الكاتب: كارولين روز، نقلا عن صحيفة Atlantic Council
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
ترجمة: هبة عباس
في الوقت الذي يرفرف فيه العلم العراقي فوق حقول النفط في محافظة كركوك، يهدد المحور الرئيس في العلاقات الكردية الاسرائيلية بعزل كردستان العراق من نظام تحالفها المحدود، اذ فقدت حكومة الاقليم في اربعة ايام اغلب الاراضي التي سيطرت عليها قوات البيشمركة عام ٢٠١٤، وانسحبت القوات الكردية الآن إلى حدود الإقليم التي كانت تحتلها قبل الانتفاضة الكردية عام 1991، حيث تواجه الأضرار التي لحقت بمؤسساتها السياسية والاقتصادية وسيستغرق التخلص منها عدة سنوات، وسواء كان الرئيس بارزاني قد صمم الاستفتاء لتحقيق الانفصال أو الاستقلال السياسي فانه يعد محاولة فاشلة، وهذا الأمر يعّرض موقف حكومة إقليم كردستان في سوق النفط العالمية والشراكات الإقليمية الاستراتيجية للخطر.
ومع تحرك القوات العراقية في الاراضي المتنازع عليها، ستستمر بصمة كردستان العراق بالتراجع في سوق النفط العالمية اذ سيكون لها حقل نفط واحد فقط في كركوك ينتج اقل من ١٥٠ الف برميل يومياً، وبغض النظر عن أي صفقة مع العراق لتقاسم هذه الأصول، تم محو 9 مليارات برميل من النفط الخام في كركوك والبلايين من عائدات التصدير في المستقبل من اقتصاد الإقليم، وقد تفقد الشركات الخاصة الـ ٣.٨ مليون التي حصلت عليها من قيمة التسليم، ولتعويض هذه الخسائر من المرجح ان تقيم علاقات مع روسيا التي تعتمد تجارتها النفطية بشكل ثانوي على الواردات الكردية.
وعندما توجه الأكراد العراقيون إلى صناديق الاقتراع للتصويت في استفتاء 25 أيلول، رفعوا الأعلام الإسرائيلية إلى جانب علم إقليم كردستان في شوارع أربيل، وفي الوقت الذي اصبحت فيه كردستان على خلاف مع الولايات المتحدة وتركيا وايران والعراق والاتحاد الاوروبي بقيت اسرائيل الى جانب بارزاني، ولم يكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المسؤول الوحيد عن الاستفتاء على الاستقلال، لكنه يؤيد أيضا التصويت على الانفصال الكردي عن الحكومة الاتحادية في العراق، وبسبب مغامراتها السياسية وعلاقتها التجارية النفطية الوثيقة اصبحت اسرائيل اكثر عرضة للخطر في كردستان.
تربط الحكومتان الكردية والاسرائيلية علاقات طويلة تعود الى القرن الثامن عشر عندما كانت كردستان موطنا لقبيلة بنيامين اليهودية، وتم اعادة توطين اكثر من ٢٠٠ الف من الاكراد اليهود في اسرائيل بعد مذبحة "الفرهود" عام 1941، وفي منتصف عام 1960، وقفت إسرائيل إلى جانب الأكراد العراقيين في معارضة اتفاق الجزائر في العراق، وأرسلت وحدات لتدريب وتسليح مقاتلي البشمركة الكردية، ومن جانبهم اعتبر السياسيون وأعضاء مجلس الوزراء الإسرائيليين كردستان العراق نسخة من اسرائيل قبل قيام دولتها عام 1948، ويرون أن صداقة كردستان تتماشى مع سياسة إسرائيل "تحالف المحيط"، خاصة بعد الحملة الناجحة ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، ويبدو أن كردستان العراق هي الوجهة المثالية لإسرائيل من أجل درء الهلال الشيعي المتزايد في إيران وتقويض الجهود العربية المركزية.
ان الخطر الذي شعرت به الشركات الخاصة في التعامل مع حكومة اقليم كردستان كان بمثابة فرصة للقطاع الخاص الاسرائيلي، فمنذ عام ٢٠١٤ عملت حكومة اقليم كردستان في سوق نفطي مستقل تحديا لشروط الميزانية التي وضعتها الحكومة الفيدرالية، وذلك من خلال بيع النفط الخام الى الوسطاء التجاريين الذين يبيعونه بعد ذلك الى شركات خاصة في اكثر من عشر دول.
وقد استخدم عملاء حكومة اقليم كردستان عمليات النقل من سفينة الى اخرى مع قيام الشاحنين في كثير من الاحيان بإيقاف الترددات من اجل اخفاء الوجهة النهائية للبضائع، وقد استفادت حكومة الاقليم من الصفقات التي عُقدت مسبقا مع التجار، على الرغم من الديون التي تشير اليها تقلبات اسعار النفط والتي يجب على الاقليم تسديدها. كانت مصافي التكرير الاسرائيلية من اوائل العملاء الذين تعرضوا لخطر تجارة النفط الخام مع الاقليم، وسرعان ما اصبح يحصل اكبر المشترين في كردستان على اقل من ٣٠٠ الف برميل من النفط الخام المتوسط يوميا، وقد لبت صادرات النفط الخام الكردية حوالي ٧٧٪من الطلب الاسرائيلي اي ثلاثة ارباع واردات الدولة التي تم انتاج معظمها في كردستان التي كانت تسيطر على حقول النفط في كركوك وكانت تنتج حوالي ٤٥٥الف برميل يوميا، ولم تعمل الشركات الإسرائيلية كأكراد كردستان فقط بل عرضت الدولة على وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان وسيلة رئيسة للوصول إلى سوق النفط العالمية، وقد سمح الميناء الإسرائيلي في عسقلان لحكومة إقليم كردستان بنقل النفط من سفينة إلى اخرى، والتي لم تتمكن أجهزة استشعار الرادار من كشفها في الوقت الذي بدأت فيه حكومة اقليم كردستان بالمشاركة المباشرة في السوق العالمية.
وبسيطرة العراق على مدينة كركوك بدأت حقبة جديدة من العلاقات الكردية الاسرائيلية، وشهد المجتمع الدولي بالفعل تحولا في السلوك الإسرائيلي، اذ أصدر نتنياهو تعليمات للمسؤولين الحكوميين بعدم الاعتراض على نتائج الاستفتاء وقوض اي رد فعل رسمي بشأن سيطرة العراق على مدينة كركوك، ومع السيطرة على القطاع الخاص الاسرائيلي لتعويض الخسائر في صادرات النفط الكردية، قد تدرك حكومة نتنياهو ان دعم حكومة اقليم كردستان المجزأة سياسيا غير مجدي ويخاطر بالعداء مع إيران وتركيا والعراق وبالتالي سيؤثر على دعمها الجماهيري.
اضف تعليق