تقول الشرطة النيجيرية إن المعلومات الكاذبة والصور المثيرة التي تنشر في فيسبوك أسهمت في ارتكاب أكثر من 12 جريمة قتل في ولاية الهضبة -وهي منطقة مبتلاة بأعمال عنف أثنية أصلا- في الفترة الأخيرة. عندما اتصل برنامج \"عين إفريقية\" بفيسبوك، بادرت الشركة إلى إلغاء حساب رجل...
اعداد يميسي أديغوكي وبرنامج بي بي سي "عين إفريقية"
تقول الشرطة النيجيرية إن المعلومات المضللة التي تنشر في موقع فيسبوك تؤدي إلى قتل العديد من الناس
تقول الشرطة النيجيرية إن المعلومات الكاذبة والصور المثيرة التي تنشر في فيسبوك أسهمت في ارتكاب أكثر من 12 جريمة قتل في ولاية الهضبة -وهي منطقة مبتلاة بأعمال عنف أثنية أصلا- في الفترة الأخيرة.
عندما اتصل برنامج "عين إفريقية" بفيسبوك، بادرت الشركة إلى إلغاء حساب رجل مقيم في بريطانيا كان ينشر أخبارا كاذبة يتلقفها الآلاف في نيجيريا.
ولكن شركاء فيسبوك في نيجيريا المكلفون بمراقبة دقة ما ينشر في الموقع من معلومات لم يعينوا إلا 4 مراقبين دائمين لفحص ما يرد في الموقع من معلومات وصدقها، وذلك في موقع يستخدمه أكثر من 24 مليون نيجيري.
الفصل الأول: حريق عند المعبر
في 23 حزيران/يونيو 2018، بدأت سلسلة من الصور المرعبة بالانتشار في فيسبوك.
أظهرت واحدة من هذه الصور طفلا مصابا بجروح أحدثتها سكين كبيرة في رأسه وفكه، بينما أظهر شريط مصور - تمت مشاهدته أكثر من 11 ألف مرة - جمجمة رجل وهي تكسر.
كما تداول المشاركون صورا لمنازل أحرقت عن بكرة أبيها وجثثا مضرجة بالدماء ملقاة في مقابر جماعية وأطفالا قتلوا في أسرتهم.
إدعى مستخدمو فيسبوك الذين نشروا الصور أنها تظهر مجزرة ما زالت جارية في منطقة غاشيش التابعة لولاية الهضبة (بلاتو) النيجيرية، مضيفين أن المسلمين الفولاني يقتلون المسيحيين المنحدرين من أقلية البيروم المحلية. في حقيقة الأمر، كانت مجزرة قد وقعت فعلا في غاشيش نهاية ذلك الأسبوع، ، فقد قتل عدد يتراوح بين 86 و238 من أفراد أقلية البيروم في الفترة بين 22 و24 حزيران/يونيو حسب تقديرات الشرطة وزعماء محليون.
ولكن بعضا من أكثر الصور التي تم تداولها اثارة للغضب والتقزز لم تكن لها أي علاقة بالعنف في غاشيش. فصورة الطفل المذكورة، والتي نشرت بمعية دعاء إلى الله أن "يقضي على كل جيل قتلة هذا الطفل البريء"، كانت قد نشرت في فيسبوك قبل عدة شهور. أما الشريط الذي يظهر الرجل ذا الجمجمة المكسورة فلم يصور في نيجيريا أصلا، بل في عام 2012 في الكونغو برازافيل على مسافة ألف ميل تقريبا من المكان الذي زعم أن الحادث وقع فيه.
ولكن الحقيقة لم تكن مهمة، فالصور تلقفها شباب البيروم في مدينة جوس التي تبعد مسافة ساعات عن المنطقة الريفية التي كانت المجزرة تقع فيها.
ألمحت بعض المداخلات التي نشرت في فيسبوك إلى أن المجزرة تقع في جوس نفسها، وأن سكان المدينة مهددون بهجوم وشيك. لم يتوقف إلا قليلون للتحقق من صحة هذه المعلومات أو لاستقصاء مصادر الصور البشعة التي كانت تنتقل من هاتف إلى آخر.
قال أحد قادة شباب بيروم لبي بي سي، "ما أن شاهدنا هذه الصور حتى أردنا أن نشنق أي رجل من الفولاني يقف إلى جوارنا. ومن لا يساوره هذا الشعور وهو يرى أخيه يقتل أمام عينيه؟"
أسهمت الصور في إثارة جو من الرعب والغضب والدعوات للاقتصاص من الفولاني - جو كان على وشك القضاء على زوج وأب يدعى علي الحجي محمد.
كان علي يعمل بائع بطاطا في جوس، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة.
في 24 حزيران/يونيو، توجه علي إلى بلدة تدعى مانغو للقاء بعض من زبائنه. كانت رحلة مألوفة بالنسبة له، إذ سبق له أن قام بها مئات المرات. غادر علي مسكنه بعد صلاة الفجر بقليل، وكان يأمل في أن يعود مبكرا ليتناول طعام العشاء مع زوجتيه: أمة وأمينة وأطفاله الـ 15.
