q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

كيف يزداد اهتمام الشعب بالانتخابات؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

في الدول المتطورة والقائمة على التوازن والحرص على البناء السياسي السليم للدولة، يكون هناك سعي شامل يتصدى له الجميع من أجل تحقيق المصلحة السياسية العليا، متمثلة في بناء النظام الأفضل، وهنا يبرز بصورة واضحة وكبيرة دور الاحزاب السياسية التي تسهم في الانتخابات وتطرح برامجها الانتخابية وبعد اجراء التصويت في يوم الانتخابات، من الطبيعي أن تفوز الأحزاب والشخصيات التي تثق بها الجماهير ممن يحق لهم الانتخاب.

وانطلاقا من هذه الؤية تعد مشاركة الاحزاب في الانتخابات البرلمانية من أهم الأنشطة الحزبية، لذلك نلاحظ أن الاحزاب تنشط وتكثف برامجها وتطرح آرائها وتسعى لكسب رأي وصوت الناخب بصورة تصاعدية مع اقتراب يوم الانتخابات، لذلك تعد مرحلة الانتخابات النيابية من أهم المراحل التي تستعد لها الاحزاب كي تخوضها بنجاح.

كما نلاحظ ذلك في تأكيد الامام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) الذي جاء في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، حيث يقول سماحته حول هذا الموضوع: (إنّ من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة فـي الانتخابات البرلمانية؛ وانطلاقاً من ذلك، فانّ المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي فـي مواسم الانتخابات، وانّ من أكثر المراحل أهميّة وحيويةً في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة).

ومن الواضح أن سمعة الحزب لها تأثير كبير في كسب أكبر عدد من الأصوات لصالح الأشخاص الذين يمثلون الحزب ذو السمعة الجماهيرية الحسنة، وحتما أن هذه السمعة تُبنى من خلال إيفاء الحزب بوعوده وتعهداته للناخبين ابان انطلاق الحملات الانتخابية، وعلى العكس من ذلك عندما يفشل الحزب في تنفيذ وعوده للناخبين، عند ذاك سوف يحجم الناخبون عن الأحزاب التي لا تفي بوعودها.

حيث يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إذا كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة على صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس يتحسسون تأثيرها في الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فأنهم ينظرون إلى المرشحين الحزبين على انهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، ويدلون بأصواتهم لصالح هؤلاء المرشحين).

كيف يهتم الناخب بشؤون السياسة؟

ان التجارب في الانظمة السياسية المختلفة في العالم أجمع، أثبتت أن النظام البرلماني يعد من أفضل الانظمة السياسية، لأن المشاركة في صنع القرار غالبا ما تشمل أكبر عدد من أفراد الشعب، وذلك من خلال تصويت ممثلي الشعب على هذا القرار او ذاك في مجلس النواب، لهذا السبب يعد النظام البرلماني من أنجح الأنظمة تمثيلا للشعوب، حيث يسعى ممثلو الاحزاب الى اقرار التشريعات التي تخدم الشعب وليس العكس.

وهناك بند آخر يتعلق بأهمية نشاط الأحزاب نفسها وبالمشاركة الواسعة التي تبديها هذه الأحزاب من اجل تطوير العمل السياسي، وكلما كان نشاط الأحزاب فعالا وسليما، كانت النتائج التي يقطفها الشعب فعالة وسليمة أيضا، لذلك حتما سيكون النظام البرلماني فعالا عندما تتخذ الأحزاب الخطوات السليمة في الشؤون التي تتعلق ببحث القضايا الهامة التي تتعلق بشؤون الدولة والمصالح العليا للشعب، ولعل نجاح البرلمان في عمله يشترط أن تكون المنافسة بين الاحزاب قائمة على قواعد واضحة تجعل من هذا التنافس يصب في صالح الدولة.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه نفسه: (لقد ثبتت بالتجربة إنّ النظام البرلماني فـي بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيما بينها فـي الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم).

إن رغبة الناخب في المشاركة بالانتخابات تتبلور وفقا لأنشطة الأحزاب، وقدرتها على تمثيل المصالح الحيوية للناخبين، فكلما كانت الأحزاب أكثر قدرة وفعالية على تمثيل الجماهير، كلما كانت الجماهير أكثر تفاعلا واندفاعا نحو المشاركة في الانتخابات، وهكذا سوف يكون هناك تناغم بين الطرفين، أي بين جمهور الناخبين من جهة وبين الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات من جهة أخرى.

