الملاحظات أعلاه تثير التساؤل عن الجدوى والغاية من إصدار القانون؟ فإذا كان القصد هو الارتقاء بالعمل اليومي أو مواكبة التطور الحاصل في العالم فكان لابد وان ينشر هذا المشروع ليطلع عليه الجمهور لأنه يتعلق بأمور الحياة اليومية للمواطن وفي عدة مجالات على وفق الآتي...
بقلم: القاضي سالم روضان الموسوي
أعلن الناطق الرسمي للحكومة عن موافقة مجلس الوزراء على إصدار تشريع لمكافحة جرائم المعلوماتية وعلى وفق ما نشره موقع الناطق الرسمي للحكومة العراقية على الشبكة الدولية (الانترنيت) وعلل هذا الإصدار بجملة من الأسباب ورد ذكرها في التصريح الرسمي عنه والمنشور في وسائل الإعلام وقفت عند هذا التصريح لغرض دراسته ومعرفة ماهية هذا القانون وكيفية إصداره ولاحظت الأمور الآتية:
أولا: إن المشروع لم ينشر في وسائل الإعلام وإنما تم الاكتفاء بما ورد في تصريح الناطق الرسمي للحكومة.
ثانيا: إن مشروع القانون يتناول مفرد أساسية من مفردات الحياة اليومية وهو التعامل مع حواضن المعلوماتية ووعاء تنفيذ القانون ومنها الحواسيب وأجهزة الموبايل ووسائل الاتصال عبر الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت).
ثالثا: الأسباب التي طرحها الناطق الرسمي كانت تدور على الجانب الأمني للمعلومة
رابعا: أشار الناطق الرسمي إلى الاستعانة ببعض القوانين لبعض الدول العربية وكذلك القانون الأمريكي.
الملاحظات أعلاه تثير التساؤل عن الجدوى والغاية من إصدار القانون؟ فإذا كان القصد هو الارتقاء بالعمل اليومي أو مواكبة التطور الحاصل في العالم فكان لابد وان ينشر هذا المشروع ليطلع عليه الجمهور لأنه يتعلق بأمور الحياة اليومية للمواطن وفي عدة مجالات على وفق الآتي:
1. إن حرية التعبير التي كفلها الدستور بالمادة (36) ومن وسائل التعبير عن الرأي تقنية المعلومات الالكترونية وأي تحديد لهذه الوسائل هو بمثابة تعطيل لنص الدستور والتعدي على حرية التعبير لان مواقع التواصل الاجتماعي واحدة من تقنيات الاتصال المعلوماتية ومن الممكن إن تعطل إذا لم يراعي ذلك مشروع القانون المقترح.
2. كان من الأفضل لو تم نشر هذا المشروع على الجمهور ودعوة جميع من له صلة بالمعلوماتية ان يبين الرأي في النص وتقديم المقترحات ومن ثم دراستها بإمعان وعقد ورش عمل والندوات ويجمع فيها أهل الاختصاص في الجانب التقني والإعلامي والحقوقي والاجتماعي وغير ذلك لان هذا التشريع له صلة بتجريم أفعال تمثل انعكاس الآراء وأفكار جماعية سواء في المجتمع أو في الفئات والقطاعات المكونة له.
3. الأسباب التي ذكرها الناطق الرسمي كان محورها الوازع الأمني للحفاظ على المعلومة. وهذا خلاف ما وصل إليه الفكر الإنساني حول التعامل مع المعلومة من كونها معلومة اختصاص إلى واقع معرفي، بمعنى إنها أصبحت معرفة الجميع والحق في الانتفاع بها وهو حق من حقوق الإنسان ولا يجوز التقاطع معه. فكان من الأفضل لو تضمن المشروع ما يشير إلى إنماء المعرفة لدى الإنسان بدلا من ربطها في الجانب الأمني بالمعلومة كما إن ذلك قد يتقاطع مع حق الإنسان في الحصول على المعلومة.
