لقد كانت سياسة الإرهاب هي الأسلوب الأول ليزيد كي يخيف الناس، ويجمعهم لمحاربة الحسين عليه السلام، وتحقق له ذلك بعد أن استولى على كل شيء بالقمع والترهيب بالدرجة الأولى، أما إذا رفض أحد محاربة الحسين عليه السلام فإن مصيره القتل والملاحقة والتشريد، فأما القتل أو الزج في المعتقلات والطوامير السوداء...

(لقد تمكن يزيد من محاربة الإمام الحسين، وتهيئة جيش كبير ضده 

عبر الإعلام المضلل والإغراء) الإمام الشيرازي

من المنظومات التي يهتم بها الحكام المستبدون لتقوية حكمهم، وحماية عروشهم، هي منظومة الإعلام، والاعتماد عليه في تزييف الحقائق، ونشر الإشاعات، وبثّ الأخبار والقضايا الكاذبة من خلال الاعتماد الجاد التضليل المحترف، لدرجة تبدو معها الحالات التي يروج لهذا هذا الإعلام المخادع وكأنها عين الحقيقة.

وهذا بالضبط هو الأسلوب الذي اعتمده الحكم الأموي، لقلب الحقائق وتمرير الأكاذيب، وحياكة المؤامرات، بالتوازي مع أساليب القمع والتعذيب والملاحقات وتكميم الأفواه، ومصادرة حرية الرأي، ونشر الرعب بين الناس، وسوقهم إلى السجون لمجرد الرأي الحر أو الصريح أو المعارض، ليس هذا فقط وإنما مصادرة الممتلكات مع إضرام النار في بيوت أصحاب الأصوات الحرة، كذلك فإن معاوية هو أمل من قام برفع الرؤوس على أسنة الرماح وأمر بالتجوال بها في المدن لنشر الرعب في قلوب المسلمين المعارضين لحكمه.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يذكر في كتابه القيّم الموسوم بـ (موجز عن النهضة الحسينية):

(كان المسلمون في عهد يزيد يعيشون في جو من الإرهاب والضغط السياسي والعقائدي، فإن معاوية ويزيد وبني أمية بصورة عامة كانوا قد حبسوا الأنفاس في الصدور، وخنقوا الأصوات المنادية بالحرية وكمموا الأفواه، فكانت سياستهم السجن والقتل والضرب والتعذيب وكم الأفواه وتصفيد الأيادي بالقيود، بالإضافة إلى مصادرة الأموال وحرق البيوت، فمعاوية قام بقتل المسلمين، وأطاف برؤوسهم من بلد إلى بلد، وقد تعلم يزيد هذا العمل من أبيه).

لقد عاث معاوية فسادا في الأرض، ونشر الخوف والظلم بين الناس، وسعى بكل جهوده لكي يطمس (آثار النبوة) بكل ما يستطيع من أفعال وأساليب إجرامية، وذلك بمساعدة منظومة إعلامية أعدّها بطريق تخدمه وتحقق أهدافه، ولهذا ابتكر معاوية أساليب إرهابية لم يسبقه إليها أحد، ومنها (وأبشعها) قطع الرؤوس ورفعها على الرماح والتجوال بها بين الناس حتى يزرع الخوف في قلوبهم ونفوسهم.

لهذا لم يستطع الإمام الحسين (عليه السلام) الصمت على مثل هذه الأعمال الإجرامية التي حاولت طمس ما تحقق في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، وما تحقق للمسلمين من قفزات هائلة في مجال الحقوق السياسية والإنسانية وغيرها، لذا تطلب الأمر أن يُفضَح جلاوزة النظام الأموي، وكشفه للمسلمين الذي غرّر بهم، وظلّلهم بإعلامه المزيّف.

يقول الإمام الشيرازي: 

(إن أول شخص قام بهذا العمل القبيح (الطواف بالرؤوس) في الإسلام كان معاوية، واستمرت مسيرة الظلم والجور بحكومة يزيد، وكان الهدف ظلم العباد وطمس آثار النبوة ومن هنا فقد نهض الإمام الحسين (عليه السلام) ضد هذه الأعمال الشنيعة وهذه الحكومة الجائرة).

الاستعانة بالأساليب المضلّلة

وحينما خرج الحسين عليه السلام ثائرا على يزيد، أول شيء قام به هذا الحاكم الأموي تهيئة الإعلام المضلل، لكي يكذب على الناس، وينشر الأكاذيب المضللة، فتم تهيئة جيش كبير ضد الحسين عليه السلام من خلال منظومة الإعلام المزيفة، بالتعاضد مع أساليب الترغيب والإغراء، ونشر سياسة الإرهاب بين الناس وزرع الخوف في قلوبهم.

إذًا هي أساليب تجمع بين التضليل الإعلامي المدروس والمهيّأ مسبقا، مع سحق الأصوات والآراء المعارضة بالقوة الهائلة، مضاف إلى كل ذلك تهيئة جيش كبير بأساليب مختلفة، تمكن يزيد من خلالها حشد الآلاف لمواجهة الثورة الحسينية القادمة.

