يعاني الشباب في العراق جملة من المشاكل، تجعلهم غير قادرين على المساهمة في بناء البلاد، على الرغم من أن جانبا من مسؤولية البناء تقع على عاتقهم، لكن الغريب في الأمر هذا الاهمال الحكومي لهم وعدم السعي بجدية للحد من مشاكلهم ومعالجتها بشكل نهائي، ومن أسوأ الظواهر التي ظهرت في بلادنا وانتشرت بشكل لافت للنظر هي ظاهرة تعاطي الأركيلة (النركيلة) من قبل الشباب بعمر يبدأ من 15 سنة صعودا.
ربما كانت هذه الظاهرة موجودة من قبل ولكنها محدودة ولا يتعاطاها إلا ذوي الأعمار الكبيرة، وهنا تكمن خطورة انتشار هذه الظاهرة لأن من يتناولها هم الشباب في بداية أعمارهم، ومن أسباب انتشارها وفي مقدمتها هو انتشار المقاهي بكثرة أيضا وفي أشكال وديكورات مختلفة أي (ستايلات) تلك التي تشكل عامل جذب لهؤلاء الشباب، إضافة الى ذلك تكون مجهزة ومؤثثة بطريقة جيدة ومتطورة خاصة إنها مزودة بخطوط الانترنت (واي فاي) الأمر الذي يحفز ارتياد الشباب لها للتزود بالانترنت من خلال أجهزة الموبايلات إضافة إلى أسباب أخرى سنعرفها من خلال جولة (شبكة النبأ المعلوماتية) في عدد من المقاهي المنتشرة في محافظة كربلاء المقدسة، وإجابات الشباب الذين يتعاطون النركيلة على أسئلتنا.. فضلا عن الأسباب الصحية التي تفتك بصحة الشباب والأسباب المادية وضياع الوقت دون جدوى.
الشاب ضياء 20 عاما.. قال: أنا أتعاطى يوميا خمس حجرات، موضحا ما معنى حجرات أي خمسة رؤوس أو خمس أركيلات ولا أستطيع أن أتخلى عنها. وعن مستواه الدراسي قال: أنا تركت الدراسة وانخرطت في العمل من أجل العيش، فضلا عن توفير بعض المال لتلبية مصاريفي الخاصة، فالشاب يحتاج اليوم لمصاريف تفوق حاجة الكبار للترفيه عن انفسنا.
اما الشاب وليد 21 عاما، فقد قال: أنا أدخن الأركيلة لأنها تساعدني على العمل دون أن يصدعني رأسي، وأضاف مازحا: إنها لا تضرني وصدري نظيف.
فيما علق الشاب حيدر عمره 20 عاما قائلا: نحن لا عمل لدينا ولا دراسة لذلك نقضي أوقاتنا في المقهى لنحرق الوقت في تناول الأركيلة لأنها لها متعة خاصة في نفوسنا.
أما الشاب محمد سالم عمره 22 عاما فقد تحدث عن ضياع الوقت ولماذا لا يستثمروه في المطالعة قائلا: بعد أن حرمنا من مدارسنا من أجل إعالة عوائلنا وبسبب ما تعرض له البلد أدى بالنتيجة الى تردي الوضع الاقتصادي وأصبحت رغبتنا ضعيفة باتجاه القراءة والدراسة الخارجية، واكتفينا بعملنا وبعد العمل نذهب للمقهى ونتعاطى النركيلة لغرض الترفيه، وعن عمله قال أنا أقوم بعمل متعب جدا، كعامل بناء.
وتساءل شاب آخر طلب عدم ذكر اسمه: هل يوجد متنفس ترفيهي في كربلاء سوى المقاهي؟! لذلك نضطر للذهاب لها، وعندما نذهب للمقهى ليس أمامنا كي نقضي على الوقت غير تدخين النركيلة فهي تمنحنا المتعة وتجعلنا لا نشعر بثقل الوقت والملل.
فيما قال (طه عباس) بثقة عالية وهو بعمر 20 عاما: كبار الناس يرتادون المقاهي ليس نحن فقط وأنا أعرف أن الشاعر الكبير الجواهري كان يجلس في المقهى (الأمر الذي جعل من الشباب يضحكون ويتساءلون: هل الجلوس في المقهى شيء خاطئ؟؟).
وأكد جميع الذين تحدثوا الينا من الشباب الذين يدخنون النركيلة على: أن مخاطر واضرر النركيلة كبيرة جدا على الصحة، وتستهلك الموارد المادية ان وجدت، وفيها ضياع للوقت أصلا. موضحين: ان استغلال هذا الوقت في المطالعة الثقافية والفكرية أفضل بكثير من ضياعه في تعاطي هذه الآفة الاجتماعية الاركيلة. واستدرك الشباب حديثهم بالقول: نحن تعودنا على تدخينها وارتياد المقهى وليس من السهل الابتعاد عن هذا الطقس، فضلا عن ان الحكومة لم تقنن او تمنع هذا النوع من السلوك اذا جاز القول..
ومن خلال هذه الجولة الاستطلاعية في مقاهي كربلاء الكثيرة ومحاورة جلاسها من الشباب أصبحنا وجها لوجه مع آفة تفتك بالشباب دون مجير او نذير، وإذا جاز لنا أن نشخص الأسباب فهي كثيرة وكثيرة جدا منها تدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام وعدم المتابعة الأسرية للشباب، إضافة الى تراجع الدور التربوي والتعليمي في المدارس، واستفحال البطالة فضلا عن عدم مراقبة المقاهي وعدم تقنين انتشارها من قبل أجهزة الدولة ذات العلاقة، حيث لا تخضع للحصول على رخصة أو إجازة من المؤسسات المعنية، وصار كل من يريد يفتح مقهى يسارع لذلك دون أن يفكر بالحصول على إجازة وهنا نشير الى انعدام واضح للدور الرقابي، وأيضا من الأسباب الفاعلة والمؤثرة هو افتقار محافظة كربلاء المقدسة الى مراكز ترفيهية أو سياحية أو برامج رياضية أو ثقافية رسمية أو اهلية لاحتواء الشباب، الأمر الذي يجعلهم في حل من أي التزام أسري أو اجتماعي أو سواه.
وأخيرا لا يسعنا إلا أن نضع هذا الموضوع (ظاهرة انتشار مقاهي النركيلة) مع انتشار البطالة، أمام الجهات الحكومية ذات العلاقة لتأخذ دورها في مكافحة هذه الظاهرة بإيجاد السبل المناسبة والصحيحة لها، واهم هذه السبل انشاء اماكن ترفيهية رياضية جديدة ومناسبة لاستيعاب طاقات الشباب واعدادهم الكبيرة، إضافة الى ذلك ندعو اولياء امور الشباب وعوائلنا الكريمة لتأخذ دورها الأسري والتربوي تجاه أبنائها لان مسؤولية تربية الأبناء وزجهم في الأسرة الكبيرة التي هي المجتمع تقع على عاتق الأسرة أولا.
اضف تعليق