ولكن لدى عودته في سيارة أجرة استقلها مشاركة مع عدد من الركاب، فوجئ علي بأن الطريق مغلق بحاجز من اطارات السيارات المشتعلة. كانت عصابة من البيروم المسلحين بالسكاكين والسيوف تحقق مع السائقين بحثا عن الفولاني المسلمين.
سحل علي عنوة من السيارة التي كان يستقلها بمعية راكب آخر. وعثر على جثته المتفحمة بعد ثلاثة أيام إلى جانب الطريق العام الواصل بين جوس وأبوجا. وكانت الجثة مشوهة إلى درجة أن زوجتيه رفضتا النظر اليها. كان علي واحدا من 11 رجلا سحلوا من سياراتهم وقتلوا في 24 حزيران/يونيو.
أضرمت النار في بعض من هؤلاء، بينما قتل آخرون طعنا بالسكاكين وتقطيعا بالسيوف. واكتشفت جثثهم في الأيام اللاحقة ملقاة في حفر أو خلف المنازل أو على قارعة الطرق. وقد أحرقت جثث الكثيرين بحيث أصبح من العسير التعرف عليها.
مما لاشك فيه أن العداء بين الفولاني والبيروم سبق ظهور فيسبوك بفترة طويلة، ولكن الشرطة والجيش في ولاية الهضبة على قناعة تامة بأن الصور المرعبة والمعلومات الكاذبة التي نشرت في موقع التواصل الاجتماعي في 23 و24 يونيو/حزيران كان لها دور مهم في إثارة أعمال الثأر التي وقعت لاحقا.
قال لنا تيوبيف تيرنا ماتياس، مسؤول العلاقات العامة في شرطة ولاية الهضبة، "كانت الصور، تلك الصور المزعومة التي قيل إن مصدرها هجوم غاشيش هي التي ألهبت غضب الناس. لم تتعرض جوس لهجمات، ولكن بسبب هذه الصور التي رأوها اغلقت الطرق في اليوم التالي وقتل العديد من الناس. أحرقت السيارات وقتل فيها العديدون.
"لم تكن تلك المرة الأولى التي شاهد فيها ماتياس تعليقات نارية مستفزة في مواقع التواصل تليها أعمال عنف في بلدات وقرى ولاية الهضبة. فهو يقول، "الأخبار الكاذبة التي تنتشر من خلال فبسبوك تقتل الناس."
بسبب هذه الصور التي رأوها اغلقت الطرق في اليوم التالي وقتل العديد من البشر. الأخبار الكاذبة التي تنتشر من خلال فبسبوك تقتل الناس.
خضع فيسبوك لمراقبة دقيقة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا للدور الذي لعبه في نشر "الأخبار الكاذبة." ولكن ما الذي عساه أن يتوقع عندما يسمح لأخبار من هذا النوع بالانتشار في مناطق في القارة الإفريقية تعاني أصلا من عنف طائفي وأثني؟ وما هي الإجراءات التي يتخذها فيسبوك للتأكد من أن موقعه لا يستغل من أجل نشر الأكاذيب والخوف والكراهية في المناطق النيجيرية المبتلاة أصلا بالحزازات والأحقاد؟
الفصل الثاني: لاغوس هي المحطة القادمة
"المحطة القادمة: لاغوس!" هذا ما كتبه المدير التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ في حسابه في آب/أغسطس 2016.
كانت تلك رحلة زوكربيرغ الأولى إلى بلدان الإفريقية جنوب الصحراء، وكان، حسب وصفه، يشعر بحماس كبير.
ومن لا يسعه أن يشعر بحماس؟ فمن المتوقع أن يرتفع عدد مستخدمي الانترنت من خلال الهواتف الذكية في نيجيريا نحو 53 مليون مستخدم في غضون السنوات السبع المقبلة، وهو عدد كبير بالنسبة لشركة تقيس نجاحها جزئيا بالنمو في عدد مستخدمي موقعها.
عندما حطت طائرة زوكربيرغ في لاغوس، كان في نيجيريا 16 مليون مشترك شهريا. أما اليوم، وبعد مضي سنتين فقط، بلغ العدد 24 مليونا.
ولكن زيادة عدد المشتركين تعني تلقائيا زيادة المحتوى، والكثير من هذا المحتوى - حسب شرطة ولاية الهضبة - كاذب ومضلل وخطر.
تقول شركة فيسبوك إنها واعية بالمشكلة، وتدعي أنها تتداركها. وقال أكوا غييكي، مدير العلاقات العامة في فيسبوك لمنطقة غرب إفريقيا الناطقة بالانجليزية في تصريح أدلى به مؤخرا، "نيجيريا مهمة بالنسبة لنا، ونحن ملتزمون بالضلوع بمسؤوليتنا بشكل جدي للتعامل مع مشكلة نشر الأخبار الكاذبة."
وقالت شركة فيسبوك لبي بي سي إنها تتبع "توجها متعدد الأوجه" للتصدي لظاهرة انتشار الأخبار الكاذبة في نيجيريا. وأَضافت، "علاوة على التقارير التي يوافينا بها موظفونا، نستخدم أدوات تعلم آلية للكشف عن المحتوى غير المناسب وازالته. كما اننا نستثمر في شراكات محلية ونتواصل مع المجتمع المدني النيجيري والمنظمات غير الحكومية والأكاديميين وصناع القرار السياسي."
