلة جديدة من العولمة، يجب ان لا نسمح بمنح فرص جديدة للجريمة والفساد ضمن العولمة وإلا فإن مستقبلنا الجماعي سيكون ملكا لتحالف المال المظلم والتضليل والانقسام والذي حرم البلاد من أبرز صحفي فيها.
اضف تعليق