رسم الإسلام خارطة طريق جيدة للعلاقات بين المسلمين مع بعضهم من جهة، وبينهم وبين الناس من الأمم والأديان الأخرى أيضا، وترتكز مجريات هذه الخارطة على السلم والسلام، وعلى القيم الجيدة، وعلى أركان ومبادئ مهمة قوامها، التعارف، والتعاون، والعدل، الذي ينبغي أن يكون كل هذا تحت مظلة السلم والسلام...
(حث الإسلام المسلمين وحفزهم في الغدو والرواح على حب الخير للبشرية كلها)
الإمام الشيرازي
هناك خارطة طريق رُسِمَت بشكل دقيق لإدامة العلاقات السليمة بين المسلمين مع بعضهم بعضا، وبين المسلمين وغيرهم من الأمم والأديان الأخرى، هذه العلاقات تم رسمها وفق مبادئ وقيم إنسانية المنحى والتوجهات، وأول ركن من أركان هذه العلاقات هو التعارف، ومن ثم التعاون، وهذان الجانبان أو الركنان أحدهما يردف الآخر ويدعمه من خلال ركن ثالث أو قيمة ثالثة تشكل معيارا مهما للعلاقات المتبادلة، وهذه القيمة هي العدل.
فالتعارف بين الناس في غياب العدالة لا فائدة منه، والتعاون أيضا لا يمكن أن يتم بين الأمم ما لم يكن العدل حاضرا.
هذه هي أول خطوة يجب أن يخطوها المسلم في تعارفه مع الآخرين، مسلمين كانوا أو غيرهم، وعليه أن يستحضر قيمة ومعيار العدل في جميع العلاقات الإنسانية التي تربطه مع الآخرين، وهذا يرتّب عليه مسؤوليات كبيرة، عليه أن يتحملها وفي المقدمة منها صيانة حقوق الناس، والتعاون معهم على إثبات الحق، وإدامة العلاقات الإنسانية المتوازنة، عبر التحلي بقيمة العدل، حتى يكون التعاون مجديا بين المسلمين مع بعضهم من جهة وبين المسلمين وغيرهم من جهة اخرى.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام):
(إن العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي علاقة تعارف، وتعاون، وبر، وعدل، يقول اللـه سبحانه وتعالى في التعارف المفضي إلى التعاون: يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللـه أَتْقَاكُمْ إِنّ اللـه عَلِيمٌ خَبِير).
هذه الأركان المهمة في خارطة العلاقات مع الآخرين (التعارف، التعاون، العدل)، يجب أن تكون تحت مظلة الإنسانية، أو تحت مظلة الإخاء الديني، فالناس أخوان لبعضهم بعضا، فأما أن يكونوا أخوانا في الدين (المسلم أخو المسلم)، وأما أخوانا في الإنسانية، وهذا ما عبر عنه الإمام علي (عليه السلام) في كتابه الشهير الموجَّه إلى مالك الأشتر، والذي أعلن فيه الإمام عن الروابط التي تجمع بين البشر وحصرها بين (الإخاء الديني و الإنساني).
لذا أضاف الإمام الشيرازي (رحمه الله) قائلا: (كذلك يجب أن تكون العلاقة الإنسانية الشاملة، وكما قال الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر: الناس صنفان، إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق).
الإخاء الديني و الإنساني
هذان المبدآن (الإخاء الديني، و الإخاء الإنساني) هما اللذان يربطان البشر بعضهم ببعض، فالدين هو الذي يؤاخي بين الناس، وإذا لم يكونوا من دين واحد، فإن الانتماء إلى الإنسانية تجعل منهم أخوانا، وهذا يكفي تماما لتكون العلاقات منسجمة يزيد من لحمتها التعارف المستمر، ويؤطّرها التعاون القائم على الانسجام والاحترام والتفاهم، وكل هذه المنظومة العلاقاتية يجب أن يكون العدل هو القاسم المشترك فيما بينها.
لهذا فإن المسلمين أينما كانوا، يتعاملون مع الآخرين على أساس مبدأ الإخاء الديني، أو على أساس مبدأ الإخاء الإنساني، وفي جميع الأحوال ينبغي أن تتوفر أركان العلاقات التي سبق الإشارة إليها وهي (التعارف، التعاون، العدل)، هذه هي روابط التآخي بين الناس، بغض النظر عن هويتهم أو انتمائهم الديني أو العرقي، فالجميع أخوان أما في الدين أو في الإنسانية، والجميع عليهم أن يبنوا علاقاتهم على الأسس التي المرسومة في خارطة العلاقات وهذه الأسس أو الأركان هي التعارف والتعاون والعدل.
