إن صراع القوى وتباين المصالح وسياسة المحاور والتدخل الخارجي والداخلي وتداخل المصالح تفرض واقعاً يتطلب من السياسي أو القوى السياسية والشخصيات الحكومية التكاتف والتحالف وترك الخلافات مع ترتيب الأولويات لضمان تحقيق المصالح العليا للمجتمع. وإن تطور العمل السياسي وتشعب مساراته ومناهجه المختلفة والمتغيرة، تفرض على الجميع العمل على تنظيم أمورها بشكل ينسجم مع حجم التحديات...
السياسي الناجح: (successful politician) هو شخص يختلف عن الآخرين، يمثل بلده من خلال عمله أو لأنه يمثل ناخبيه، ويسعى لتحقيق مصالحهم التي تنسجم مع مصالح البلد، ولا بد أن يمتاز بمؤهلات استثنائية، وأولها أن يتوفر على معرفة جوهر العمل السياسي، وهو (ممارسة القوة والسلطة والنفوذ)، ولا بد أن يكون مطلعاً على قواعدها، وكيفية استخدامها، ويملك رؤية واضحة وواقعية، ويحمل هم الأمة ومصالحها، ومطلعاً على حركة الاقتصاد العالمي، وكيف تدار الثروات وتوزيعها، ويكون على معرفة تامة بالأمن الداخلي والخارجي؛ لأن بين السياسة والاقتصاد والأمن ترابطاً وثيقاً، ومن خلاله يتحقق الاستقرار والتنمية.
وعليه أن يتمكن من توظيف العلم والثقافة المتعلقة بإقناع الآخرين، والإبداع والدقة في التحليل، والجودة في الطرح والمناورة، والأمانة والصدق والشجاعة والاستشارة. والسياسي الناجح من لديه هدف محدد، ويبعث برسائله بمهارة ويحافظ على المكتسبات ويسعى لتوسيعها، ويسعى لإصلاح مجتمعه من خلال إدارته الجيدة، ويجيد فن التفاوض والتحاور والإقناع، ويتحكم بأعصابه، ويحتفظ بملفات كثيرة ومتنوعة ليتمكن من استخدامها عند الحاجة، ويملك البديهة والسرعة في المناورة والتحكم بالألفاظ، ويمتلك البدائل الجيدة، ويملك زمام المبادرة، ويتقمص أكثر من دور، ويجيد التمثيل والإعلام، ويكون واسع الصدر وقوي البيان، وعنده الحلول المناسبة لأكثر المشاكل وأعقدها، ويتحلى بالكرم، ويجيد فن الاستماع والصبر، وعدم التسرع في إصدار القرارات، ويحتفظ بخطوة للتراجع، ويراقب ويحاسب بطانته وحاشيته.
السياسي الناجح هو من يفهم أن التحالف والاتفاق والتفاهم والتفاوض والانسحاب والتنافس والتأني والهجوم والتكتيك والتغيير بحسب الزمان والمكان، والظرف الخاص والعام كلها ضرورات يجب أن يلم بها بشكل جيد، وأن يحتفظ بكثير من أوراق القوة التي تدعمه، ويملك أوراق ضغط على الخصم؛ لأن الاستحقاقات والمكاسب تكون بقدر ما يملك من أوراق قوة حيث تمكنه من فرض رؤيته على الآخرين، وأن لا يكشف كل ما في جعبته، وعليه أن يجعل الآخر أول من يبادر لإبراز ما عنده، وأن لا تلتبس عليه الأمور، ويحتاج إلى قراءة الواقع الاجتماعي والثقافي والفكري بشكل جيد، فما لا يحتاجه اليوم يحتاجه غداً، ويجب أن يكون قريباً من المجتمع وحاجاتهم، ويبحث عن الحلول المناسبة لهم. ولا بد من توفر البدائل المناسبة عند الحاجة والتي تنسجم مع المتغيرات المتسارعة واستغلالها لمصلحة بلده، وعليه أن يُشعر منافسيه أنه يملك الكثير من مصادر القوة، وإن لم يملك إلا ما قدمه.
