جوليات دوبيرد
ما هي أوجه التشابه بين كتالونيا وكردستان العراق؟ في الواقع، يعد سكان هذين الإقليمين الذين يتمتعان بالحكم الذاتي، على موعد خلال الأيام القادمة، مع استفتاء للإدلاء بأصواتهم حول الاستقلال التام، علما وأن الإقليمين يبعدان عن بعضهما البعض قرابة 3500 كلم.
في هذا الإطار، سيقوم أكراد العراق بالتصويت على الاستقلال التام يوم الاثنين، في حين أن الكتالونيين، سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع يوم غرة تشرين الأول/ أكتوبر، بعد أن قررت السلطة الانفصالية في كتالونيا تجاهل قرار المحكمة الدستورية الإسبانية القاضي بمنع إجراء هذا التصويت. وفي الأثناء، قُوبل التصويت على استقلال كردستان العراق بالرفض، حيث أمرت المحكمة العليا للبلاد، يوم الاثنين، بتعليق عملية التصويت إلى حين النظر في شرعيتها الدستورية، في الوقت الذي تخضع فيه السلطة التنفيذية الإقليمية لضغوط دولية لتتراجع عن الاستفتاء.
ولسائل أن يسأل، هل أن الاستفتاء حول تقرير المصير يعد خطوة ناجعة نحو ضمان الاستقلال؟ وما هي الدول التي سبق لها وأن قامت باستفتاء في أوروبا وخارجها؟ وما هي الأقاليم التي من الممكن أن تعلن استقلالها؟
هل غالبا ما يتم التشاور مع الناخبين للإدلاء بأصواتهم لاستقلال إقليم ما؟ وهل تقوم الدول بتأطير هذا النوع من التشاور؟
تعددت الاستفتاءات حول الاستقلال أو تقرير المصير. وقد تم اعتمادها بالأساس في خضم التخلص من الاستعمار، وذلك عملا بالمقولة الشهيرة "حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها". أما من وجهة نظر قانونية، لا يعتبر هذا النوع من التشاور مع المواطنين، في حد ذاته، استفتاء. فضلا عن ذلك، يعد هذا الإجراء محظور من قبل الدستور الوطني لعدة دول، باستثناء إثيوبيا، التي ينص دستورها صراحة على أحقية بعض المناطق في الانفصال.
يهدف هذا النوع من الاستفتاء إلى تحقيق الاستقلال. في المقابل، كان هذا الإجراء، سابقا، يهدف إلى التفاوض حول تعزيز الحكم الذاتي للمنطقة دون المطالبة بالاستقلال التام.
في الأثناء، تختلف طرق تنظيم هذه الاستفتاءات من دولة لأخرى. وفي هذا الصدد، ذكر الأستاذ في القانون العام في جامعة ستراسبورغ الفرنسية، إيمانويل كاستياران، أنه "تتنوع الأساليب المتبعة في هذا الغرض، حيث تتراوح بين دعوات غير قانونية وغير رسمية، على غرار ما طرأ في شبه جزيرة القرم، وبين استفتاءات تتم الدعوة إليها من قبل الجمعيات المحلية". بالنسبة لكتالونيا، فقد تم تبني قانون لإجراء الاستفتاء من قبل البرلمان الإقليمي، إلا أن مدريد اعتبرت هذا القانون غير موافق للدستور.
من جانب آخر، يمكن أن تجرى عملية الاستفتاء في مناطق محددة بعناية أو ضمن كيانات لا تزال حدودها بصدد الترسيم. من جهته، أفاد إيمانويل كاستياران أن "عملية الاستفتاء المتعلقة بإقليم كردستان سيقع تنظيمها أيضا في أقاليم أخرى يعيش فيها مواطنون أكراد. وفي هذه الحالة، يعود القرار للجان المحلية بالموافقة أو الاعتراض عن المشاركة في التصويت. ولكن هذه الإجراءات لقيت اعتراضا سياسيا، في حين اعتبرته السلطات العراقية مناف للدستور".