تقع في قلب الجهود التي تبذلها شركة فيسبوك خطة تطلق عليها اسم "برنامج الأطراف الثالثة لفحص الحقائق." وهذا البرنامج هو جزء من توجه عام تنوي فيسبوك اتباعه عالميا وطبقته بالفعل في 17 دولة أخرى.أطلق البرنامج في نيجيريا في تشرين الأول/أكتوبر، والأطراف الثالثة هي وكالة فرانس برس للأنباء، ومنظمة (أفريكا تشيك) غير الربحية. ويقوم المراقبون التابعون لهذين الطرفين بإعادة النظر في المواضيع التي يلتقطها نظام فيسبوك الآلي المخصص لرصد الأخبار والمعلومات الكاذبة. ويتعامل النظام أيضا مع المشاركات التي يشير اليها مستخدمون آخرون على أنها كاذبة أو مضللة.
وقال أكوا غييكي، الناطق باسم فيسبوك، "نعرف أن ما من حل سحري، ولكن عندما يشير الفاحص الآلي إلى وجود أخبار كاذبة أو مضللة في محتوى ما، باستطاعتنا خفض عدد الذين يمكنهم رؤية هذا المحتوى بنسبة 80 بالمئة في المعدل."
تبدو هذه النسبة مثيرة للاعجاب للوهلة الأولى، ولكن، وبعد أن أمعن برنامج "عين إفريقية" النظر في عمل مبادرة فيسبوك للتحقق من صحة الأخبار في نيجيريا وبعد التحدث إلى خبراء وعالمين ببواطن الأمور، تبين أن الحقيقة تختلف إلى حد بعيد.
إلى الآن، لم ينجح شريكا فيسبوك في الكشف عن الأخبار الكاذبة والمضللة، في احالة إلا أربعة اشخاص إلى تحليل وتشخيص دقيق للأخبار التي نشروها في الموقع الذي يستخدمه 24 مليون نيجيري كل شهر.
هذا في حين يقول ألكسيوس مانتزارليس، الذي يعمل مديرا لدى شبكة تدقيق الحقائق الدولية، وهي الهيئة التي تأخذ على عاتقها تصنيف جودة الوكالات المتخصصة في تدقيق الحقائق، إن أي مدقق بإمكانه إكمال "بين 20 و100 عملية تدقيق منفردة" في الشهر الواحد. ولكن في نيجيريا، التي يصعب فيها الحصول على معلومات وأرقام معتمدة، يكون هذا العدد أقل في أغلب الأحيان. وقال مصدر آخر يعمل لصالح أحد شريكي فيسبوك للتحقق من الحقائق - طلب عدم ذكر اسمه - إن المدققين لا يتحققون أحيانا من أكثر من خمسة مواضيع في الأسبوع.
قال غبينغا سيسان، الناشط النيجيري في شؤون الحقوق الرقمية الذي التقى بعدد من ممثلي فيسبوك لبحث موضوع توسع الشركة في نيجيريا"إنهم بالكاد يبدأون عملهم. وفي نهاية المطاف، هؤلاء رجال أعمال همهم جمع الأموال."
من جانبها، عبرت جولي أوينو، المديرة الكاميرونية لمنظمة انترنت بلا حدود - وهي جماعة ناشطة في الشؤون الرقمية - عن يقينها بأن خطط فيسبوك لا تتناسب مع حجم المشكلة. وقالت، "هناك عدم تناسب بين التهديد الماثل من جهة والجهود المبذولة لمواجهته من جهة أخرى. هل هناك أربعة مدققين للحقائق فقط؟ أمر مخيف حقا."
ومن الأمور الأكثر اثارة للقلق جهل المدققين الأربعة الذين يعملون لصالح شريكي فيسبوك في نيجيريا للغة الهاوسا التي يتحدث بها الملايين في عموم البلاد. ولكن شركة فيسبوك تنفي ذلك، وقالت لبي بي سي إن هؤلاء المدققين "يعرفون الهاوسا"، موضحة لاحقا أن فرق التدقيق لديها يمكنها الحصول على اسناد من ناطقين بالهاوسا عند الضرورة.
قامت بي بي سي بفحص أكثر من 50 مداخلة نشرت مؤخرا في فيسبوك بلغة الهاوسا تحتوي على خطاب كراهية أو معلومات مضللة كان بعضها مرعبا حقا.
فإحدى المداخلات على سبيل المثال تحتوي على صورة لجثة ملقاة على الأرض وجلدها محروق ومتقشر، كتب إلى جانبها التالي: "هذا هو جون أوكافور (وهو اسم يوحي بأن صاحبه من الإيغبو) الذي حاول تدخين الحشيشة مستخدما صفحات من القرآن، فاشتعلت فيه النيران على الفور."
