إسلاميات - الإمام الشيرازي

علمية ومناقبية الإمام الرضا عليه السلام

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

كان الإمام الرضا عليه السلام يستند في إجاباته الواضحة الدقيقة، إلى نصوص داعمة من القرآن الكريم، فيغلق أبواب التشكيك التي يحاول المأمون أن ينفذ منها، ليسبب حرجا هنا أو هناك للإمام، فكانت المساجلات تنتهي بصمت المقابل وشعوره بالحرج المضاد...

(عهد الإمام الرضا عليه السلام شهد حركة علمية كبيرة) الإمام الشيرازي

وهب الله تعالى للبشرية مصابيح علمٍ، وصنّاعَ مناقب عظماء، جعلوا من أنفسهم هداةً ومعلمين لبني البشر، ونذروا أعمارهم وأنفسهم لخدمة الناس، على الرغم من أن الظروف التي أحاطت بهم، كانت لا تسمح لهم القيام بالدور التنويري المتميز الذي لعبوه في حياتهم، ومن ثم ما حققوه للبشرية بعد رحيلهم.

الإمام المعصوم العاشر علي بن موسى الرضا عليه السلام، وُلِد في مثل هذه الأيام، وفي هذا الشهر بالتحديد، فوُلِدت معه بشائر العلم، والمناقب التي ارتفعت بحصيلة العقل البشري إلى أقصاه، حيث يبدو من الغريب حقا، أن الإمام الرضا استطاع أن يكسب رضا الأعداء والأصدقاء معا، وهذا قد يكون نادرا في التاريخ، وهو ما لم يتوفر لغيره، حيث يعدّ ذلك من المعجزات التي تميّزَ بها الإمام عليه السلام.

في الكتاب الذي خصصه الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي دام ظله، لسيرة الأئمة المعصومين الأربعة عشر، عرض الجزء العاشر منه لحياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، وجاء فيه حول علم ومناقب الإمام:

(قال ابن الصباغ المالكي: قال بعض الأئمة من أهل العلم: مناقب علي بن موسى الرضا عليه السلام من أجلّ المناقب، وأمداد فضائله وفواضله متوالية كتوالي الكتائب، وموالاته محمودة البوادي والعواقب، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب، وسؤدده ونبله قد حل من الشرف في الذروة والمغارب، فلمواليه السعد الطالع، ولمناويه النحس الغارب) المصدر: الفصول في معرفة الأئمة، ج2، ص1023.

هذا الدور الحاسم الذي تصدى له الإمام الرضا عليه السلام، وهو نشر العلم بين الناس، وإعداد المعلمين في نفس الوقت، جاء في ظل حكومة ظالمة وسلطان لا يخلف عن سلسلة السلاطين الجائرين، ولكن بحنكة الإمام الرضا وقدرته الاستثنائية، استطاع أن يمرر برامجه العلمية ويقنع الأعداء ويُنشئ المدارس، ويعدّ العلماء، ليذهبوا في الأصقاع كافة وينشروا الإسلام والمحبة في ربوع الأرض.

يرِدُ في كتاب الإمام الشيرازي أيضا: 

(يقول الريان بن الصلت: لما أردت الخروج إلى العراق، وعزمت على توديع الرضا عليه السلام، فقلت في نفسي: إذا ودعته سألته قميصاً من ثياب جسده لأكفّن به، ودراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم. فلما ودعته شغلني البكاء والأسف على فراقه عن مسألة ذلك، فلما خرجت من بين يديه صاح بي: يا ريان، ارجع. فرجعت، فقال لي: أ ما تحب أن أدفع إليك قميصاً من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فنى أجلك؟. أ و ما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم. فقلت: يا سيدي، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغم بفراقك. فرفع عليه السلام الوسادة وأخرج قميصاً فدفعه إليّ، ورفع جانب المصلى فاخرج دراهم فدفعها إليّ وعددتها فكانت ثلاثين درهماً). المصدر: عيون أخبار الرضا : ج2 ص211-212 دلالة أخرى ح17. 

نشر العلوم والقيم الصالحة 

لقد استثمر الإمام الرضا عليه السلام، هامش الحرية البسيط الذي أتيح له، وأسس لحركة علمية فعالة، على الرغم من المأمون - الذي كان يدّعي العلم وأنه من رهط العلماء- حاول أن يحرج الإمام الرضا عليه السلام، في أكثر من مناسبة، فيوجّه له الأسئلة تلو الأخرى، وكان عليه السلام يفحمه بالأجوبة التي تجعله يلوذ بالصمت، ويتظاهر بأنه يحب العلم ويهتم بالعلماء، ولكن ليس هناك وجود حقيقي لهذا الاهتمام إلا من الناحية الشكلية.

