آثار الظلم لا يمكن إخفاءها، لأنها ستكون واضحة على وجوه الناس المظلومين، ومن حالة الذل والانكسار التي تظهر في عيونهم ومشاعرهم وتعبيراتهم، فالتأثير يطول الفرد والمجتمع في نفس الوقت، حتى الظالمين أنفسهم سوف يشعرون بأنهم مهدّدون في حياتهم، فلا يستقرون ولا يشعرون بالأمان، لذلك يزدادون ظلما وبطشا بالآخرين...
(الشخص الذي يرتكب ظلماً، سيترك أثراً سيئاً على الشخص المظلوم)
الإمام الشيرازي
يفسّر بعض المفكرين المعنيين بالسياسة والعدالة والشؤون الإنسانية، بأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو الجور، وقيل عنه أيضا، هو التصرف في ملْك الغير ومجاوزة الحد. ويطلق الظلم على غياب العدالة، أو الحالة النقيضة لها. ويستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى حدث أو فعل معين، أو الإشارة إلى الوضع الراهن الأعم والأشمل.
ويشير هذا المصطلح بصفة عامة إلى إساءة المعاملة أو التعسف أو الإهمال أو ارتكاب جرم دون تصحيحه، أو توقيع العقوبة عليه من قبل النظام القانوني. وقد تمثل إساءة المعاملة والتعسف فيما يتعلق بحالة أو سياق معين إخفاقا نظاميا في خدمة قضية العدالة.
ويُقصَد بالظلم «الإجحاف البيّن». ويجوز تصنيف الظلم كنظام مختلف مقارنة بمفهوم العدالة والظلم في البلدان المختلفة. فقد يكون الظلم ناجما ببساطة عن اتخاذ قرار بشري خاطئ، وهو أمر من المفترض أن يحمي النظام من التعرض له. ويُفسَّر الظلم تبعا لبعض الأحكام بأنه عبارة عن التعدي على الحق لصالح الباطل.
ويعد الظلم من المدخلات الرئيسة لإثارة المشكلات والتمايز في المجتمعات، لاسيما ما يتعلق بتطبيق القوانين والعدالة، فهنالك أشخاص متنفّذون لا يخضعون للضوابط العادلة، في حين يتم تطبيقها على آخرين بصرامة وقسوة وبالقوة، وهذا يُعد غيابا تاما لمعايير العدالة، لذلك فإن مخرجات الظلم إلحاق إساءات كبيرة بمن يقع عليه الظلم سواء كان فردا أو جماعة.
لهذا فإن الظلم يحدث ضررا كبير في الأمن الاجتماعي، فضلا عن الاستهانة بقيمة الإنسان وبالقيم الإنسان، كالعدالة، والمساواة ومراعاة كرامة الإنسان وقيمته المعنوية الكبيرة.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يؤكد في كتابه القيّم الموسوم بـ (آثار الظلم في الدنيا والآخرة) على:
أن (الجاني الذي يقترف جريمة قتل مثلاً في مجتمعه الذي يعيش فيه، يكون لجريمته جوانب عديدة، فمن جانب إنه أزهق نفساً زكية، ومن الجانب الآخر أخلّ بالأمن الاجتماعي، واستهان بقيمة الإنسان والإنسانية، ومن جانب ثالث أدخل الحزن والأسى في قلوب الآخرين بعد أن فقدوا أحد أبنائهم أو أعزتهم وقد تكون هنالك جوانب عديدة أخرى. فما هو جزاؤه إذن؟).
ومما نلاحظه أحيانا، أن الظالمين لا ينالوا العقاب الذي يستحقوه بسبب ظلمهم للآخرين، وهذا أمر وارد، ولكن هذا لا يعني أن الذي يظلم سوف يفلت من العقاب، وإذا افترضنا أنه تخلص من العقوبة في الدنيا لأي سبب كان، كأن يكون حاكما قويا ومستبدا، فلا يستطيع المظلمون مقاضاته، أو مواجهته، لكنه في الحساب الإلهي لا يُعفى، ولا يمكنه الإفلات منه.
الظالمون والحكمة الإلهية
نعم إن الله قد يمهل بعض الظالمين، ولا يلحق بهم العقوبة التي يستحقونها وهم على قيد الحياة، لكن يوم القيامة ويوم الحساب بانتظارهم، وسوف ينالون العقوبة التي يستحقونها حتما، وكثيرا ما نسمع ألسنة المظلومين وهم يردّدون جملة (يُمهل ولا يُهمل).
الإمام الشيرازي يقول عن هذه النقطة: (قد يحصل في بعض الحالات أن الظالم لا ينال جزاءه في الدنيا، فهل هذا يعني أنه في الآخرة يترك ولا يعاقب؟ كلا، بل ان الله للظالمين بالمرصاد، وإمهال الله للظالم لا يعني تركه أبداً).
نعم هناك حكمة إلهية لا يعلمها إلا الله، تخص تأجيل العقاب الدنيوي على الظالمين، لكن العقاب الأخروي للظالمين بالمرصاد، وهذا بمثابة الإنذار الشديد لكل من يظلم الناس، فإذا كانت قوته وسلاحه ونفوذه وجاهه وأمواله تحميه من العقوبة نتيجة لظلمه الناس، فإن يوم الحساب قادم لا محالة.