أما الحقيقة، فالصورة التقطت بعد هجوم مروع على امرأة اتهمت بممارسة السحر في لاغوس في عام 2014، قيل إنها احرقت حية وماتت لاحقا متأثرة بجروحها.
ولكن الحقائق لم تكن ذات أهمية بالنسبة للشخص الذي نشر المداخلة، كما لم يلاحظ الذين سجلوا اعجابهم بها أنها صورة قديمة لا علاقة لها بما يجري من أحداث. فالقصة التي شاهدوها هي لمسيحي - من طائفة الإغبو المسيحية - يبدي ازدراءه للاسلام الذي تدين به غالبية النيجيريين الناطقين بالهاوسا. إنها من نوع القصص التي قد تكون لها نتائج كارثية خصوصا في منطقة تمزقها أصلا الصراعات الأثنية والدينية.
سبق لزوكربيرغ أن قال في مقابلة أجرتها معه بي بي سي في عام 2011 - في الفترة المبكرة لتوسع فيسبوك على النطاق العالمي - إن "أي شيء تعمله في العالم يصبح أفضل اذا كنت مع اصدقاء لك. إن نقل هذا النوع من التجارب للناس في كل هذه الأماكن المختلفة لهو أمر جميل حقا."
ولكن، وبعد مرور سبع سنوات على هذا الكلام، يبدو أن التفاؤل الذي كانت شركة فيسبوك تشعر به آنذاك بدأ بالخفوت نتيجة الانتقادات التي واجهتها لدورها المزعوم في اللغط الذي احاط بالانتخابات في الولايات المتحدة وبريطانيا، وبالادعاءات القائلة إن موقع فيسبوك يستغل لنشر الفرقة والأخبار الكاذبة حول العالم من الكاميرون إلى ميانمار. وتحاول الشركة مواجهة ذلك عن طريق إطلاق الحملات الدعائية، مثل الاعلان القائل "الأخبار الكاذبة ليست صديقة لنا" الذي نشرته في وقت سابق من العام الحالي.
وقالت الشركة لبي بي سي في تصريح إن أي تلميح بأنها "لا تحارب اساءة استخدام فيسبوك في نيجيريا تلميح مضلل."وقالت الشركة، "نعلم بأن لدينا مسؤولية في ضمان سلامة الناس ومنع نشر المعلومات المضللة ومواصلة العمل بقوة لمحاربة أي اساءات."
ولكن مع ذلك، تواصل الأخبار الكاذبة والصور المرعبة انتشارها في فيسبوك. بعثنا إلى فيسبوك بشريط الرجل الذي فتح رأسه، والذي سجل قبل سنوات أربع في الكونغو برازافيل ولكنه انتشر بشكل واسع في ولاية الهضبة النيجيرية بعد ساعات من اندلاع هجمات الثأر الطائفية في حزيران/يونيو في العام الحالي. ومحى فيسبوك المداخلة فورا قائلا إنها تنتهك تعليماته حول منع المداخلات التي تحرض على العنف والتي تحتوي على صور مرعبة تصور القتل.
ولكن بحثا سريعا في موقع فيسبوك أجريناه في اليوم التالي كشف عن وجود نفس الشريط المثير للرعب والتقزز في مداخلات أخرى يصحبه الادعاء الكاذب القائل إنه يظهر مجزرة وقعت في نيجيريا. يذكر أن هذا الشريط استخدم لإثارة الفزع في عموم القارة الإفريقية منذ نشره للمرة الأولى في عام 2012. وأدعى أحد المستخدمين أنه يصور هجوما وقع في عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية كينشاسا، بينما قال آخر إنه يظهر فظائع ارتكبها مسلحو تنظيم بوكو حرام في الجزء الشمالي من الكاميرون.
أين سيظهر هذا الشريط في المرة القادمة؟ ولأي غرض سيستغل؟
الفصل الثالث: انذارات كاذبة
لا توجد في نيجيريا منظمات تستوعب خطورة ما ينشر من "أخبار كاذبة" أكثر من شرطة ولاية الهضبة، التي قالت لبي بي سي إنها ترصد فيسبوك بشكل مستمر بحثا عن "أخبار كاذبة وصور زائفة."
ولاية الهضبة هي الولاية التي شهدت مجازر غاشيش في حزيران/يونيو الماضي، وهي الولاية التي قتل فيها بائع البطاطا علي في أعمال الثأر التي أعقبت تلك المجازر.
قال الناطق باسم الشرطة تيوبيف تيرنا ماتياس، وهو جالس عند مكتبه في مقر الشرطة المتهالك والمحاط بدعائم من الخرسانة المقاومة للقنابل، "نتصفح مواقع فيسبوك بكل ما أوتينا من طاقة." ولماتياس فريق مكون من عشرة أفراد يقوم بمراقبة فيسبوك بحثا عن أي أخبار أو معلومات كاذبة، وهذا الفريق مقسم بين مكتبه الشخصي ودائرة الاتصالات المنفصلة.
ومهمة هذا الفريق غير محددة بالرصد فحسب.
