ترتكز المدينة الذكية على بنية تقنية متطورة عالية التكلفة تضم مئات الآلاف من المستشعرات والنظم الذكية، المخصصة لخدمة كافة القطاعات الصناعية والمالية والصحية والبيئية والخدمية، ويتطلب ذلك إنشاء نظم ومراكز أمنية متطورة تحمي وتصون المدينة، يوفر مركز الجريمة في الوقت الحقيقي إمكانية الوصول إلى مليارات السجلات خلال دقائق...
بقلم: عبد القادر الكاملي
ترتكز المدينة الذكية على بنية تقنية متطورة عالية التكلفة تضم مئات الآلاف من المستشعرات والنظم الذكية، المخصصة لخدمة كافة القطاعات الصناعية والمالية والصحية والبيئية والخدمية. ويتطلب ذلك إنشاء نظم ومراكز أمنية متطورة تحمي وتصون المدينة.
مركز لمكافحة الجريمة في الوقت الحقيقي
يوفر "مركز الجريمة في الوقت الحقيقي" (Real Time Crime Center) إمكانية الوصول إلى مليارات السجلات خلال دقائق بدلا من أيام أو أسابيع، وذلك باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات الحديثة، ومن ثم تزويد قوى الأمن والشرطة ومسؤولي السلامة العامة، بتحليلات ذكية شاملة تساعدهم على محاربة الجريمة، بل ومنعها (الشرطة الاستباقية).
ويستخدم "مركز مكافحة الجريمة في الوقت الحقيقي" نظاما متكاملا يتم التحكم به عبر "جدار الفيديو" (Video Wall Displays) الذي يعتبر النقطة المحورية لأي مركز مكافحة الجريمة في الوقت الحقيقي، فهو يجمع المعلومات من مصادر عديدة ومتنوعة كأجهزة الاستشعار والإنذار وكاميرات المراقبة الفيديوية التي ترصد الشوارع والساحات وحركة المرور والمصارف والمدارس والشركات العامة والخاصة، وقواعد بيانات الجريمة وحتى وسائل التواصل الاجتماعي.
ويستخدم النظام تقنيات التعرف على الوجوه والأصوات والروائح ولوحات تراخيص السيارات والعديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى، لتنظيم الأمن والاستجابة السريعة للطوارئ، وحل ألغاز الجرائم.
ويأخذ جدار الفيديو في الاعتبار العوامل البيئية مثل التضاريس المكانية والإضاءة المحيطة بها. ويتمتع "نظام مركز مكافحة الجريمة في الوقت الحقيقي" بالدقة والمرونة ويعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
قاعدة بيانات تعتمد نظام تحديد الهوية من الجيل التالي
تعتبر "قاعدة بيانات الهوية من الجيل الثاني" (The Next Generation Identification system) أكبر مستودع إلكتروني لمعلومات التاريخ الحيوي (البيومتري) والجنائي للسكان وأكثرها كفاءة.
تضم هذه القاعدة بصمات الأصابع، والحمض النووي، والتعرف على الوجه، بالإضافة إلى مجموعة متزايدة من الخصائص البيومترية والسلوكية تشمل التعرف على الصوت، وبصمات الكف، وعروق الرسغ، والتعرف على قزحية العين، وتحليل المشي، وحتى ضربات القلب.
وإن تأسيس أي مدينة ترغب في اكتساب الذكاء لهذه القاعدة يعد أمرا ضروريا لأمنها ومكافحة الجريمة فيها.
توأم رقمي
أصبح استخدام أدوات التوأمة الرقمية، لإنشاء نموذج حاسوبي ثلاثي الأبعاد لمدينة (أو قسم منها) أمرا شائعا في المدن الذكية.
وتسمح البيانات الغزيرة التي يتم جمعها بلا انقطاع، عبر المستشعرات، عن مدينة كاملة أو أحد أحيائها، للمخططين بمراقبة آثار التغييرات التي تطرأ على المدينة في كافة المجالات من درجة الحرارة وجودة الهواء، وانبعاثات الغازات الدفيئة، وجدولة الصيانة، ومراقبة حركة المرور ومواقف السيارات، ورصد ومعالجة الاختناقات المحتملة. وتوفر أيضا إمكانية محاكاة سيناريوهات الطوارئ مثل الحرائق أو الفيضانات لتحسين الاستجابة للطوارئ.
