لكل سوق في مدينة ما، حكايته وقيمته الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للمجتمع المتواجد فيه، فسوق العلاوي الواقع في قلب مركز مدينة كربلاء المقدسة، يحكي لنا قصص منذ العهد العثماني، اي أكثر من خمسة عشر عقدا، فهو اليوم يتعرض لحملة تجديد وتطوير ستدثر معالمه التاريخية وتمحو ذكريات الماضي السحيق...
لكل سوق في مدينة ما، حكايته وقيمته الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للمجتمع المتواجد فيه، فسوق العلاوي الواقع في قلب مركز مدينة كربلاء المقدسة، يحكي لنا قصص منذ العهد العثماني، اي أكثر من خمسة عشر عقدا، فهو اليوم يتعرض لحملة تجديد وتطوير ستدثر معالمه التاريخية وتمحو ذكريات الماضي السحيق.
يتميز سوق العلاوي في كربلاء عن غيره من الأسواق كونه سوق متلألئ يعج بالناس من كل حدب وصوب، ينبض بالحياة يرتاده يوميا مئات المتبضعين الوافدين لزيارة العتبات من اصقاع العالم المختلفة، حتى بات شاخص من شواخص المدينة وعلامة من علاماتها التجارية ومحطة مرور لجميع القاصدين المدينة المقدسة.
لا تكاد تخلو أي مدينة من مدن العالم من سوق شعبي يجمع بين الحداثة والاصالة، عند التجول فيه تقرأ قصصا تعود لازمان متعاقبة، يشتمل على محال للمهن الشعبية، وأخرى للمأكولات المحلية، وعادة ما تكون ازقته ضيقة لكنها واسعة بعيون اهله الذين توارثوا مهنهم من الأجداد.
مثل هذه المناطق تعد عناصر جذب قوية للسياح خاصة الأجانب أو من يقدم من خارج المدينة، ولذا فإنه من المفترض على الجهات ذات العلاقة خاصة البلديات أن تحافظ على مثل هذه الأماكن والإبقاء عليها بصورتها التقليدية مع إجراء بعض ما يلزم من اللمسات التحسينية، كتوفير البنية التحتية اللازمة وزيادة أماكن الجلسات الشعبية والحرص على نظافة المنطقة.
المخططات النهائية الموضوعة للسوق توحي بتغيير شامل وكامل لملامح السوق القديمة، وكأن المتجول فيه دخل سوقا آخر حديثة لا تمت للقديم بصلة غير التسمية، وهنا نحن ليس بصدد عدم التجديد ومواكبة المظاهر العصرية، لكن الاستغناء عن الموروث التاريخي بهذه الطريقة يجعل تاريخنا عرضة للاندثار.
السوق الشعبية هي ما يميز مدينة عن غيرها في عالم انغمس الى حد كبير بالمظاهر العصرية التي غيبت معظم المعالم العائدة بجذورها لعقود من الزمن الجميل وما رافق ذلك من احداث اجتماعية مختلفة.
وهو ما يجعل معظم السياح يحرصون على زيارة الأسواق الشعبية للاطلاع على ماضي الشعوب وثقافاتها المتعددة، والاطوار الي مرت بها، فضلا عن اقتناء بعض التراثيات الشعبية التذكارية، ذلك لأن الدول تختلف فيما بينها في ذلك، وإلا فالعالم اليوم متجه إلى التشابه في نمطية الأسواق والمراكز التجارية الكبيرة "المولات" بما تحويه من الماركات العالمية الشهيرة بشكل كبير، أفقد متعة الاختلاف التي كنا نلمسها في أعوام ماضية.
الجهات القائمة بالعمل والمشرفة عليه لا تعرف ان المحافظة على الأسواق الشعبية تمثل قوة اقتصادية مضافة ويدعم سوق العمل لقطاع كبير من المواطنين وبالأخص كبار السن ممن عرفوا بإتقان الحرف اليدوية والمشغولات التراثية، وهو ما تماز به مدينة كربلاء بتنوع تراثها ما بين منطقة وأخرى، هذا بلا شك يضفي مزيدا من الشغف والإبداع وتلمس عبق التاريخ، ويكون مدعاة للسياح للتنقل بين أرجائها والاستمتاع بما تحويه من تراث قلما تجده في بلد آخر.
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ومع ذلك نتمنى أن نرى في كل مدينة من مدننا واجهة شعبية تضم سوقا تراثية تكون نقطة إشعاع يلتقي فيها البعد السياحي والاجتماعي والتراثي في مكان واحد، كما ينبغي تقديم الدعم اللازم وتيسير القروض دون فوائد لأصحاب الحرف التقليدية وتشجيعهم ليتمكنوا من المحافظة على مشغولاتهم الشعبية وتطويرها.
بهذه الخطوات وغيرها نحافظ على الأسواق الشعبية التي تشكل لوحة ارشادية للسائحين الراغبين بمعرفة تاريخ المدينة دون دليل او مرشد سياحي، ولا حاجة لتغييب الهوية التراثية واستبدالها بأخرى عصرية، كون الأخيرة اخذت مديات واسعة في اغلب المدن العراقية.
اضف تعليق