وصف لنا ماتياس حادثة وقعت مؤخرا اتصل فيها أحدهم بالشرطة بعد ما صدمته مداخلة في فيسبوك قالت إن رجالا في طريقهم لمهاجمة قريته. استنفرت الشرطة قواها وأرسلت بعدة آليات محملة بالأفراد إلى تلك القرية حيث انتظروا لمدة يومين ظهور المهاجمين المزعومين قبل أن يقرروا أن المداخلة كانت عبارة عن أخبار كاذبة.
يقول ماتياس إن حوادث مشابهة تكررت عدة مرات، ولكن الشرطة لا يسعها تجاهل التهديدات التي تنتشر من خلال فيسبوك. ويضيف، "أن القرى في ولاية الهضبة معرضة للهجمات بشكل مستمر، ولذا، عندما تصلنا معلومات كهذه، نأخذ الأمر بكامل الجدية. ولكن نكتشف بعدئذ أنها مبنية على معلومات كاذبة. هذا الأمر يرهقنا جدا."
يستخدم فريق ماتياس فيسبوك لتكذيب المعلومات المضللة اينما وجدها في الموقع، وذلك لمنع الفزع الذي تسببها والذي يستنفد موارد الشرطة. وفي الأوقات المأزومة، يستخدم أفراد الفريق حساباتهم الشخصية لتفنيد الشائعات، ويناشدون الزعامات المحلية عمل الشيء ذاته. ولكن الكم الهائل من المعلومات الكاذبة التي يتم تدولها في ولاية الهضبة يكاد يطغي على كل الجهود المبذولة لمجابهتها.
فبالإضافة لهجوم حاجز التفتيش الذي كلف عليا حياته، يسرد ماتياس أكثر من عشر حوادث يقول إن المعلومات الكاذبة والمضللة المنشورة في فيسبوك كان لها دور في التحريض على القتل والاعتداء والعنف المدني، ومنها اعمال شغب أدت في حزيران/يونيو 2018 إلى اتلاف مبان حكومية وحادث تدافع في شوارع مدينة جوس عقب ورود تقارير كاذبة تتحدث عن هجوم ومقتل اثنين من رجال الإيغبو على أيدي جموع في أيلول/سبتمبر 2017. يقول، "إنها تسبب الفزع. إن الأخبار الكاذبة تحدث الكثير من الضرر لمجتمعنا. نأمل أن تستجيب شركة فيسبوك لنا وتعمل على تدارك الأمر بسرعة."
وتشارك وحدات الجيش النيجيري المتمركزة في ولاية الهضبة ماتياس الرأي.
فبين شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر، تمكن الجيش من تكذيب سبعة مواضيع كاذبة في فيسبوك. ويقوم الجيش، اضافة لمراقبة ورصد الموقع، بتنظيم اجتماعات دورية مع الأئمة المحليين ورجال الدين المسيحي والسياسيين لتوعيتهم حول مخاطر نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة.
يقول اللواء أوغسطين أغوندو، قائد عملية حفظ سلام كبيرة في الولاية، "إنه ميدان جديد في فن الحرب. فالأخبار الكاذبة تنتشر انتشارا كبيرا قبل أن تعلم ما يجري، وعليك بذل الكثير من الجهد لاحاطة الناس علما بأن هذه الأخبار كاذبة بالفعل."
أما الرائد آدم عمر، وهو ضابط توجيه معنوي بارز في الجيش النيجيري، فيقول إن الفريق الذي يقوده فتح رقما هاتفيا خاصا يتيح للسكان المحليين الإخبار بواسطته عن "الأخبار الكاذبة". وأضاف أن الجيش بات يستخدم البث الإذاعي لغرض تكذيب الأخبار المضللة.وقال الرائد آدم بعد عودته من مهمة لاحلال السلم، "المشكلة تؤلب القبيلة على الأخرى، والدين على الآخر، وهي تسهم في زيادة التخلف."
عاين الرائد عمر عواقب المجزرة التي شهدتها غاشيش في حزيران/يونيو الماضي.
ويعتقد هو أيضا أن "الصور المزورة" التي نشرت في فيسبوك كان لها دور كبير في اشعال نار الفتنة والثأر في جوس. وقال إن حادثة مماثلة وقعت في العام الماضي عندما اندلعت اشتباكات بين الإيغبو والهاوسا بعد نشر صور في فيسبوك قيل إنها التقطت لهجوم وقع شرقي البلاد.
ولا ينحصر صراع نيجيريا مع "الأخبار الكاذبة" التي تنتشر عبر وسائل التواصل في ولاية الهضبة فقط، بل يتعداها ليشمل عموم البلاد. ففي عام 2018، أعلنت الحكومة النيجيرية عن اطلاق حملة تعم البلاد بأسرها تهدف إلى توعية النيجيريين بالمشكلة ومخاطرها.
وفي الحفل الذي أقيم لإطلاق الحملة في حزيران/يونيو الماضي، قال وزير الاتصالات النيجيري في كلمة ألقاها بالمناسبة إنه "في بلد متعدد الأثنيات والأديان كبلدنا، تعتبر الأخبار الكاذبة بمثابة قنبلة موقوتة."