لذا من الأفضل للظالمين والمخطئين في حقوق الآخرين أن يتوبوا ويكفّروا عن ظلمهم وذنوبهم وهم ما يزالوا على قيد الحياة، لأن يوم الحساب ليس فيه تكفير عن الذنوب ولا تنازل عن حقوق الناس الذين تعرضوا لظلم الظالمين.
يقول الإمام الشيرازي:
(لحكمة إلهية علمها عند الله (يمهل الظالمين) كما يقول في كتابه: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ). وقد جاء في التفسير لهذه الآية المباركة: أي لا يظن (الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ) والإملاء: الإمهال، أي أن إطالتنا لأعمارهم وإمهالنا إياهم، وتوفير المال والجاه لهم ليس خيراً لهم).
هناك من يظلم الناس وفي نفس الوقت لا يعرف نتائج ما يقوم به على المظلومين، وهناك من لا يهمه هذا الأمر أصلا، فلا تعنيه نتائج ظلمه للآخرين مطلقا، فلا يفكر في كرامة من ألحق بهم ظلما فادحا، ولا يفكر بقيمتهم الإنسانية، ولا بالحقوق المالية التي سرقها أو اغتصبها بالقوة من الفقراء، وفوق هذا كله هؤلاء الظالمون لم يحسبوا حسابا للأحكام الإلهية التي تنص على تحريم الظلم بكل أشكاله.
الإمام الشيرازي يقول: إن (للظالم الأثر الواضح على المظلوم في جوانب عديدة، أقلها أنه استهان بقيمته وكرامته، سواء بغصب حقه، أو بأكل ماله، أو الاعتداء عليه، مضافاً إلى أن الظالم استهان أيضاً بالأوامر والأحكام الإلهية التي تؤكد على عدم الظلم).
ومع اللامبالاة التي يبديها الظالمون تجاه من تعرضّوا لظلمهم، تظهر مساوئ هذا الظلم واضحة عند المظلومين، فتترك فيهم آثارا مؤلمة، منها الأثر المعنوي الذي يطول كرامتهم وقيمتهم الإنسانية، ومنها الأثر المادي الذي يطول أموالهم وممتلكاتهم، فيعيشون الفقر والإذلال على الرغم أنهم أغنياء.
كما يحدث اليوم مع العراقيين الذين يتعرضون لظلم كبير على أيدي من لا ضمير عندهم، ولا حرمة لأموال وحقوق الآخرين، فيختلسونها ويسرقونها دون وازع من ضمير ولا إنسانية، ولا يهمهم يوم الحساب القادم، فالمهم أن يتنعموا اليوم بالأموال المسروق، ولكن يوم القيامة لهم بالمرصاد حتما.
آثار الظلم على الفرد والمجتمع
لهذا يقول الإمام الشيرازي: (إن الشخص الذي يرتكب ظلماً، سيترك أثراً سيئاً على الشخص المظلوم، والقضاء العادل الذي يكون في يوم القيامة يحاسب جميع هذه التأثيرات، ولذا فان الظالم سيلاقي جزاءه حتماً، آجلاً أو عاجلاً، والجزاء العاجل قد يكون من ظالم آخر، يسلطه الله عليه، بسبب ظلمه للناس).
أما الآثار التي يتركها الظلم على المجتمعات فهي كثيرة وكبيرة ومتنوعة أيضا، وأخطرها تلك المشكلات التي تهدد السلم الأمني وتصنع الاضطرابات المتكررة في المجتمع، بسبب اخلال العدالة، وغياب الإنصاف، وضياع الحقوق، وانتشار حالات الظلم، وهو ما يجعل البنية الاجتماعية أكثر ضعفا، ويشيع حالات التذمر وتنتشر المشكلات العصيبة كالفقر، وتراجع القيم الصالحة، وانتشار القيم المسيئة.
يزداد هذا الوضع المتردي اجتماعيا وأخلاقيا، حينما يكون حاكم الدولة طاغوتا مستبدا، لا يحكمه دين، ولا أخلاق، ولا شرع، ولا أعراف، فيعتمد على قواته وسلطاته ويواصل ظلمه للناس لاسيما الفقراء منهم، لأنه لا يفكر بالناس بل بحكمه ومصالحه فيواصل سياسة الظلم والترهيب والتجويع دونما رادع.
يقول الإمام الشيرازي:
(ان المجتمع الذي تكثر فيه حالات الظلم، لابد وأن تكثر فيه الاضطرابات المختلفة، وحالة عدم الاستقرار، وتترتب عليه آثار وخيمة جداً في نفوس أبناء المجتمع، خصوصاً إذا كان الحاكم نفسه ظالماً لشعبه، مستبداً برأيه، لا يهمه سوى مصالحه الشخصية، وبقائه في الحكم مدة أطول).
إذًا فإن آثار الظلم لا يمكن إخفاءها، لأنها ستكون واضحة على وجوه الناس المظلومين، ومن حالة الذل والانكسار التي تظهر في عيونهم ومشاعرهم وتعبيراتهم، فالتأثير يطول الفرد والمجتمع في نفس الوقت، حتى الظالمين أنفسهم سوف يشعرون بأنهم مهدّدون في حياتهم، فلا يستقرون ولا يشعرون بالأمان، لذلك يزدادون ظلما وبطشا بالآخرين، ولكن بالنتيجة يبقى الخوف يعيش معهم حتى آخر لحظة من حياتهم.
اضف تعليق