33394

شبكة النبأ: المقصود بالطفولة بصورة عامة، هي عدم النضوج، وينسحب هذا التوصيف على الانسان مثلما ينسحب على تعاملاته في مجالات الحياة المختلفة، لذلك يمكن أن نفهم بأن مصطلح الطفولة السياسية يتعلق بالقرارات والخطوات السياسية غير الناضجة، وهي غالبا ما تصدر عن سياسيين غير ناضجين ولا يمتلكون الخبرة المطلوبة التي تمكنهم من اتخاذ القرارات النظرية او العملية المناسبة، فضلا عن عدم القدرة على اتخاذ المواقف بما يتناسب وحجم الخطورة التي تفرزها المشكلات السياسية او سواها، في هذا الجانب الحياتي العملي او ذاك.

وكما تكون الطفولة عاجزة عن اتخاذ المواقف الصائب ازاء الحياة، بسبب عجز الطفولة عن امتلاك القدرة في هذا المجال، فإن الامر نفسه ينطبق على الطفولة السياسية، التي ستشكل عجزا لدى السياسيين وتمنعهم من اتخاذ الموقف المناسب في هذا المجال او ذاك.

من هنا يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (ممارسة التغيير)، في هذا المجال على أن: (الطفولة السياسية تمنع الإنسان من التقدم في البعد الذي يريده، ولا يلتف الناس حوله وحيث لا يتمكن هو من التقدم لا يتمكن من تقديم الأمة إلى الأمام). وأمر طبيعي ان الانسان عندما يفشل في تقدير البعد المناسب لهذا الامر او ذاك، فإنه لن يكون محط ثقة الناس، لهذا لا يمكن ان يلتف الناس حول سياسي غير ناضج، وغير قادر على اتخاذ القرار الذي يناسب حجم الهدف ومخاطره.

لذلك تؤدي الطفولة السياسية الى فقدان حسن التقدير، وعدم معرفة حجم المواقف وتقدير مدى خطورتها، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي عندما يقول أن السياسي المتطفل او المكبّل بالطفولة السياسية سوف يلجأ الى: (استعمال المدفع لقتل جرادة كما يفعله كثير من السياسيين المتطفلين، والوقوع في المهاترات حسب إرادة الخصم أو الجاهل أو الحسود، وكذلك الاهتمام بالصغائر، والغفلة عن الكبائر). من هنا على السياسيين أن يتجنبوا مظاهر ومخاطر الطفولة السياسية بسبب الاضرار التي تلحقها بالفرد والمجتمع وتؤدي الى تأخره أكثر فأكثر.

كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه نفسه حول هذا الجانب: (من الضروري على ممارسي التغيير تجنب الطفولة السياسية لأنها توجب تأخر الإنسان).

من مظاهر الطفولة السياسية:

هناك مظاهر غالبا ما تكون واضحة للعيان، تلتصق بالسياسي الذي يعاني من الطفولة السياسية، وهذه المظاهر تظهر في معظم الانشطة التي يؤديها السياسي غير الناضج، فتعود اضرارها على الناس، وتلحق بهم خسائر تزيد من شقائهم في الحياة، وهي في الغالب تحصل بسبب نقص الخبرة للسياسي الذي يملك القرار ويتخذه من دون تحصيله للنضوج السياسي الذي يؤهله لاتخاذ قرارات تهم حياة المجتمع، لذلك هناك مظاهر تنصهر في شخصية السياسي غير الناضج وغير القادر على تقدير حجم المخاطر.

وقد اكد الامام الشيرازي على جملة من هذه المظاهر في كتابه (ممارسة التغيير) إذ نقرأ في هذا المجال أن: (الاشتغال بالتوافه والجانبيات، والاستهانة بالناس بمختلف أقسامها، وعدم احترام الناس بما يليق بهم، والانغلاق وعدم الانفتاح على الناس والجماعات الأخرى). تشكل جانبا مهماً من شخصية السياسي المكبّل بالطفولة السياسية.

ومن هذه المظاهر أيضا كما يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه، حالة التكبر التي تعد من مظاهر الطفولة السياسية إذ: (يتصور الإنسان نفسه فوق الآخرين ذاتاً أو عملاً أو فكراً، فيشعر بالمباهاة والتفكير بأنه أتى بما لم يأت به غيره، أو المباهاة بأن زعيمه أتى بما لم يأت به غيره من الزعماء). هكذا يمكن ان تخدع الطفولة السياسية السياسيين المسؤولين والقائمين على حياة الناس، إذ يشعر السياسي بأنه متفوق على سواه وانه وزعيمه قد قدّما للامة ما لم يقدمه لها آخرون من القادة السياسيين، لكن الواقع القائم على الارض يقول غير ذلك ويكشف حجم هؤلاء الساسة المطوّقين بمظاهر الطفولة السياسية.

كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي عن مظاهر الطفولة السياسية التي يؤكد سماحته على انها تكمن في : (الغرور. والكبر. والاستبداد. وتصور أن العمل يثمر فوراً. وعدم الحزم. وعدم تقدير الأمور حق قدرها). وبهذا تتضح لنا بصورة لا تقبل الشك، شخصية السياسي وكأنها مصابة بالعجز الفكري والضمور العقلي بسبب عدم نضوجها، وهذا ما يفسر عدم قدرة هؤلاء السياسة على اتخاذ القرارات، والخطوات المناسبة لمصالح الامة والافراد في وقت واحد.

والسبب كما هو واضح للجميع، أن الطفولة السياسية تفرض مظاهرها على بعض الساسة بسبب عدم نضوجهم، وعدم قدرتهم على ادارة الدولة بالصورة التي تؤكد حنكتهم وكفاءتهم العقلية والخبروية في المجال السياسي والاداري أيضا.

مخاطر غير محسوبة

ومثلما لا يفهم السياسي المصاب بالطفولة السياسية في اتخاذ القرارات والمواقف، فإنه لا يتمكن من تقدير المخاطر التي تتسبب بها عدم حنكته، واخطائه في اتخاذ الخطوات والقرارات، فمثلا لا يتمكن هذا النوع من السياسة من استقراء او توقّع ما ينعكس عن قراراتهم من مخاطر وخسائر يتم إلحاقها بالدولة والمجتمع، ولذلك غالبا ما يتعامل هؤلاء مع اعدائهم باسلوب اللامبالاة وعد تقدير المخاطر بصورة صحيح.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: يتسم الساسة المصابين بالطفولة السياسية بـ : (عدم الاهتمام بتكوّن الأعداء، فإن من طبيعة الرجال الكبار – في السلطة- أن يتكون لهم الأعداء بسرعة، بسبب أمور تافهة ثم ينموا العدو فيقف سداً دون المآرب الكبيرة). وهكذا يكون السياسي عاملا مساعدا لتعويق البناء وتحقيق الاهداف الكبيرة الدولة، كونه يُسهم في صناعة الاعداء بدلا من الاصدقاء له ولدولته.

ومن صفات وسمات هؤلاء الساسة كما نقرأ ذلك في كتاب الامام الشيرازي نفسه: (التبختر واستعراض العضلات. وكذلك التسرع في إفشاء الانتصار أو الانكسار، وكلاً من الأمرين يوجب مشكلات للإنسان). وامر طبيعي ان تكون سمة التسرع حاضرة في شخصية مثل هؤلاء الساسة بسبب خضوعهم للطفولة السياسية ومخاطرها.

وهكذا تؤدي الطفولة السياسية الى مخاطر جمة، جلّها ينعكس على شخصية السياسي، وعلى قراراته التي غالبا ما تكون غير مناسبة، ولا تصب في صالح بناء الدولة والمجتمع، وغالبا ما تقود الطفولة السياسية كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي.. الى: (إبقاء العداوات وإنماؤها. وإضاعة الصداقات وتضييع الأصدقاء. ودنوّ الهمة وضيق الأفق. وتتبع عثرات الناس). وينتج عن هذا بطبيعة الحال مخاطر كبيرة تلحق اذى كبيرا بالدولة والمجتمع في الوقت نفسه.

لسبب بسيط ان هؤلاء الساسة غير قادرين على التحلي بالشخصية المتوازنة المحنكة القادرة على اتخاذ القرارات والخطوات التي تصب في صالح الدولة، بعد تحسين الصداقات والعلاقات مع الدول الاخرى، بدلا من اختلاق وصنع العداوات غير المبررة، فتكون عاملا مساعدا على تأخر الدولة بدلا من تقدمها.

 

اضف تعليق