نعيش هذه الايام المباركة من شهر شعبان ذكرى ولادة الإمام الحسين عليه السلام، سبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وفي هذه الأيام يستذكر المسلمون وشيعة أئمة أهل البيت عليهم السلام، شخصية الإمام، ومواقفه الخالدة، ويُبحرون في علمهِ والخطب والأدعية التي كتبها ووضعها بين أيدينا لننهل منها السلم والأمن والاستقرار النفسي والروحي العميق...

(من أهم ما بلغنا من علوم الإمام الحسين (ع) خطبه البليغة والمليئة بالمعارف)

الإمام الشيرازي

نعيش هذه الايام المباركة من شهر شعبان ذكرى ولادة الإمام الحسين عليه السلام، سبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وفي هذه الأيام يستذكر المسلمون وشيعة أئمة أهل البيت عليهم السلام، شخصية الإمام، ومواقفه الخالدة، ويُبحرون في علمهِ والخطب والأدعية التي كتبها ووضعها بين أيدينا لننهل منها السلم والأمن والاستقرار النفسي والروحي العميق.

إن شخصية الإمام الحسين عليه السلام تُعدّ من أجلّ وأعظم شخصيات التاريخ، لما تتحلى به من صفات وملَكات لا يحصل عليها إلا أحباب الله تعالى، أولئك الذين لهم درجات عليا منحها الله لهم في الدنيا والآخرة، ولهذا استحق الإمام الحسين ألقابا تتلاءم وشخصيته العظيمة، وقد أسبغها عليها أخيار الأرض، وعظماء السماء.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم عن (حياة وسيرة الإمام الحسين عليه السلام):

(لُقِّب الإمام الحسين عليه السلام بألقاب كثيرة منها الرشيد، الطيب، الوفي، السيد، الزكي، المبارك، الشهيد، التابع لمرضات الله، المطهّر، البر، سيد الشهداء. وأشهر ألقابه ما لقبه به جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو: (سيد شباب أهل الجنة)، فيكون لقب (السيد) أشرف ألقابه).

وعندما نستدل على شخصية الحسين عليه السلام، من جدّه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فإنه يختلف عن عموم البشر من حيث المكانة والوجود، ومن حيث طبيعة المشاعر التي يحملها تجاه الآخرين سواء تلك الإيجابية أو غيرها، كما أن الرسول صلى الله عليه وآله معصوم (ولا ينطق عن الهوى).

وهذا دليل إضافي على أن كل ما يقوله النبي الأكرم ما هو إلا شهادة عظيمة وكريمة يستحقها سبطه الإمام الحسين عليه السلام، فما يقوله لا يخضع لمنطق الهوى، بل هو كلام يرضي الله تعالى أولا وأخيرا، وهذا بالضبط ما قاله النبي الأكرم بحق الإمام الحسين.

كما يذكر ذلك الإمام الشيرازي في قوله:

(ليس هناك من شك أنّ النبي صلى الله عليه وآله، يختلف عن سائر الناس العاديين الذين يحبون ويبغضون لأحاسيسهم وعواطفهم وميولهم فحسب، فهو (ص) المعصوم الكامل الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ولا يفعل إلا حسب ما يرضي الرب عزّ وجلّ).

شجرة النبوّة المعطاء

كذلك هناك علاقة وطيدة جدا جمعت بين الجدّ والسبط، بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وبين سبطه الإمام الحسين عليه السلام، لأنه من نسخ هذه الشجرة النبوية المعطاء، وكذلك هناك علاقة عظيمة بين الرسول صلى الله عليه وآله وسبطه عليه السلام، يستطيع كل من يبحث فيها العثور على دلائل عظَمة ومكانة وقيمة هذه العلاقة.

فكان الرسول صلى الله عليه وآله يكرر دائما وأمام الجميع محبته للإمام الحسين، ومكانته بالنسبة له، ومدى قربه منه (حسين مني وأنا من حسين)، أعلنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وردّدها أمام المؤيدين والمناوئين، لدرجة لم يبق هناك (آنذاك) من لم يسمع بالصفة العظيمة التي أطلقها الرسول الأكرم على سبطه (سيد شباب أهل الجنة).

يقول الإمام الشيرازي:

(إنّ مَنْ يتّتبع سيرة النبي صلى الله عليه وآله مع الإمام الحسين عليه السلام يجد أنّ هناك علاقة وطيدة وحميمة بينهما تتجلى خلال المواقف المختلفة التي كان يتخذها نبي الإسلام تجاه الإمام الحسين).