نظريا، يهدف هذا النوع من الاستفتاء إلى تحقيق الاستقلال. في المقابل، كان هذا الإجراء، سابقا، يهدف إلى التفاوض حول تعزيز الحكم الذاتي للمنطقة دون المطالبة بالاستقلال التام. من جهة أخرى، يمكن اعتماد الاستفتاء على اعتباره ورقة سياسية، يتم توظيفها في مفاوضات لاحقة. وللتوضيح أكثر، لن يؤدي الفوز المحتمل لكلمة "نعم" في الاستفتاء الكردي، بالضرورة إلى إعلان استقلالها التام. ولكن في الوقت ذاته، سيشكل هذا الفوز وسيلة ضغط على بغداد لتقديم عدة تنازلات للأكراد.
ما هي المناطق التي من المنتظر أن تجرى فيها استفتاءات استقلال خلال الأشهر القادمة؟
فضلا عن كل من إقليم كردستان العراق وكتالونيا، من المنتظر أن تشهد كاليدونيا الجديدة، بدورها، استفتاء بخصوص استقلالها وذلك في سنة 2018. وحسب ما جاء في "اتفاق نوميا" الذي وُقع في سنة 1998، بين كل من الدولة الفرنسية وبين الموالين والاستقلاليين من شعب الكاناك، "ستحتضن كاليدونيا الجديدة جملة من الكفاءات، كما أنها ستحظى بمركز دولي وستمنح المسؤولية الكاملة لتحديد المواطنة وفقا للجنسية".
في حال تم رفض هذه الشروط، يمكن لثلث أعضاء كونغرس أرخبيل المحيط الهادئ أن ينظموا استفتاءين جديدين خلال السنتين أو الأربعة سنوات القادمة. من جهتها "ستحترم فرنسا أي خيار يتم اتخاذه"، وذلك حسب ما أدلت به وزيرة مقاطعات وأقاليم ما وراء البحار الفرنسية، أنيك جيراردين. في المقابل، وخلال هذه الصائفة، وتحديدا في خضم الحملة الانتخابية، عبر إيمانويل ماكرون عن رغبته في الحفاظ على كاليدونيا الجديدة ضمن دائرة "المجتمع الوطني الفرنسي".
حظيت عدة بلدان بالسيادة التامة بعد أن لجأت للاستفتاء، ولعل آخرها، جنوب السودان. فقد كان هذا الإقليم يتمتع بحكم ذاتي قبل أن يستقل في 9 من تموز / يوليو سنة 2011، نشد الرحال، الآن، نحو قارة أوقيانوسيا تحديدا إلى مقاطعة "بوغانفيل" التي تتمتع بحكم ذاتي في دولة "بابوا غينيا الجديدة". وتعد هذه المنطقة على موعد مع إجراء استفتاء في 15 من حزيران / يونيو سنة 2019. ومن المقرر أن يمنح هذا التصويت الاستقلال التام لمقاطعة بوغانفيل، مع العلم أنه قد سبق وأن تم عقد اتفاقية سلام سنة 2001.
في السياق ذاته، تم تأجيل تنظيم استفتاء حول استقلال دولة " شوك" عن ميكرونيسيا، الذي كان مقررا في 3 من آذار / مارس سنة 2015، إلى تاريخ غير مسمى. وعلى مقربة منا (فرنسا)، نظمت الأقاليم الغنية في إيطاليا التابعة لمقاطعة "فينيتو ولومبارديا" استفتاء استشاريا، ضمن إطار دستوري محدد بدقة، وذلك بتاريخ 22 تشرين الأول / أكتوبر، بهدف التمتع بحكم ذاتي (وليس المقصود هنا استقلال بأتم معنى الكلمة).
مع حلول سنة 2014، عبر أهالي البندقية والسكان المقيمون في ضواحيها عن دعمهم لفكرة انفصال محتمل عن روما. لازلنا في أوروبا، حيث أعلن أرخبيل "جزر فارو"، الواقع شمال المحيط الأطلسي، الذي يحظى بحكم ذاتي عن الدنمارك، عن تنظيم استفتاء بتاريخ 25 نيسان / أبريل سنة 2018، بشأن صياغة دستور جديد يفتح الباب أمام التمتع بحق تقرير المصير.