وكان الإمام الرضا عليه السلام يستند في إجاباته الواضحة الدقيقة، إلى نصوص داعمة من القرآن الكريم، فيغلق أبواب التشكيك التي يحاول المأمون أن ينفذ منها، ليسبب حرجا هنا أو هناك للإمام، فكانت المساجلات تنتهي بصمت المقابل وشعوره بالحرج المضاد.

يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:  

(شهد عهد الإمام الرضا عليه السلام حركة علمية كبيرة؛ وذلك للحرية البسيطة التي أتيحت آنذاك للعلم والعلماء. وكان المأمون ـ وهو عالم العباسيين ـ يتظاهر بمحبة العلم والعلماء، وكان يكثر السؤال من الإمام عليه السلام امتحاناً منه له؛ علّه يحرجه أو يغلطه في مسألة ما دون أن يصل إلى مرامه. يقول إبراهيم بن العباس الصولي: (ما رأيت الرضا عليه السلام سُئل عن شيء إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى عصره. وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه، وكان جوابه كله وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد)، المصدر: أعيان الشيعة ص 101.

كثيرة هي العلوم التي رسخها الإمام عليه السلام بين طلابه، وشدد كثيرا على إعداد العلماء المبلغين، حتى يكونوا سفراء الإسلام في معارج ومدارج الأرض، كي تصل تعاليم الإسلام وأحكام الله تعالى والعقائد السمحاء إلى كل البشر، كما ركز الإمام الرضا عليه السلام على استنهاض القيم الإسلامية والاجتماعية الحميدة، وضخ روح الحياة فيها من جديد.

ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تذكير الناس بالإمامة وشرحها لهم، وكيف تسهم في زيادة معارف الناس الدينية، وتساعد في نفس الوقت على تقارب المسلمين فيما بينهم، وركز الإمام كثيرا على المعارف، وجعل الناس على علم بأركان الدين، وكانت الإمامة من بين القضايا الأكثر ترسيخا، بسبب حاجة الناس لمثل هذه المعارف التي تزيد من تقواهم وإيمانهم، من خلال الإقرار بأحقية أئمة أهل البيت عليهم السلام بالإمامة.  

عن الإمامة يقول الإمام الشيرازي:

(في عهد الإمام الرضا عليه السلام كثر الحديث حول الإمامة، ونال هذا الموضوع أهمية خاصة لدى المسلمين، فبين الإمام عليه السلام المعارف الحقّة ما جعل الجميع يقر بأحقية أهل البيت  بالإمامة).

الجهد العلمي العقائدي للإمام الرضا

وكانت الإمامة من القضايا الجدلية بين الناس آنذاك، لاسيما أن الظرف السياسي كان معاديا لأهل البيت، لكن الجهود العلمية الرصينة التي واضب عليها الإمام الرضا عليه السلام، ورسخها في مدارسه التي أنشأها لتدريس الشؤون والعقائد الإسلامية المختلفة، كلها ساهمت بتوعية الناس وتفتح عقولهم وفهمهم لتعاليم وتفاصيل دينهم.

وعندما كان الناس يختلفون فيما بينهم حول الأحكام والمسائل الدينية، كان الإمام عليهم السلام، يوضح لهم جميع الأمور التي يتساءلون عنها، أو تكون مثار تساؤل أو شكوك، وكان عليه السلام يستند في ذلك إلى نصوص القرآن الكريم، حتى يلجم الأفواه والعقول المشككة، فقد كانت هناك مهمة واضحة أوكلها الله تعالى لرسوله وأكملها بحذافيرها.

ولا مكان لأي نوع من التشكيك أو إثارة الشبهات، وهذا لا يعني غلق الأفواه، أو قمع الآراء والتساؤلات، وإنما يتم توضيحها من قبل الإمام الرضا عليه السلام، وقد اشتهر بتفسيره الرصين، وعلمه الصائب، ومناقبه الثرية المتميزة، وكلها تنهل علومها وأسانيدها من النصوص القرآنية الكريمة.

فقد جاء في كتاب الإمام الشيرازي: (عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا مع الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة وذكروا اختلاف الناس فيها. فدخلت على سيدي ـ يعني الرضا عليه السلام ـ فأعلمته خوض الناس فيه. فتبسّم ثم قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن آرائهم. إنّ الله عزّ وجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء. بيّن فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً).

وأخيرا ونحن نعيش ذكرى ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، فإننا مطالَبون بمعرفة الكنوز العلمية التي تركها لنا الإمام، وكلها متوفرة في الكتب والسيَر المتاحة سواء عبر شبكة الإنترنيت أو في المكتبات الدينية، وحتى في المكتبات العامة، كونها تشتمل على مضامين عميقة وبالغة الأهمية تساعد على ترسيخ القيم التي باتت مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتهديم والتدمير المبرمج.

اضف تعليق