وهكذا وُلِد ونشأ وترعرع الإمام الحسين عليه السلام في بيئة نبوية خالصة، ديدنها العلم وفنارها الدين، وطريقها الأخلاق، فتربى الحسين في مدرسة جده الرسول صلى الله عليه وآله، ونهل منها العلم الحقيقي، وانعكس ذلك على ما أنتجه الإمام الحسين عليه السلام من خطب بليغة مكتظّة بالمعارف والقيم والشواهد والدلالات التي تفتح آفاق الخير والقيم الصالحة أمام عقول من يطرقها ويدخل في أجوائها.

كذلك هنالك الأدعية التي كتبها الإمام الحسين عليه السلام، والتي تميزت بجمال اللغة ووضوحها، وبعمق المعاني بالإضافة إلى تلك المضامين الكبيرة التي تطرق عقول الناس فتلامس قلوبهم ونفوسهم، وتجعلهم أقرب إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله، وإلى الدين والأحكام الشرعية والأخلاق التي تميزت بها مدرسة الإمام الحسين عليه السلام التي أخذت دروسها وأفكارها ومبادئها من مدرستيّ الرسول الأكرم (ص) والإمام علي (ع). 

نقرأ في كلمة للإمام الشيرازي:

(من أهم ما بلغنا من علوم الإمام الحسين عليه السلام هي خطبه البليغة والمليئة بالمعارف والحكم والمواعظ، وكذا أدعيته ومنها دعاؤه المعروف بدعاء عرفة وهو بحر من العلوم والمعارف. ونقرأ هنا ممّا ورد في ذلك الدعاء: إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري. إلهي أنا الجاهل في علمي، فكيف لا أكون جهولاً في جهلي. إلهي إنّ اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء. إلهي مني ما يليق بلؤمي، ومنك ما يليق بكرمك).

العظماء يدعون لأعدائهم بالهداية

لقد كانت شخصية الإمام الحسين عليه السلام متكاملة من جميع النواحي، العلمية، الدينية، الأخلاقية، الإنسانية، العقلية والعاطفية، فجمعت كل الصفات التي من الصعب جمعها في وعاء نفسي وقلبيّ واحد، لكنه الإمام الحسين سبط رسول الله، وهو الذي رفع يديه نحو السماء يدعو لأعدائه أن يعودوا إلى رشدهم، ويكفوا عن غيّهم.

وهذه الخطوة قلما أقدم عليها أناس سوى أولئك العظماء الذين تربوا في مدرسة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، مدرسة المبادئ والأخلاق الإنسانية المتكاملة التي لا تزال مفتوحة أبوابها وصفوفها وكتبها ومضامينها لكي يدخلها الناس اليوم، من المسؤولين أو غيرهم، كي يتعلموا الأخلاق والقيم والتعاملات الحسنة في مدرسة الإمام الحسين عليه السلام.

يقول الإمام الشيرازي:

(يكفي أن يطلع الإنسان على خُلق الإمام الحسين عليه السلام في قصة كربلاء ليعرف مدى عظمة أخلاقه السماوية التي حيرت العقول وأدهشت العقلاء على مر العصور). 

هذه هي شخصية الإمام الحسين عليه السلام، فهو يدعو لأعدائه، ويسقيهم وهم في شدة العطش وخيولهم التي جاءوا بها لكي يقاتلوا الحسين عليه السلام وأهله واصحابه، لكن الحسين لم يبدا أحدا بقتال كأبيه وجدّه (صلوات الله عليهم).

وهكذا غرس قيم الرحمة والصفح بين الناس، حين سقى أعداءه، وحين بكى عليهم ودعا لهم مغفرة وهداية لهم، مع أنهم صمموا على مقاتلته، وذويه وصحبه، هذه الاخلاق العظيمة لن نجدها في صفحات التاريخ إلا في مدرسة الحسين وأهل البيت عليهم السلام. 

حيث يقول الإمام الشيرازي:

(إن الحسين عليه السلام هو الذي سقى عسكر أعدائه الذين قدموا لقتله وقتْل عياله، وهو لا يقبل أن يبدأ بمقاتلة الأعداء قبل أن يبدؤوه بالقتال، وهو الذي لا يحمل على فارٍّ ولا جريح. وهو الذي يحن على أعدائه ويبالغ في نصيحتهم ويبكي عليهم رغم تحاملهم عليه وشدة بغضهم له ولأبيه).

فلنجعلْ من ذكرى ولادة (سيد شباب أهل الجنة)، الإمام الحسين، تذكرة قوية وكبيرة وساطعة المعالم والمضامين والقيم، نستلهمها ونغرسها في عقولنا وقلوبنا، ونفتح أبوابها لأولادنا وشبابنا وأطفالنا، حتى يجعلوا بالفعل من هذه الذكرى المباركة فرصة لبداية جديدة ومستمرة للتصحيح والسير في طريق أئمة أهل البيت فكرا و أخلاقا وسيرةً أبدية. 

اضف تعليق