ولكن ماذا عن الاستفتاءات التي ساهمت فعليا في استقلال إقليم ما؟
حقيقة، حظيت عدة بلدان بالسيادة التامة بعد أن لجأت للاستفتاء، ولعل آخرها، جنوب السودان. فقد كان هذا الإقليم يتمتع بحكم ذاتي قبل أن يستقل في 9 من تموز / يوليو سنة 2011، على خلفية استفتاء نظم خلال شهر كانون الثاني/ يناير من السنة نفسها. ولكن أبرز مثال يمكن أن نسوقه، يعتبر الجزائر، حيث استقلت عن فرنسا خلال شهر يوليو / تموز سنة 1962، عقب أيام من تنظيم استفتاء بشأن الحق في تقرير المصير. وقد كان هذا الاستفتاء مسبوقا بتوقيع "اتفاقيات إيفيان"، التي وضعت حدا لقرابة سبعة سنوات من الحرب في 19 من آذار / مارس سنة 1962.
قد لا يؤدي الاستفتاء إلى تحقيق الاستقلال، في حال صوت السكان ضد ذلك. ففي الغالب، لا يعني اختيار الناخبين لنواب انفصاليين، بالضرورة، أنهم سيصوتون لصالح الاستقلال.
خلال سنة 1991، وبعد أن تفكك القطب السوفيتي، باتت عدة دول كانت تابعة لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية السابقة (كرواتيا، وأرمينيا، وأوكرانيا، وأوزبكستان) مستقلة عن طريق إجراء استفتاء. وفي هذا الصدد، أشار الأستاذ في القانون العام في جامعة "بو إي دي بيي دي لا أدور"، جون-بيار ماسياس، إلى أن "استقلال أوكرانيا قد تم إعلانه أولا عن طريق مجلس السوفييت الأعلى قبل أن يتم تأكيده من خلال استفتاء نظم سنة 1991".
فيما يلي، نسوق عدد من الدول التي استقلت هي الأخرى عن طريق تنظيم استفتاء: غينيا (1958)، ومالطا (1964)، والبحرين (1971)، فضلا عن إريتريا التي انفصلت عن إثيوبيا خلال شهر أيار/ مايو سنة 1993، ودولة الجبل الأسود المستقلة حديثا، وتحديدا سنة 2006.
من جهة أخرى، قد لا يؤدي الاستفتاء إلى تحقيق الاستقلال، في حال صوت السكان ضد ذلك. ففي الغالب، لا يعني اختيار الناخبين لنواب انفصاليين، بالضرورة، أنهم سيصوتون لصالح الاستقلال. فبين سنة 1980 و1995، رفض سكان مقاطعة كيبيك مشروع استقلال منطقتهم عن كندا. وقد انتهى التصويت بنتيجة 49.42 بالمائة لصالح الاستقلال، مقابل 50.58 بالمائة من الأصوات التي أدلت "بلا". من جانب آخر، يمكن أن تتجاهل الدولة نتائج التصويت أو تلغيها تماما. ونذكر في هذا الإطار، تصويت الأغلبية الساحقة من المواطنين لصالح استقلال جزيرة "أروبا" عن هولندا سنة 1977، قبل أن يلغى برنامج الاستقلال تماما سنة 1994.
عموما، يمكن للتصويت أن يقتصر على الاستشارة فحسب، على غرار الاستشارة الشعبية، وهي مشاورات غير ملزمة أو غير رسمية، تماما مثل التي نظمت في إطار استقلال كتالونيا بين سنتي 2009 و2011. فضلا عن ذلك، يندرج الاستفتاء حول ضم بورتوريكو إلى الولايات المتحدة الذي قاطعه الانفصاليون، ضمن هذا النوع.