وبدأت العديد من المدن المتقدمة مثل لاس فيغاس الأميركية وغوانغدونغ الصينية بإنشاء توائم رقمية تجمع البيانات المرتبطة بالمواقع الحساسة في المدينة في كل لحظة من خلال "مستشعرات إنترنت الأشياء" (IoT) وشبكة "جي 5" (5G)، وترسلها إلى مركز مكافحة الجريمة في الوقت الحقيقي والمسؤولين المعنيين لاتخاذ القرارات المناسبة. والتوائم الرقمية هي البنية الأساسية لإنشاء الميتافرس.
إنشاء ميتافيرس لخدمة أمن المدينة الذكية
توقعت دراسة أجرتها مؤسسة جارتنر للأبحاث، أن تصل نسبة مستخدمي فضاء الميتافيرس الرقمي إلى نحو 25% من إجمالي مستخدمي الإنترنت، وبمعدل ساعة يوميا على الأقل لكل مستخدم، وذلك بحلول عام 2026.
وتوقعت الدراسة أيضا أن تشارك 30% من المؤسسات بمنتجاتها وخدماتها حول العالم في عالم الميتافيرس، نظرا لتوفير فضاء الميتافيرس الرقمي المزيد من فرص التواصل والتعاون على مختلف الأصعدة، وسوف يكون لذلك تأثير مباشر على كيفية إنجاز الأعمال، من خلال مساحات عمل في مكاتب افتراضية، حيث لن تحتاج المؤسسات إلى إنشاء بنية تحتية خاصة بها للقيام بأعمالها، نظرا لتوفير فضاء الميتافيرس الرقمي إمكانية العمل وتقديم الخدمات عن بعد وبكفاءة عالية.
وقد بدأت عدة مدن عالمية على رأسها مدينة سيؤول عاصمة كوريا الجنوبية، بإنشاء نظام ميتافيرس يجمع بين التوأمة الرقمية و"الواقع الافتراضي" (VR) والتعاون بين العديد من القطاعات لتحسين خدمات المدينة.
ويخدم إنشاء نظام ميتافيرس 3 أهداف رئيسية لشرطة المدينة الذكية، هي: تسهيل تواصل المواطنين مع خدمات شرطة المدينة، والتغلب على قيود الوقت والمكان واللغة، وتوفير طرق جديدة لتحسين تجربة المستخدم ورضاه، عبر التصميم التشاركي للخدمات.
وسيشمل مشروع "الميتافيرس" صورا رمزية لموظفي شرطة المدينة، الذين سيتولون تقديم الاستشارات وإنجاز المعاملات، وهي خدمات تكون في العادة متاحة فقط عبر مراكز شرطة المدينة الواقعية.
سيوفر الميتافيرس إمكانية تصميم وتنفيذ العديد من المؤتمرات المحلية والعالمية المستقبلية باستخدام هذه التقنية وبتكلفة منخفضة.
ولكن ومع تزايد عدد مستخدمي الميتافيرس، يتوقع أن تتوسع قائمة جرائم الإنترنت المحتملة في مجال سرقة البيانات، وغسل الأموال، والتزوير، والاحتيال، والفدية، والتصيد، والجرائم المرتكبة ضد الأطفال، والاعتداء والتحرش الجنسي، ولهذا أطلقت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) حديثا نظاما بوليسيا خاصا بعالم الميتافيرس الموازي للعالم الحقيقي. ومن الضروري أن تشكل المدن الذكية التي تتبنى الميتافيرس "فرقا أمنية خاصة" (Metaverse Police Force) تجوب عالم الميتافيرس الافتراضي وتضبط السلوكيات الإجرامية والمنحرفة.
إنشاء مركز لتدريب الأمن والشرطة باستخدام الميتافيرس
يتيح عالم الميتافيرس تدريب قوات الأمن والشرطة افتراضيا وفق كافة السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك المواقف التي تهدد الحياة كتلك التي تتضمن إطلاق نار كثيف، واحتجاز رهائن، ويتيح الميتافيرس أيضا تدريب قوات الأمن والشرطة على مكافحة الإرهاب، والتدريب على التفاوض تحت الضغط. ويمكن تسجيل عمليات التدريب وإعادة عرضها كلما دعت الضرورة. ويوفر التدريب في عالم الميتافيرس الافتراضي الكثير من النفقات مقارنة بالتدريب في العالم الفعلي.
اضف تعليق