في ظل إستمرار الأزمة الخليجية وطرفيها السعودية وقطر وتلاشي مؤشرات الوصول لحلول بين البلدين الجارين، وجد كل منهما ضرورة كسب العراق إلى معسكره السياسي والإقتصادي، فهما يسعيان إلى ضمّ بغداد لمحوريهما في وقت تؤكد بغداد حاجتها لمساعدة البلدين في التخلص من آثار الدمار التي خلفها...
بقلم مصطفى سعدون
تتنافس كل من الرياض والدوحة على الدخول للعراق سياسياً وإقتصادياً بشكل كبير لهدفين، تحييد بعضهما، وكسب الحكومة العراقية الجديدة.
في ظل إستمرار الأزمة الخليجية وطرفيها السعودية وقطر وتلاشي مؤشرات الوصول لحلول بين البلدين الجارين، وجد كل منهما ضرورة كسب العراق إلى معسكره السياسي والإقتصادي، فهما يسعيان إلى ضمّ بغداد لمحوريهما في وقت تؤكد بغداد حاجتها لمساعدة البلدين في التخلص من آثار الدمار التي خلفها تنظيم "داعش" في المناطق السُنية.
ففي السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي زار وفد قطري برئاسة وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني العاصمة العراقية بغداد، وإلتقى خلال الزيارة برؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان لـ"بحث العلاقات بين البلدين".
وبعد ثلاثة أيام من زيارة وزير الخارجية القطري وصل بغداد وزير النفط السعودي خالد الفالح الذي كانت لقاءاته لم تقل مستوى عن تلك التي عقدها وزير الخارجية القطري، في وقت تمر العلاقة بين الرياض والدوحة بمرحلة توتر منذ حزيران/يونيو 2017.
لكن ما يؤكد أن الدوحة تُحاول منافسة وضرب الرياض في العراق، هي تلك اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أثناء تواجده في بغداد مع زُعماء في الحشد الشعبي يرتبطون بعلاقة وثيقة مع إيران وتُصنفهم السعودية على أنهم "ميليشيات خارجة عن القانون"، ووجه لهم الدعوة لزيارة الدوحة.
وفي ظل الإستقطاب السعودي القطري في المنطقة يبحث كل منهما عن التقرب من العراق أكثر، ففي وقت ينوي العراق فيه الإستغناء عن توريد الطاقة من إيران تجد كل من الرياض والدوحة فرصة لأن تكون بديل طهران في هذا الملف وهي فرصة أيضاً لكسب حكومة بغداد الجديدة.
ليس هذا فحسب، فبعض الكُتل السُنية في العراق الممولة أو المدعومة من السعودية وقطر تتنافس فيما بينها على منصب وزير الدفاع في حكومة عادل عبد المهدي، وهذا ما يُرجح أن يكون التنافس بين الدولتين الخليجيتين الخصمتين على هذا الملف أيضاً.
تدعم قطر رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري لتولي منصب وزير الدفاع في حكومة عادل عبد المهدي، بينما تعمل السعودية على أن يكون المرشح من إئتلاف الوطنية بزعامة أياد علاوي أو الأطراف التي لا ترتبط بعلاقة مع تُركيا وقطر.
قال الباحث في معهد جاثم هاوس في لندن ريناد منصور خلال مقابلة مع "المونيتور": إن "السعودية واجهت صعوبات في خلق حُلفاء لها في العراق، لذا هي تسعى للبحث عن قادة شيعة من الذين ينتقدون إيران، بينما قطر تمتلك علاقات قوية وقادة في الحشد الشعبي وكذلك في المحور الوطني السُني بالإضافة إلى مقربين من إيران".
وأضاف "يتوجب على العراق أن يوازن في العلاقة بينهما، ولا يُمكنه أن يكون في طرفي المعادلة في خضم الصراع السعودي القطري، خاصة وأنه لا يمتلك سياسة خارجية واحدة، لذا فإن فاعلين مختلفين سيعملون أكثر قرباً مع هذا الطرف او ذاك".
ان زيارة وفود سعودية وقطرية إلى العراق وفي وقت متزامن، يُمكنها أن تؤشر في وقت واحد: إستبعاد عودة العلاقات بين الدولتين الخليجيتين على المدى القصير، وأهمية العراق كفاعل حيادي في المنطقة وكسوق جاهزة للطاقة والغاز.
ولم يقف السباق السعودي القطري على الآليات الدبلوماسية فحسب، فإعلام الدولتين بدأ يروّج لـ"فشل" بعضهما في التأثير بالعراق أو كسبه لصالح محوريهما، فقناة العربية الممولة من السعودية تحدثت عن "رفض" عراقي لمقترح قطري لتشكيل تحالف خماسي يضمها والعراق بالإضافة إلى إيران وتركيا وسوريا.
وتحدثت صحيفة العربي الجديد الممولة من قطر، عن "فشل" سعودي في التأثير بالعراق سياسياً واللجوء إلى الملف الإقتصادي لـ"تعويض خسارتها"، وهذا ما يؤشر أن السباق أو التسابق للعراق أو عليه في أوج مراحله بين الخصمين الخليجيين.
قال إحسان الشمري وهو المستشار السابق لرئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي إن "هناك تدافع سعودي قطري على العراق، فالرياض والدوحة تبحثان عن مساحة أكبر في تنمية العلاقات مع بغداد، والسبب في ذلك لأن العراق يقف موقف الحياد في قضايا المنطقة وهذا يؤهله لتعزيز رصيد كلا الدولتين على مستوى الإشتباك الذي يحدث فيها".
وأضاف خلال حديثه لـ"المونيتور": أن "كلاً من الرياض والدوحة يمضيان في تقديم المزيد من الفرص للعراق لتنمية العلاقات معهما، والعراق لا يمتلك أي خيار سوى التوازن في علاقاته، لأن الوقوف مع طرف على حساب الآخر قد يُكلفه كثيراً خاصة وأنه لا يُريد العمل وفق سياسة التخندق مع المحاور التي يُعاد تشكيلها في المنطقة".
ركزت البيانات الرسمية التي خرجت عقب لقاءات جمعت مسؤولين عراقيين وقطريين خلال الأيام الأخيرة، على ملف "إعادة الإعمار" في المناطق السُنية المحررة الذي قالت السعودية في وقت سابق إنها ستُشارك فيه، لكن قطر أيضاً تُحاول قطر أن تبرز قوتها أكثر في ملف عراقي تعمل السعودية عليه أيضاً.
تعرف حكومة عادل عبد المهدي الجديدة أن التنافس السعودي القطري سياسياً وإقتصادياً على العراق في مرحلة نشطة جداً، في وقت يحتاج العراق إلى الدولتين الغنيتين لمساعدته في إعادة إعمار المناطق السُنية المحررة التي طالما تحدثت الرياض والدوحة عن ضرورة عدم "تهميشها"، لكن السؤال، هل ستكون الحكومة الجديدة قادرة على خلق التوازن في هذه العلاقة.
كبير الباحثين في الصندوق الوطني للديموقراطية في واشنطن رحمن الجبوري، قال لـ"المونيتور": إن "العراق يجب ألا يهتم لأي تخاصم سعودي قطري، وأن يجد طريقه الواضح لما يُريده لنفسه وللمنطقة، ومن الضروري أن تكون علاقاته مبنية على أساس مصالحه لا مصالح غيره".
اضف تعليق