ما هي المناطق التي من المقرر أن تشهد أيضا استفتاء من هذا النوع؟
عبرت عدة أقاليم عن رغبتها في الاستقلال عن الدول المنتمية إليها. ولعل من أبرزهم اسكتلندا، أحد الأمم الأربعة المشكلة للمملكة المتحدة، التي تحظى بحكومة خاصة وبرلمان خاص. فخلال شهر آذار / مارس، أعربت الوزيرة الأولى، نيكولا ستارجن، والعضو في الحزب القومي الاسكتلندي الذي يدعم استقلال اسكتلندا، عن رغبتها في تنظيم استفتاء جديد حول الاستقلال بعد أن كللت المحاولة الأولى بالفشل، وذلك في شهر أيلول/سبتمبر سنة 2014.
اعتراف الأمم المتحدة يعتبر مؤشرا هاما على قبول الإقليم المستقل على اعتباره دولة. وبالتالي، ترتكز إستراتيجية الانفصاليين على استغلال الديمقراطية حجة لتنظيم استفتاء للاستقلال
في ذلك الوقت، رفض قرابة 55 بالمائة من الاسكتلنديين انفصال إدنبرة عن لندن. إثر ذلك، صوتت المملكة المتحدة لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مع العلم أن 62 بالمائة من سكان اسكتلندا اختاروا البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي. وكما أشرنا سابقا، تعمل نيكولا ستارجن على تنظيم استفتاء آخر بين خريف سنة 2018 وربيع سنة 2019.
علاوة على ذلك، من الممكن أن يُعقد استفتاء في الصحراء الغربية أو في جمهورية صرب البوسنة، أو في غرينلاند. وفي الأثناء، يتمتع هذا الإقليم الدنماركي بحكومة خاصة بعد أن نظم استفتاء في الغرض سنة 2008، كما أسس وزارة تعنى بمهام الاستقلال سنة 2016. على العموم، تتشارك جل هذه الأقاليم التي ذكرناها في نقطة، ألا وهي "تاريخ وطني وهوية خاصة، فهي تتمتع بخصوصية متفردة، نظرا لأنه وقع ضمها مؤخرا للدولة المركزية. ترغب هذه الأقاليم في أن تضفي بعدا سياسيا على هويتها"، وفقا لما أكده جون بيير ماسياس.
ما الدور الذي يلعبه الاعتراف الدولي؟
حتى لو صوت السكان "بنعم"، يظل أمام هذه الأقاليم تحد يتمثل في الاعتراف الدولي باستقلاليتها. فبنسبة لبعض الاستفتاءات الهادفة للاستقلال، التي انتهت بتصويت الأغلبية، لم تكلل في نهاية المطاف باستقلال الإقليم المعني، نظرا لأن ذلك يتطلب اعتراف باقي دول العالم.
خلال شهر كانون الأول / ديسمبر سنة 1981، أصبحت " سيسكي" مستقلة عن جنوب أفريقيا بعد أن تم إجراء استفتاء في وقت سابق. وفي الأثناء، لم تعترف كل من الأمم المتحدة وباقي الدول باستقلال هذا الإقليم، ليعود من جديد إلى أحضان دولة جنوب أفريقيا خلال شهر نيسان / أبريل سنة 1994. في الواقع، تعد قضية الاعتراف الدولي، في جوهرها، اعترافا سياسيا ودبلوماسيا، على غرار ما شهدته أوسيتيا الجنوبية.
في حقيقة الأمر، يتعلق الأمر بالأساس بمن يعترف بهذه الدول المستقلة. وفي هذا الصدد، أفاد إيمانويل كاستياران مبينا أن "اعتراف الأمم المتحدة يعتبر مؤشرا هاما على قبول الإقليم المستقل على اعتباره دولة. وبالتالي، ترتكز إستراتيجية الانفصاليين على استغلال الديمقراطية حجة لتنظيم استفتاء للاستقلال، حتى يعززوا حظوظهم في الحصول على اعتراف دولي، علما وأن ذلك لا يكفي لوحده لكي يعتبر الإقليم دولة رسمية".
اضف تعليق