ينبغي للسياسي الناجح قراءة ودراسة تجارب الأمم والوقوف على نقاط قوتهم وضعفهم، وأن يكون قارئاً جيداً للعلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وملماً بثقافة المجتمع وعاداتهم ومعتقداتهم ومطلعاً على الدستور والقوانين ولو بشكل إجمالي، ويعي مبدأ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة، ويؤمن بحرية الرأي والتشاور والمشاركة، ويعرف حدوده ودوره، وعليه أن لا يلبس ثوب الله تعالى فيدعي الربوبية (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) فيهلك ويُهلك، ولا تلتبس عليه الأمور ويفرق بين المصطلحات وبين الحدود الخاصة والعامة، ولا تختلط عليه الوظائف فتضيع الدولة، ويفكر بواقعية بعيداً عن الأماني والأوهام والخيال، ويؤمن بتكافؤ الفرص ويفكر قبل أن يتكلم، ويحتفظ بما يفكر به، مبادراً مبدعاً وصاحب قرار مناسب في كل وقت وظرف، ليناً وحازماً حسب ما تقتضيه المرحلة والظرف، يقظاً صبوراً لا يشتكي ولا يضيع الفرص، يتحكم بالتحالفات بدقة ومهارة عالية، يعرف ماذا ولمن وكيف ومتى وأين مصلحة البلد. يجيد فن العلاقات الداخلية والخارجية، وقادراً على حل الخلافات بين الآخرين، ومحاوراً ومستمعاً جيداً. ينظر السياسي للعالم بواقعية وليس بالتمني والأوهام، وينطلق بعقلانية لفهم الواقع، ولا يلقي باللوم على الآخرين عند فشله، بل عليه تحمل مسؤولياته ولا يطلب من الواقع أن يتغير بل عليه هو أن يسعى لتغييره.
وأن لا يكون مستبداً ومستكبراً، وعليه أن يتعاطى بمبدأ المرونة ويخرج من الإطار التقليدي، وينظر من خارج الصندوق، ويتعالى عن الصغائر والتوافه، ويحتاط من الخصوم، ويتغافل عن سيئات الرعية قدر الإمكان، ويقدم المنجز الواقعي للناس بعيداً عن الشعارات الفارغة، ويواكب العصر وينمي مهاراته ويحدثها دائماً، وأن يكون مديراً ناجحاً وملماً بفن التسويق لأنه يريد أن يسوق ما يعتقد به، والسياسي الناجح عليه أن يكون محيطاً بالجغرافيا السياسية ومدركاً لما يترتب عليه في أي خطوة يخطوها، وينبغي عليه الاستعانة بمستشارين مخلصين وأمناء وأصحاب اختصاص، ويميز بين المكاسب الفعلية والهامشية.
إن صراع القوى وتباين المصالح وسياسة المحاور والتدخل الخارجي والداخلي وتداخل المصالح تفرض واقعاً يتطلب من السياسي أو القوى السياسية والشخصيات الحكومية التكاتف والتحالف وترك الخلافات مع ترتيب الأولويات لضمان تحقيق المصالح العليا للمجتمع. إن تطور العمل السياسي وتشعب مساراته ومناهجه المختلفة والمتغيرة، تفرض على الجميع العمل على تنظيم أمورها بشكل ينسجم مع حجم التحديات، لتستطيع النهوض بمسؤولياتها وتحقيق الاستقرار والسيادة والتنمية وتطوير البلاد ومواكبة التطور العلمي والعمراني ومعالجة المشاكل من خلال رؤية حديثة مع تحديد الأهداف والعمل الجاد على تحقيقها، وذلك من خلال إعداد رجال دولة قادرين على القيام بمسؤولية إدارة البلاد والعباد.



اضف تعليق