الفصل الرابع: التقرب من العالم
تقول المفوضية النيجيرية للاتصالات إن أكثر من 100 مليون من سكان البلاد يستخدمون الانترنت، أي أكثر بثلاثة أضعاف من عدد المستخدمين في عام 2012. ومن المتوقع أن تنضم اليهم ملايين أخرى في السنوات القليلة المقبلة، وفيسبوك يؤدي دورا في مساعدة النيجيريين على التواصل.
خلال الزيارة التي قام مارك زوكربيرغ بها لنيجيريا في عام 2016، دشنت شركة فيسبوك خدمة (فري بيسكس) بالمشاركة مع شبكة (أير تيل أفريكا) للهواتف المحمولة.
وأتاحت هذه الخدمة لمستخدميها الوصول إلى 80 موقعا ألكترونيا مجانا. ومن هذه المواقع كان موقع فيسبوك.
أصبح فيسبوك بمرور السنين جزءا اساسيا من الحياة اليومية للملايين من الشباب في نيجيريا. يقول دينيس دافو ذو الـ 18 عاما، "إنه يجعل العالم قريبا، إذ نتمكن من تأسيس صداقات في شتى بقاع العالم. نتحدث مع اصدقائنا. كما يساعدنا فيسبوك على التعرف على البلدان الأخرى كما يساعد الآخرين على التعرف على بلادنا."
أما بام فينا ذات الـ 17 عاما والتي تقيم في احدى ضواحي جوس، "أدخل موقع فيسبوك يوميا ولدي 3 آلاف صديق."
دينيس وبام صادقان في اعجابهما بفيسبوك، وتتناغم تعليقاتهما مع الهدف الذي وضعه زوكربيرغ "بربط العالم ببعضه."
ولكن دينيس وبام، شأنهما شأن العديد من مستخدمي فيسبوك الذين تحدثنا إليهم، اعترفا بجهلهما بسبل الإخبار عن الصور المزعجة أو المخيفة التي تظهر بين الفينة والأخرى على شاشات هواتفهما ينتمي الإثنان إلى أقلية البيروم ويشاهدان مرارا مداخلات مهينة بحق شعبهما.
وليسا الوحيدين في ذلك. فالعديد من الشباب النيجيريين ما زالوا غير ملمين بكيفية التعرف على "الأخبار الكاذبة" وكيفية الإخبار عنها.
يقول محمد بالا، استاذ الاتصالات الشاملة في جامعة باييرو، "ليست لمعظم الناس أي فكرة حول ما ينشرونه أو يعيدون نشره لأنهم أنفسهم يفتقرون إلى الوعي الإعلامي. لا يفقهون الدوافع والنوايا المبيتة ولا يفهمون التيارات التي تعتمل تحت السطح."
يعرّض هذا الجهل بمبادئ الثقافة الاعلامية الشباب في نيجيريا إلى التضليل الخطر الذي يتعرض له الآلاف من خلال فيسبوك في هذه المنطقة من العالم.
قال فيسبوك لبي بي سي إنه يعمل على معالجة موضوع التثقيف الاعلامي. وقالت الشركة إنه اضافة إلى المبادرة التي أطلقتها لتدقيق صحة المعلومات والأخبار وأدوات التعلم الآلية، فقد أطلقت مؤخرا برنامجا تحت عنوان "برنامج السلامة والتثقيف الرقمي للشباب" انخرطت فيه نحو 140 مدرسة في نيجيريا.
ولكن تعود مشكلة الأحجام والمقاييس لتكشف عن وجهها. ففي نيجيريا أكثر من 54 ألف مدرسة ثانوية، ناهيك عن ملايين الأطفال النيجيريين الذين لا يذهبون إلى المدارس أصلا.
قال الدكتور سام غودانغز، استاذ العلوم السياسية في جامعة جوس، "ينبغي على مالكي فيسبوك أن يفعلوا المزيد، فالمسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق الشركات تعد جزءا لا يتجزأ من أخلاقيات العمل التجاري. فإذا سمحت للأخبار الكاذبة بالاستمرار في خلق الكراهية، فإنك تشارك في قتل الناس دون أدنى شك."
الفصل الخامس: قضاء مبرم
في نيجيريا، تتداخل في أغلب الحالات الحدود بين التضليل وخطاب الكراهية.
ولكن الواضح أنه، وبالرغم من الجهود التي تبذلها شركة فيسبوك للتعرف على الأخبار الكاذبة وازالتها، ما زالت المئات من المداخلات الجارحة والمحرضة تجد طريقها إلى الموقع.
بعض من هذه المداخلات تروي قصص فظائع حصلت بالفعل، ولكنها مصاغة بلغة تهدف إلى التحريض على الكراهية ضد أقلية بعينها، والبعض الآخر ينشر أخبارا كاذبة تتحدث عن أعمال قتل. ويحتوي الكثير من المداخلات على أنصاف حقائق، أي شائعات وتلميحات تنتشر من هاتف إلى هاتف في قرى الوسط النيجيري مثيرة القلق والهلع في نفوس السكان المتأثرين أصلا بالعنف الذي شهدوه في السنوات الأخيرة.