يقول الإمام الشيرازي: (هكذا حارب يزيد الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث تمكن يزيد بن معاوية من محاربة الإمام الحسين (عليه السلام) وتهيئة جيش كبير ضده عبر الإعلام المضلل والإغراء بالجهل ونشر جو الإرهاب والخوف).  

لقد كانت سياسة الإرهاب هي الأسلوب الأول ليزيد كي يخيف الناس، ويجمعهم لمحاربة الحسين عليه السلام، وتحقق له ذلك بعد أن استولى على كل شيء بالقمع والترهيب بالدرجة الأولى، أما إذا رفض أحد محاربة الحسين عليه السلام فإن مصيره القتل والملاحقة والتشريد، فأما القتل أو الزج في المعتقلات والطوامير السوداء.

ولهذا تذكر المصادر التاريخية الموثوقة أن هناك آلافا مؤلّفة تم سوقها إلى السجون والتعذيب والقتل، لأنها لم تستجب لدعوة يزيد في مقاتلة سبط الرسول صلى الله عليه وآله. 

حيث يقول الإمام الشيرازي:

(لقد استولى يزيد على المسلمين بالقوة والقهر، مضافاً إلى ما أوجدهُ من جو الإرهاب والخوف فكان من لا يخرج إلى محاربة الإمام الحسين (عليه السلام) يُقتل أو يُسجن، وكان كثير من الناس لا يعرفون الهدف من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت مجموعة كبيرة منهم تقبع في السجون، فقد ورد في التاريخ: إنه في زمان ولاية ابن زياد كان هناك اثنا عشر ألف شخص تم إلقاء القبض عليهم وسجنهم في الكوفة). 

ومع كل هذا الإعلام المضلل وسطوته، ونشره للخوف والإرهاب بين المسلمين، ومع استمرار آلة القتل والإجرام باستمرارها في ملاحقة الرافضين للظلم، وقطع رؤوسهم، مع هذا كله خرج الإمام الحسين عليه السلام معلنا ثورته ضد الظلم والجور الأموي، وأعلن بصوت عال هذا الرفض القاطع لمصادرة الإسلام ونشر البدع الكاذبة بين المسلمين.

النهضة الحسينية تهدد عروش المستبدين

فقد امتنع الإمام الحسين عليه السلام عن مبايعة يزيد، (مثلي لا يبايع مثله)، فاندلعت الثورة الحسينية، عروش الطغاة بالاهتزاز والتساقط تباعا، بدأها يزيد الذي اهتز عرشه في عقر داره عبر الخطبة الزينبية التي فضحت مآربه وجعلته يهتز في مجلسه وأمام جلاوزته والتابعين له، هذا ما حدث بعد اندلاع الثورة الحسينية وخروج الحسين بأصحابه لمواجهة الطاغية يزيد الذي انحرف بالإسلام إلى مسارات لا علاقة لها بالدعوة النبوية من قريب أو بعيد.

الإمام الشيرازي يقول: (إن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما امتنع من بيعة يزيد وصمم على الشهادة، كانت هناك مجموعة كبيرة من شيعته قد قُتلت بأيدي جلادي بني أمية، ومجموعة أخرى كانت تقبع في السجون، فخرج الإمام الحسين (عليه السلام) بأصحابه المعروفين لمواجهة ظلم وجور يزيد).

وهكذا لم يحصل يزيد على مؤيدين إلا عبر طريقين لا غيرهما، الأول هو أسلوب الإكراه والقمع واستعمال القوة والتخويف لكي تصطف الناس مع يزيد في محاربة سبط رسول الله، علما أن الإعلام المضلل سعى للتعتيم على هذه الحقائق، بالتوازي مع أسلوب الترهيب والترغيب الذي جعل الناس تتكالب على مقاتلة الحسين عليه السلام.

أو غسل أدمغتهم عبر الإعلام المضلل، فكانت هذه الماكنة الإعلامية تقف وراء التحاق آلاف المقاتلين إلى معسكر يزيد، وهذان الأسلوبان يقعان ضمن سياسة التضليل الإعلامي ومعاقبة الرافضين بالقتل ومصادرة الأموال وغيرها.

لذا يقول الإمام الشيرازي: 

(أما الذين جاءوا لمحاربة الإمام الحسين (عليه السلام) فقد جاءوا إما من باب الخوف والإكراه وإما من باب الجهل والإغواء، فإن كثيراً منهم كانوا من أهل الدنيا الذين خدعهم بنو أمية، بإعطائهم الأموال والمناصب، ووعدوهم بذلك إن خرجوا لمحاربة الإمام الحسين (عليه السلام)، فهؤلاء خلال أربعين سنة قد تم تغيير أفكارهم بالإعلام المضلل وإجراء عملية غسيل المخ عليهم فتغيروا).

ولكن ماذا كانت النتيجة، وإلى أين انتهت محصلة هذه المواجهة التي فضحت يزيد، وكشفته على حقيقته، وهزت عرشه، ثم تساقطت عروش الطغاة من خلال الثورة الحسينية إلى يومنا هذا، وسوف يبقى الحسين فكرا ونهضة تهدد الظالمين في أي مكان وزمان، لأن الإمام الحسين صوت الحق وفنار المبادئ التي تنتصر ضد الظلم وترفض الجور والانحراف إلى يوم يُبعثون. 

اضف تعليق