وعلى العموم يمكن أن تتحدد نسبة مشاركة الناخبين في الانتخابات البرلمانية، تبعا للثقة المتبادلة بينها وبين الأحزاب السياسية، أي أن الشرط الأساس الذي يدفع الناخبين نحو المشاركة الفعالة في الانتخابات النيابية، هو قدرة الأحزاب على تجسيد مصالح الناخبين عندما يتم انتخابهم والتصويت لصالحهم، فاذا نفذت هذه الاحزاب برنامجها المعلن في الحملات الانتخابية، سوف تكون العلاقة جيدة ورصينة بينها وبين جمهور الناخبين، ويصح العكس أيضا.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الأمر في كتاب (الشورى في الاسلام): (بمثل هذه الطريقة فقط يمكن إشراك الرأي العام فـي النقاش السياسي العام وجعل الناخب على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد).

تجسيد الوعي السياسي والثقافي

كيف يمكن تجسيد الوعي السياسي للشعب؟، وما هي الركائز الثقافية التي تستند إليها الجماهير في التعامل مع الانتخابات النيابية ضمن النظام البرلماني؟، لاشك أن هذا الوعي يتجسد من خلال التطور العام للدولة والشعب، فعندما تكون الدولة منتمية الى التقدم والتطور والاستقرار، سوف يكون نظامها البرلماني أفضل بطبيعة الحال، ولكن هذا التطور والاستقرار، أساسا هو حاصل فعل ونشاط الاحزاب وقدرتها على تطوير مؤسسات الدولة ومدى ايفائها والتزامها بمصالح الناخبين المعلن عنها في البرامج الانتخابية.

لذلك في البلدان المستقرة تكون العلاقات بين الجماهير أو الناخبين والاحزاب جيدة، ويندفع الناس الى المشاركة السياسية الفعالة، لأنها لمست التغيير الايجابي في حياتها بعد أن جسدت الاحزاب مصالحها بصورة فعالة وجيدة، انعكست على مجريات وتفاصيل حياتها بصورة ايجابية.

من هنا يأتي تأكيد الامام الشيرازي قائلا حول هذا الجانب: (فـي البلدان المستقرة المتطورة تتجه أنظار الجماهير إلى الأحزاب السياسية ويسعى غالب الأفراد إلى المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة).

ومن الحسنات والمزايا الجيدة للنظام البرلماني أنه يتيح لجميع الآراء أن تتنافس في الساحة، ولكن ينبغي أن تقوم هذه المنافسة على قواعد سليمة، أهمها نزاهة هذه المنافسة، وجعل المعيار الأهم في التفضيل هو مدى قدرة الاحزاب على تجسيد مصالح الجماهير أولا، هذا هو المعيار الأهم لتفضيل هذا الحزب او ذاك على غيره.

وتتيح الاستشارية الديمقراطية مجالا واسعا لحركة الآراء وتنافسها بصورة لائقة، وبعد ذلك تكون هناك امكانية حرة وواسعة لاختيار البرنامج السياسي الأفضل لهذا الحزب او ذاك تبعا لتجسيده لطموحات الناخبين او فسله في ذلك، فالناخب يوجد لديه مجسات خاصة يقوم على ضوئها باختيار هذا الحزب او ذاك لتمثيله، فإذا نجح الحزب والاشخاص المنتمون له في الوقوف الى جانب قضايا الناخبين، لا شك أن هذا الامر يعد من الانجازات التي تدفع الناخبين الى الثقة بهؤلاء الأشخاص وبالحزب الذي ينتمون له.

وهكذا تكون قضية ما يراه الشعب مهما له، ومدى تطبيق الأحزاب لمصلحة الشعب هي الجانب الأهم في نجاح الأحزاب، والشخصيات التي تدخل وتنشط في العمل السياسي عموما.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا حول هذا الجانب: (في خضّم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، يختار الناخبون الرأي الذي يفضلونه على سواه ويصوّتون لصالح أولئك الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية، وبهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لشعبٍ من الشعوب في العالم).

اضف تعليق