ويبرز في هذا الخضم المعتم اسم شخص واحد مسبب للشقاق: الدكتور ادريس أحمد، الذي يشير الجيش النيجيري إليه تحديدا بوصفه مثيرا للشغب في الانترنت.
يمكن النظر إلى أحمد على أنه تجسيد حي للمشاكل المعقدة التي يواجهها فيسبوك. يقيم أحمد في بريطانيا ويدير جماعة تطلق على نفسها اسم (مواطنون موحدون من أجل السلم والاستقرار). وهو يعرف نفسه على أنه من الفولاني. ولكن من الأمان الذي يتمتع به في بيته في احدى ضواحي مدينة كوفنتري في إنجلترا، يقوم أحمد بزرع بذور الخوف في ولاية الهضبة في نيجيريا.
كتب أحمد مداخلة في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر 2018 - وهي مداخلة تم تدوالها أكثر من 890 مرة على فيسبوك - "لقد خبرنا ما فعله تنظيم بوكو حرام من فظائع، ولكن لم نر أبدا ارهابيين يقتلون اخوانهم من بني البشر ويجدون متعة في التهام لحمهم! إن ارهابيي البيروم تفوقوا على كل الآخرين، إنهم أسوأ ما انتجت القارة الإفريقية من وحوش برابرة. يجب علينا القضاء على ارهابيي البيروم قضاء مبرما بكل الوسائل المتاحة."
إن استخدام تعابير مثل "وحوش" و"برابرة" مثير للصدمة، ولكن التعبير المهم فيما كتبه أحمد - ويكتبه - هو تعبير "ارهابيين". دأب أحمد على استخدام هذا التعبير مرارا عندما يشير إلى البيروم، ويرفق ذلك بدعوات "القضاء عليهم ومحوهم عن بكرة أبيهم." بهذا الأسلوب، يصوغ أحمد دعوته إلى التصفية بعبارات توحي بأنه يشير إلى مجرمين سياسيين بعينهم وليس إلى أقلية عرقية بأسرها. وصف أحمد البيروم "بالارهابيين" في مداخلات نشرها في فيسبوك تسع مرات على الأقل هذه السنة.
الحقيقة تقول إنه لا وجود لأي جماعة ارهابية تخص أقلية البيروم معترف بها دوليا. وبينما ارتكب أفراد من البيروم جرائم قتل خلال الأزمة التي تمر بها ولاية الهضبة فعلا، لا يشارك شعب البيروم بأسره في أعمال عنف.
ولكن عددا من أتباع ادريس أحمد يعمدون إلى تكرار النبرة التي يستخدمها، وهي نبرة تتعمد تجريد الآخر من انسانيته، في الاشارة الى البيروم ككل. جاء في تعليق على احدى مداخلاته نداء "محو البيروم" واصفا إياهم بالـ "وحوش والبرابرة". وجاء في تعليق آخر، "تستحق الثناء لفضحك هؤلاء القتلة الصامتين. آمل أن يرد الجيش بالغضب والنار ويحيلهم إلى بقع من الدهن."
ليس أحمد مستخدم فيسبوك الوحيد الذي يلجأ إلى خطاب يتسم بالعنف ويدعو إلى الفرقة والانقسام ضد أقلية البيروم. فبعض المداخلات بلغة الهاوسا في فيسبوك أكثر صراحة من تلك التي يكتبها، في دعوتها إلى "محو" البيروم. كتب أحد هؤلاء مداخلة في الـ 25 من حزيران/يونيو لمتابعيه الـ 5000 قال فيها، "على قوات الأمن أن تتجاهل منظمة العفو الدولية وأن تمحي البيروم كليا من الوجود. على قوات الأمن أن تقتحم مناطق البيروم بأسلحتها المتطورة وتقتل الجميع، البشر والحيوانات وحتى الطيور."
في شهر أيلول/سبتمبر من العام الحالي، استخدم أحمد حسابه في فيسبوك لنشر اعلان غير مؤكد عن موت جنرال متقاعد. واوحت المداخلة بأن الجيش متورط في قتل الجنرال المذكور، مما زاد من التوترات القائمة أصلا. استشاط الجيش النيجيري غضبا من ادعاء أحمد هذا.
إذ قال تكساس تشوكوو، مسؤول العلاقات العامة في الجيش النيجيري في رد على مداخلة أحمد، "نتحدى الدكتور ادريس أحمد بتوفير أي دليل يثبت ادعاءاته الصبيانية." ووصف المسؤول العسكري ما جاء به أحمد حول اختفاء الجنرال "بالغبية، وبأنها منفصلة تماما عن الواقع."
كما عبر أفراد من أقلية البيروم العرقية في جوس عن قلقهم البالغ من النشاط الذي يمارسه ادريس أحمد من خلال فيسبوك.
فقد قال جوشوا بواجوك، وهو ناشط شبابي من البيروم يقيم في جوس، "إن إدريس عامل هدم ودمار. فقد نجح في بناء جيش كراهية، جيش من شعبه."