4. وجدت إن الناطق الرسمي أشار إلى الاستئناس ببعض التشريعات لبعض الدول والملاحظ على إن هذه القوانين لا تشكل النموذج الامثل وإنما هي بذاتها محل نقد وعلى سبيل المثال القانون الأمريكي تعرض إلى النقد وبيان وجه الخلل فيه وعلى وفق الاعتراضات التي أثارتها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وفي بيان صدر عن أكثر من عشرين مؤسسة من المؤسسات الإقليمية والعالمية لحقوق الإنسان في العالم صدر بتاريخ 18/أكتوبر/عام 2000 إذ وجه النقد إلى التشريع الأمريكي لقانون مكافحة جرائم الانترنت. كذلك بالنسبة إلى قوانين الدول العربية التي أشار إليها الناطق الرسمي للحكومة لم تكن بمنأى عن النقد لأنها كرست مفهوم المركزية والهيمنة على حرية التعبير وعلى وفق الأمثلة لبعضها وعلى وفق ما يأتي:
أ- قانون جرائم المعلوماتية الإماراتي المرقم رقم (2) لسنة 2006 ذكر في مواد عديدة مفردة النظام العام والآداب العامة دون أن يحدد معناها مما اتاح الفرصة للحكومة للتدخل في الحرية الشخصية على وفق تفسيرها للنص وفي المواد (3،8،12، 15) حيث ذكر فيها عبارات إفشاء الأخبار ومخالفة النظام العام وغيرها من الكلمات التي تخضع للتأويل وتسخيرها لقمع حرية التعبير.
ب- القانون السوداني لم يكن بأفضل من القانون الإماراتي وتشير الأخبار إلى توقيف واعتقال أكثر من ناشط حقوقي في مجال حقوق الإنسان تحت ذريعة مخالفة النصوص أعلاه لأنها تركت الأمر سائب ودون تحديد.
ج- ما أشار إليه الناطق الرسمي للحكومة بتعلق مشروع القانون بالاتصالات وتبادل المعلومات بين الأفراد وهذه الأمور تتقاطع مع حق من حقوق الإنسان في حرية الاتصال المشار إليها في المادة(12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
د- لم يطلع احد على كيفية تعامل المشروع مع إشكالية المصطلحات الواردة فيه إذ تعد هذه واحدة من أهم المشاكل التي يعاني منها التشريع الوطني والدولي في جميع البلدان بما فيها الدول التي أنتجت تقنية المعلومات،. وفي تقرير منظمة حقوق الإنسان والحريات عبر الانترنيت التي مقرها في بريطانيا (Right- Cyber Liberties- -Cyber) التي يرأسها أستاذ القانون في جامعة ليدز الدكتور يمان اكدينيز الذي وجه النقد إلى الاتفاقية الأوربية حول الجريمة الافتراضية الصادرة عام 2000 من مجلس أوربا المعروف اختصارا (COE) وهو مجلس يتكون من ا4 دولة أوربية وهذه الاتفاقية انضمت إليها أكثر من أربع دول من خارج أوربا. حيث تعرضت إلى النقد في تفسير مفرداتها فهل يقصد بها المسار نحو التجريم عبر الانترنيت أم إن المقصد النهائي هو الحاسوب بذاته، ويذكرون مثالا على ذلك إن تلك الاتفاقية تشير إلى الانترنيت عند التطرق إلى الاتصالات تم تعرج في نصوص ومواد أخرى إلى جعلها مقترنة بالحاسوب.
