على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه معظم العوائل العراقية، غير أن الحاجة "أم كاطع"، لا تنفك أو تتوانى عن شراء الأضحية لأبنها الوحيد "كاطع" وتقول لنا: يا "يمه" الموتى ينتظرونا وواجب علينا تقديم الأضاحي، غير أنها لا تخفي دمعة تدفقت من عينيها، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، بعدها تذهب تلك القلوب الحزينة للنجف الأشراف لتبث همومها وأوجاعها، وسط صرخات تقطع نياط القلوب "يمه" بعد أمك أكعد وحاجيني... هذه تقاليدنا وهي جزء لا يتجزأ منا، كون المتوفى يعيش في أرواحنا، وهنالك من الروابط والذكريات التي لا يمكن محوها، مع كثرة التزاماتنا الاجتماعية والاقتصادية على وجه الخصوص.
أول أيام عيد الأضحى المبارك الكل يحتفظ بعادات وتقاليد اجتماعية راسخة لا تخلو من المعاناة والفرحة، ومنها الأضحية فيما تشهد منافذ التسويق لهذه الأضاحي هبوطا ملحوظا في أسعار المواشي والأغنام، متزامنة مع حالة الركود الاقتصادي الذي أصاب معظم مفاصل الحياة للمواطن العراقي، وواقع الحال ومن خلال تحقيقنا هذا أن نسبة الإقبال على الشراء قد انخفضت 50% عن مبيعات العام الماضي، ويرجع الكثير ممن التقينا بهم تجار ومربي الأغنام في منطقة الفضيلة والشعلة الظاهرة إلى الاستيراد العشوائي لتلك المواشي، القادم من دول كالبرازيل والهند واسبانيا بالإضافة إلى تركيا أخيرا، والتي لا تخضع إلى أبسط الفحوصات الطبية، نظرا لاحتوائها على أمراض خطيرة تفتك بصحة الإنسان كالحمى القلاعية والظليف، لكن ثمة أسئلة لدينا، لماذا هذا الاختيار والمحسوبية في دخول المستورد منها إلى العاصمة بغداد، ومن المستفيد في تدمير المنتج المحلي، مقابل دعوات برلمانية في إنعاش الاقتصاد بكل مفاصله.
آراء تجار ومربي الأغنام والمواشي
أبو أحمد السراي في منطقة "الفضيلية " يقول: منذ 20 سنة وانا أعمل في هذه المهنة، ولكنني لم أرى مثل هذا الانخفاض في بيع المواشي والعجول، وهنالك عدة أسباب منها شراء المواطن للخروف وهو بعمر 5 أشهر، والقصد من ذلك توفير بعض المبالغ النقدية، والتي تساعد بدورها بتوفير الأعلاف والمعالجة الطبية، ناهيك عن مسائلة أخرى هي عدم توفر اللقاحات والعلاجات فتور حالات البيع
فيما أضاف ابوسيف العامري إن ارتفاع أسعار الأعلاف والإقبال الضعيف على الشراء، أدى إلى فتور حالات البيع، بالإضافة إلى مسائلة أخرى وهي شراء اللحوم الجاهزة وعلى أسعار الكيلو مطروحا، ويبلغ 8 الأف للكيلو الواحد، أما أذا كان البيع قائما وبدون الذبح فيبلغ سعر الكيلو 10 ألاف دينار، أي بفارق قدره ألفين دينار للكيلو الواحد، وهذا بالتالي يجمع لنا مبلغا لا يتجاوز 25 إلف دينار، وهنالك مسائلة أخرى ارتفاع أسعار الأعلاف للمواشي فبعدما كان سعر الطن الواحد لبذور القطن 75 إلف دينار بالقياس إلى سعر العام الماضي 55 إلف دينار، وأشار علي عبد الحسين البديري تاجر عجول إلى إن أسعار البيع هي بدورها خضعت لمضاربات الدولار، بحيث إن سعر العجل العام الماضي بلغ أكثر من مليون ونصف، إما أسعار اليوم فحدث ولا حرج، لأن الخسارة بلغت أكثر من النصف، أي أن العجل الذي عمره أكثر من سنة يباع بمبلغ 650 إلف دينار، وأكد لنا إنه بالأعوام الماضية كان يشتري من المحافظات الجنوبية أكثر من 300 رأس غنم و150 عجل، أما الآن فالأعداد على قدر الأصابع، فالعجل المستورد سعره من الدولة المصدرة "ورقتين" إي ما يعادل 240 إلف دينار، ثم يدخل الميناء فيتم بيعه بمبلغ "7أوراق " إي ما يعادل 800 الف دينار، ويصل الينا بمبلغ 19 ورقة، ولا تنسى الفترة التي سيبقى لدينا والمصاريف التي تبذل عليه، وأظن من حقنا أن نستريح بعضا من المال، وإذا لم يتم بيعه فنحن نبيعه على القصابين وبالآجل.