يقول الإمام الشيرازي:
(المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتعاملون مع الناس على هذين المبدأين، فإما أن يكون أخاً لـه في الإيمان، وإما أن يكون لـه نظيراً في الخلق ومثيلاً لـه في الإنسانية).
علما أن التعاليم الإسلامية لا تقف عند حدود التعارف بين الناس، فبالإضافة إلى مبدأ التعاون، و العدل، هنالك ما هو بالغ الأهمية أيضا، وهو أن تكون محصلة هذه العلاقات السلم والسلام، فلا فائدة من العلاقات إن لم تجعل من الناس يعيشون مع بعضهم في ظل الاحترام المتبادل للحقوق والحريات والممتلكات، ولا يمكن أن تُسهم العلاقات في استمرارية الحياة ما لم يكن السلم والسلام هو السائد بين الجميع.
حتى على مستوى الأفراد يجب أن يتوافر السلم، وكذلك بين الجماعات الصغيرة، كالقبائل أو العائلات أو التجمعات السكانية الصغيرة، هذه المكونات البشرية الصغيرة لابد أن يكون ديدنا السلم، والمؤاخاة، فلا فائدة من التعارف، ولا التعاون ولا العدل، ما لم يعش الجميع تحت مظلة السلم والسلام، كما هي الحاجة اليوم لعالم يسوده السلام وليس الاحتكار والصراعات والأزمات والتصادم المستمر بين الأمم والقوى الكبرى.
العلاقات السليمة تحت مظلة السلام
لهذا يقول الإمام الشيرازي: (الإسلام لا يقف عند حد الإشادة بمبدأ التعارف فحسب بل يذهب بفكره ومبادئه إلى مدى أعمق ومسافة أقصى، لقد جعل العلاقة بين الأفراد، وبين الجماعات، وبين الدول، علاقة سلم وسلام وأمان، يستوي في ذلك علاقة المسلمين بعضهم ببعض كما قال الرسول صلى الله عليه وآله: المؤمن مرآة لأخيه المؤمن ينصحه إذا غاب عنه، ويميط عنه ما يكره إذا شهد، ويوسع لـه في المجلس).
كذلك يجب أن تسود علاقات التفاهم والانسجام والتعاون بين المسلمين مع بعضهم، وأن تقوم هذه العلاقات والارتباطات على السلم والسلام، وأن يتجنبوا الصراعات من أي نوع كان، خصوصا تلك التي تحدث بين القبائل أو الجماعات، حيث تنشأ فيما بينها صدامات لا يمكن تبريرها، وقد تكون نتائجها أحيانا باهضة الثمن من جميع الأطراف، لهذا يجب أن يلجأ المسلمون إلى السلم والسلام في جميع علاقاتهم وتعاملاتهم.
وقد أكد الإمام الشيرازي على هذه النقطة قائلا:
(أما علاقة المسلمين ببعضهم وبغيرهم فأيضاً يبتني على السلم والسلام، لقد حث الإسلام المسلمين وحفزهم في الغدو والرواح على حب الخير لجميع البشرية والإحسان لها).
لهذا يجب إظهار الرحمة بالجميع، من دون الاستثناء، فالرحمة في التعامل لا تخص المسلمين وحدهم، بل على المسلم أن يتعامل بالرحمة حتى مع أعدائه، لأن من يرحم الضعيف سوف يرحمه القوي أو الأقوى منه، لذا على المسلم أن يحب الخير للجميع، هذا ما تؤكد عليه تعاليم الإسلام، وما على المسلم إلا الالتزام بهذه التعاليم وتطبيقها عمليا في حياته حتى يقطف الثمار الجيدة، هكذا ينبغي أن يتعامل المسلمون مع غيرهم، ومع أنفسهم حتى يضمنوا رضوان الله تعالى، ويفوزوا بحياة مستقرة ومنتجة.
يقول الإمام الشيرازي:
(محبة الخير لغير المسلمين بقضاء حوائجهم مثلاً، وذلك بصفتهم من البشر أو لجهة خاصة، وفي الحديث عن رسول اللـه صلى الله عليه وآله قال: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): ارحم من دونك يرحمك من فوقك).
هكذا رسم الإسلام خارطة طريق جيدة للعلاقات بين المسلمين مع بعضهم من جهة، وبينهم وبين الناس من الأمم والأديان الأخرى أيضا، وترتكز مجريات هذه الخارطة على السلم والسلام، وعلى القيم الجيدة، وعلى أركان ومبادئ مهمة قوامها، التعارف، والتعاون، والعدل، الذي ينبغي أن يكون كل هذا تحت مظلة السلم والسلام.
اضف تعليق