وهذا يحدد بوضوح مدى حجم الإشكالية في فهم وكتابة المصطلح عند أهل اللغة في البلدان التي أنتجت هذه التقنية مما اضطر الدول الأوربية إلى إصدار مذكرة تفسير لهذه الاتفاقية تتعلق بشرح المصطلحات الواردة فيها ومع ذلك لم يتم تدارك النقص لأنها تتعامل مع مصطلح لعالم افتراضي يتحرك بسرعة هائلة وهو العالم الافتراضي (الانترنيت) فكيف للمشروع العراقي أن يتعامل مع هذه المصطلحات وهو يستخدم اللغة العربية وقاموسها لحد الآن مازال لا يفرق بين الحاسوب (computer) والحاسب الآلي (calculator)، وهذا ما أشار إليه احد المختصين في قانون الانترنيت الدكتور عمر محمد يونس المستشار في المنظمة العربية للتنمية الإدارية في جامعة الدول العربية بكتابه الموسوم (شرح الاتفاقية الأوربية حول جريمة الافتراضية)، إذ يذكر حوار بين احد معدي تشريع مكافحة جرائم المعلوماتية في الدول العربية حول ترجمة مصطلح في اللغة الفرنسية لمفردة من مفردات قانون يعالج موضوع الانترنت فكانت الترجمة تقديم المعنى بشكل ينافي الأخلاق وجواب ذلك الشخص كان بأن الهدف من التشريع ليس العمل على حل المشكلة وإنما إثبات وجود تطور تشريعي في تلك الدول...!
وهذا ما أخشاه في مشروع قانون مكافحة جرائم المعلوماتية محل البحث لأني لمست بعض تلك البوادر في تصريح الناطق الرسمي للحكومة حينما ذكر بانه تم الاطلاع على قوانين الدول العربية لمواكبة التطور في التشريع، والخشية من عدم مراعاة الدقة في معالجة المشكلة التي يهدف إليها التشريع افتراضا وهذه بعض مما لدى الآخرين من أهل الاختصاص.
وفي الختام لابد من التقدم بالمقترحات الآتية:
1. نشر مشروع القانون ليطلع عليه الجميع وفتح قنوات الاتصال لتلقي جميع الملاحظات حوله ودراستها بعناية.
2. إعداد ورش عمل تجمع أهل الاختصاص في الإعلام، الصحافة، المعلومات، الاجتماع، الاقتصاد، الأمن، الحقوق وأهل اللغة العربية لدراسته من جميع الجوانب وتقديم التوصية اللازمة لتدارك النقص الذي اعترى التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية.
3. لفت العناية إلى ضرورة تدريس مادة قانون الانترنيت في كليات القانون في العراق وان يسلح طالب علم القانون بما يستجد من تطور في الحياة وان لا نكتفي بتدريسه جناية العجماء في المادة (221) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل أو إذا التقطت الدجاجة لؤلؤة على وفق نص الفقرة (2) من المادة (242) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 أو سواها من النصوص القانونية التي أكل الدهر عليها وشرب وتتعامل مع مفردات تجاوزها الزمن وأصبحت تراث لا نتعامل به إلا للاستذكار فقط.
4. على الحكومة العراقية أن تهتم بالتنمية المعرفية وإصدار قوانين تدعم التعامل بالتقدم العلمي في مجال الحاسوب ومجال الاتصال الحديث عبر الانترنت، وذلك بتعديل قانون الإثبات رقم (107) لسنة (1979) المعدل أو إصدار تشريعات جديد تتعلق بجعل مستخرجات هذه الوسائل الحديثة من وسائل الإثبات المدني والجنائي ومنها قانون التوقيع الالكتروني أو التعاقد عبر الانترنت أو ما يسمى الآن بعقود التجارة الالكترونية.
5. العمل على تغيير فلسفة القائم على السلطة بنظرته في الهيمنة والوصاية على الشعب والتعامل معه على انه قاصر وسياسة التشكيك والاتهام وإعداد الجرائم لتجريم أفعاله، ووان تستبدل بفلسفة المشاركة الفعلية للشعب في القرار والتشريع لأنه هو مصدر هذه السلطات على وفق نص المادة (5) من الدستور فضلا عن صدور والقوانين والأحكام باسم الشعب وعلى وفق المبادئ الدستورية في المادة (124) من الدستور.
وبعد العرض أعلاه لا ادعي إني أجزيت العنوان حق شرحه وإنما حسبي أن اذكر عسى إن تنتفع الذكرى وأنبه لعل التنبيه يلفت الأنظار من اجل الارتقاء بالمعرفة والنماء الاجتماعي.
والله ولي التوفيق
اضف تعليق