إحصائية بائع الأعلاف
إلى ذلك طالب فلاح الشويلي ابو كرار وزارة الزراعة بدعم أسعار المحاصيل الزراعية ودفع المستحقات المالية التي بذممهم، واستطرد الشويلي أسعار الأعلاف، فيبلغ سعر النخالة ل 100كيلو 126 إلف دينار، أما مادة الطحين فيبلغ سعر الكيس الواحد 50 كيلو 12 إلف دينار، وكذلك هنالك مادة غذائية أخرى تسمى الهزاز وهي بنفس سعر الطحين، بالإضافة إلى الشعير فيبلغ سعر 100 كيلو 30 إلف دينار.
أجور أضافية
ولفت أبو حسين الحميداوي إلى إن سيطرة الطوز تتواجد فيها مفرزة بيطرية، تقوم بدورها بفحص المواشي وبعدها يتم تزويدنا بكتاب يؤيد سلامة الماشية صحيا، وكذلك الحال في سيطرة محافظة واسط ، ولكن مقابل دفع المقسوم لهم، وشاركه السائق أبو عبد الله همومه بالقول، أن ارتفاع أسعار وقود السيارات هو ما زاد الطين بلة على حد قوله، وهذا ما يدعونا أيضا إلى زيادة أجور نقل المواشي وخصوصا من المحافظات الجنوبية إلى بغداد وبمبلغ 500 إلف دينار.
للجزارين كلمتهم
أبو رياض البديري قصاب يقول: كانت العوائل تكرمنا ببعض قطع اللحوم بالإضافة إلى إكراميتنا، لكن اليوم أصبح المشتري حتى بالصوف يطالبنا، هذا فيما لو يطلب شروطا ثانية كتقطيع اللحم إلى اقل كمية ممكنة.
غياب متابعة الدولة
المهندس الزراعي سامر جميل العطواني مكتب ديار للاستشارات وادامة الحقول الزراعية يقول: ندعو من خلالكم الأجهزة الأمنية إلى متابعة عمليات التهريب والبيع في السوق السوداء للمناطق الحدودية وخصوصا مع السعودية، حيث أنها تسعى إلى تخريب الاقتصاد الوطني من خلال إعدام تلك المواشي، بحجة أنها مصابة بالإمراض، في حين إن دول أخرى تفضل اللحوم العراقية، والتي يطغى على لونها الاصفرار والنكهة الطيبة، وهذا الإقبال عليها نتيجة طريقة تربيتها الصحيحة، من حيث طريقة مزج الأعلاف المتكونة من ما يعرف التبن وبقايا الذرة الصفراء وقليلا من البريس "الجت"، بخلاف طريقة التسمين التي تعتمد في بعض الدول التي تعتمد على بقايا الأنقاض أو ما يسمى الزبالة، هذا وقد قامت دائرة الزراعة بمنطقة الصويرة إلى الجنوب الشرقي من بغداد، بتشكيل لجان متابعة للحد من عمليات التهريب ،معززا أجابته إن لارتفاع درجة الحرارة هذا الموسم، قد زاد من ظاهرة التصحر، وبالتالي أدى إلى فقدان الكثير من الأعشاب والنباتات التي تغذي الماشية بطريقة الرعي والمتبعة عادة في المناطق الريفية وكذلك دعا الطبيب سعد أباذر المحمداوي دوائر الثروة الحيوانية إلى متابعة الفحص وباستمرار وخصوصا على المواشي المستوردة ،لأنها تحمل الكثير من الإمراض كالسل الرئوي والحمى القلاعية ،مع توفير العلاجات اللازمة لحقول تربية المواشي ،داعيا في في الوقت نفسه مزارع الكفيل والتابعة للعتبة الحسينية إلى رفد الأسواق المحلية بالكميات المناسبة ،وخصوصا أنها مدعومة من قبل الدولة، وبذلك تكون قد خففت جزءا مما يعانيه المواطن، ومبينا في الوقت نفسه إن الماشية المستوردة، يتم ذبحها في محافظة البصرة وإرسالها للأسواق المحلية، ولا أخفيك سرا أن أكثرها نفقت، ورغم ذلك يتم ذبحها، للأسف هنالك بعض التجار كل غايتهم الكسب المادي حتى ولو على حساب أخيه المسلم.
اضف تعليق