في معرض حديثه على موضوع خطاب الكراهية و"الأخبار الكاذبة" بشكل عام، قال سام غودونغز، استاذ العلوم السياسية في جامعة جوس إن فيسبوك لم يستوعب خطورة الموقف. ومضى للقول، "بشكل تراكمي، هذا الموقف مسؤول عن جرائم ابادة. كم أتمنى أن يعي فيسبوك خطورة الوضع الذي نواجهه. واذا كان واعيا، اتساءل عن سبب تقاعس فيسبوك عن تداركه، فنحن نتكلم عن أرواح بشر."
لكن فيسبوك قال لبي بي سي إن لديه فرقا "مكرسة لمنع الأخبار الكاذبة والاستقطاب من الانتشار والمساهمة في إيذاء العالم بشكل فعلي،" خصوصا في تلك الدول التي قد تكون لهذه النشاطات "عواقب تتعلق بالحياة والموت." وقالت الشركة إنها بصدد تعيين موظفين جدد واجبهم تحديدا التصدي لهذه المشكلة على نطاق العالم، ولكنها لم تتطرق إلى تفاصيل محددة حول الوضع في نيجيريا.
لكن لا يسع لفيسبوك الادعاء بأنه لا يعلم بنشاطات ادريس أحمد.
فقد علّق حسابه مرتين، مرة في عام 2016، والأخرى في عام 2017. ولكن هذين التعليقين لم يستمرا طويلا، إذ سمح له بمعاودة نشاطاته بعد أيام قليلة. وكان برنامج بي بي سي "عين إفريقية" قد اشتكى لدى فيسبوك في 8 تشرين الثاني/نوفمبر حول احدى مداخلات أحمد التي أشار فيها إلى ضرورة "محو" البيروم. وقام فيسبوك بإزالة المداخلة في اليوم التالي وعلّق حساب أحمد لمرة ثالثة. ولكن حسابه الثاني، والذي يتابعه أكثر من 30 ألف مشترك، والذي يشير فيه إلى البيروم على أنهم "ارهابيون"، ما زال قيد الاستخدام.
لم يرد ادريس أحمد على طلب بي بي سي الإدلاء بتعليق رسمي إلى الآن. وفي مكالمة هاتفية، قال إن رواية بي بي سي عن صفحته في فيسبوك "غريبة إلى حد بعيد" وإنها لا تعكس شخصيته بشكل نزيه.
وقال أحمد لمتابعيه في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، "سأحاول استرداد حسابي المعلق باقناع مسؤولي فيسبوك بالالتزام بالمنطق. دعواتكم لنجاحنا."
الفصل السادس: دوامة الحقد
زارت بي بي سي في شهر تشرين الأول/أكتوبر منزل أمة وأمينة، أرملتي علي بائع البطاطا الذي قتل عند حاجز في حزيران/يونيو.
في الطريق المؤدي إلى القرية التي تقيمان فيها، وفي المكان الذي سحل فيه علي من سيارة الأجرة التي كان يستقلها، كان الأسفلت ما زال مسودا من تأثير اطارات السيارات التي أشعلت ذلك اليوم. شاهدنا عدة أماكن مشابهة إلى الجنوب من جوس، أماكن تذكرنا بالرجال الـ 11 الذين قتلوا وتؤكد لنا بأن "الأخبار الكاذبة" - في وسط نيجيريا على الأقل - قد تولد عنفا حقيقيا.
عند أول نظرة، بدا مسكن علي نموذجا للسلم والألفة المنزلية. فبينما كانت طفلة تطالع كتابها المدرسي، كان اثنان من أشقائها يتحدثان فيما بينهما. وكانت أمينة أرملة علي تغسل الملابس في اناء كبير وهي جالسة على كرسي متهالك ووليد مربوط بظهرها. أما أمة، زوجة علي الأولى، فكانت جالسة في زاوية تغسل الصحون وأدوات المطبخ.
ولكن الصمت الذي ساد الغرفة كان علامة على أن شيئا ما لم يكن طبيعيا في المنزل. وعندما بدأت أمة تتحدث عن علي الذي تزوجته قبل 20 عاما، اجهشت بالبكاء.
كانت أمة تكفكف دموعها بشال وردي اللون وهي تصف زوجها الراحل بأنه كان رجلا رقيقا وصاحب دعابة وكريم النفس. وقالت إنه كان يحب الأطفال، إلى درجة أنه تبنى اثنين من أبناء اخيه بعد وفاته. وتذكرت كيف كان علي يجلب الحلوى للأطفال دائما عندما كان يعود من رحلاته.
وقالت أمة وهي تتأمل الوجوه الصغيرة التي كانت تتحلق حولها، "كان يلهو معهم كثيرا. ولو كان هنا لما رأيت هؤلاء الأطفال يحيطون بنا."
تتمكن أمة وأمينة من الاستمرار بمساعدة جيرانهما وغيرهم من السكان المحليين الذين صدمهم مقتل علي. كانت الأرملتان تعيدان بناء حياتهما شيئا فشيئا، وتأملان بحلول السلم في المنطقة.
قالت أمة وهي تشير بعينها إلى أحد الأطفال، "هل ترى ذلك الطفل الصغير؟"
"يقول لي يوميا، يا أماه، ساشتري يوما سلاحا وأرمي أولئك الذين قتلوا أبي!"
اضف تعليق