q

تمثل مسألة التمييز بين الرأي والخبر، ومعرفة الفوارق الكبيرة بينهما احدى اهم المواضيع التقليدية التي يدرسها طلاب كلية الاعلام في المراحل الاولية من دراساتهم الاكاديمية، وهو التمييز الذي يشكل القاعدة الذهبية للمشتغلين في الصحافة وعالمها الكبير الذي يصنع الاخبار حينا او يلفقها حينا اخر من خلال اساليب يعلمها كل من خَبَر مايجري في داخل دهاليزها.

وللوهلة الاولى يبدو ان موضوع ادراك الفارق بين الرأي والخبر يختص بطلاب الاعلام والمشتغلين بمهنة الصحافة، الا ان الحقيقة غير ذلك، اذ ان هذا الموضوع من الاهمية بمكان بحيث ينبغي على جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ان يعرفوه ويدركوا تداعيات ونتائج الخلط بين الرأي والخبر، والتي سوف تقود الى السقوط في التضليل والاخطاء في عملية الحصول على المعلومات الصحيحة والوصول للحقيقة فيما يتعلق بما يجري حولنا في هذا العالم من احداث.

دعنا نلقي نظرة بسيطة على الفرق بين كلا المفهومين:

الاول: الخبر

الثاني: الرأي

فالاول اي الخبر هو عبارة تصف واقعة او حدث ما وهو يحتمل الصدق او الكذب بحسب مصداقية المصدر والناقل عنه وما تواتر عن هذا المصدر الصحفي من اخبار كانت كاذبة او صائبة ودقيقة بعيدة عن الخطأ المتكرر او التضليل المتعمد من قبل من يقف وراء تمويل المصدر الاعلامي، ولكن الملاحظ ان الفيسبوكيين في العراق وعددهم وصل الى 11 مليون بحسب اخر احصائية رسمية، يعتمدون على مصادر ووكالات ثبت كذبها وتضليلها اكثر من مرة ما يعني وقوعهم في الفخ نفسه وبارادتهم غير مرة من غير ان يتأملوا أو يعيدوا التفكير في قناعاتهم تجاه هذا المصدر الاعلامي الذي يعتمد الاثارة والتضليل وخداع الناس ونشر الشائعات لتحقيق غرض وهدف الذي يقف وراء تمويله.

اما الثاني أي الرأي، فهو وجهة نظر شخص وانطباعه ورؤيته حول واقعة ما او حدث معين وهو يجابه بالقبول او الرفض، وانت مخير بين ان تتقبل الرأي المطروح امامك او ان ترفضه ولا تقبل الفكرة والتحليل الذي تم تقديمه، ومهما كانت الشخصية معروفة او شهيرة فلا ينبغي ان نعتبر ما تقوله حقيقة مطلقة ونصدقها فورا ولاتقبل التشكيك او الخطأ.

والخطيئة الفادحة المزدوجة عند اهل الفيسبوك في العراق، وهم يقلبون مند الصباح صفحاتهم الشخصية واخر الاخبار للحصول على مستجدات الاوضاع، هو قيامهم بالخلط بين الخبر الصحيح والكاذب من جهة والخبر والرأي من جهة اخرى...فتجدهم يقومون بما يلي:

اولا: اعتبار الخبر الصحيح عبارة عن وجهة نظر فيتم رفضها او تجاهلها برغم اثباتها من قبل الواقع وتأكيدها من خلال الحقائق.

ثانيا: تقبل الخبر الكاذب وتصديقه برغم الشبهات التي تحوم حول مصدره.

ثالثا: اعتبار الرأي خبرا يتم تصديقه وتبنّيه كحقيقة ناصعة لاتقبل الشك والخداع.

ولكل اسف نجد ان انعكاس ونتائج عدم إدراك الخطايا التي ذكرتها اعلاه متجسدا في نشر الاشاعات وبث الاكاذيب واشاعة التضليل في فضاء العالم الافتراضي بين مستخدمي مواقع التواصل ممن ذابت شخصيتهم في الفيسبوك ولم يعرفوا الخبر الصحيح من الكاذب ولم يدركوا الفرق بين الخبر والرأي، ولا التمييز الحاد بينهما.

تعالوا لنقف على منشورين انتشرا في فترة سابقة في فضاء الفيسبوك العراقي وتم التعامل معها من قبل الجمهور الافتراضي على نحو خاطئ ولم يدركوا التمييز الوارد اعلاه.

ففي الاول انتشر خبر في الفيسبوك يتحدث عن قيام رئيس الوزراء بعدة خطوات "خيالية" منها حل مجالس المحافظات ومنع اعضائه من السفر واعتقال السراق منهم وغيرها من الخطوات التي لايحق لرئيس الوزراء اصلا القيام بها لأنها من صلاحيات البرلمان. الفيسبوكيون في العراق تفاعلوا مع المنشور وقاموا بعمل مئات المشاركات له وكتبوا الاف التعليقات من غير ان يتمحصوا فيه او يبحثوا عن مصدر رسمي للخبر.

وهنا يأتي دور الثقافة التي ينبغي ان يتسلح بها المواطن، فرئيس الوزراء لايستطيع حل مجالس المحافظات ولا حل البرلمان، وكلا الطريقتين الموجودتين في الدستور تقتضي تصويت البرلمان من اجل حل الاخير.

نعم للصفحة التي انتشر فيها الخبر أثر وعامل نسبي في تصديق مضمون الخبر، وقد انتشر الخبر في صفحة " مزيفة" باسم الامانة العامة لمجلس الوزراء تم حذفها والغائها بعد ذلك لعدم قانونيتها وكذب الاخبار الواردة فيها، ولكن ومع ذلك فان نظرة بسيطة في منشورات هذه الصفحة يجعلك تؤمن بانها غير رسمية... ولانعرف كيف يصدقها الفيسبوكيون ويتابعون اخبارها في تلك الفترة.

والمنشور الثاني يتعلق بسد الموصل، اذ تم تداول منشور قبل عدة اسابيع يتحدث عن انهيار السد في الساعة الثامنة صباحا بالتحديد من اليوم الذي اعقب انتشاره، وقد سبب هذا المنشور هلعا ورعبا بين مستخدمي التواصل من غير ان يسأل احدهم عن مصدر هذه المعلومة؟ ومن يقف وراءها؟ والغاية التي كانت سببا وراء انتشارها؟.

يحتاج من يستخدم الفيسبوك في العراق الى وعي بالجانب الاخر من الحقيقة التي تقدم امامه على انها حقيقة، عليه ان يفحصها... يدققها... يفكر في مضمونها ومحتواها... ومقدار العقلانية الموجودة في ثناياها. انها عملية بسيطة لاتحتاج لقراءة كتب فلسفية او نقدية او حتى التمرن على الاساليب المنطقية في التحاور والجدال وكشف الحقيقة.

* باحث في مجال السوشل ميديا

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق