في يوم السبت الموافق 25/7/2015 وبمناسبة الذكرى السنوية لرحيل المجدد الثاني الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي قدم مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في كربلاء المقدسة ورقة في ملتقى النبأ الأسبوعي، تحت شعار "علمائنا هداتنا الى الحق والصلاح " وقد ادار الملتقى الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير المركز وبحضور عدد من الأكاديميين والباحثين وناشطي مؤسسات المجتمع المدني، وقدم الدكتور العرداوي ورقة بحثية حملت عنوان ((إصلاح المجتمع العراقي في ضوء الفكر الاجتماعي للسيد الشيرازي)) تضمنت عددا من المحاور وجاء فيها:
ان المخاض العسير الذي يمر به المجتمع العراقي والناجم عن الصدمات الاجتماعية والنفسية التي سببها الإرهاب بأشكاله المختلفة، والفشل الإداري والاقتصادي، والغياب الواضح لمنظومة العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والنفوذ والفرص بين الناس جعله يعاني من القلق والضبابية حول المستقبل والصراع الداخلي، وعرضت الورقة لأفكار وأراء تركها الفقيه المجدد محمد الحسيني الشيرازي تخص الشأن الاجتماعي منها: أن الاجتماع البشري يشتمل على الأخلاق الاجتماعية، والآداب الاجتماعية، والمواثيق الاجتماعية، والقوانين الاجتماعية والشعائر الاجتماعية. والاجتماع ليس حالة طارئة عند السيد المجدد الشيرازي فهو يرى أن الإنسان خلق اجتماعيا بالطبع لا لحاجة جسدية فقط بل لحاجته النفسية، كما أن قوى الاجتماع تزيد نفع الإنسان وسعادته والإنسان في ظل الحضارة الاجتماعية أكثر عمراً واصح جسدا وأكثر أولادا وأجمل جسما وابعد عن المنازعات والفوضى والاضطراب والعكس بالعكس. أيضا قوة الاجتماع عند السيد المجدد الشيرازي تنتج عن حالة الرضا الاجتماعي التي تشعر جميع أفراده بالسلام الداخلي والحرية المحترمة لذا يقول السيد المجدد: أن الأنظمة التي تفرض السلام بالقوة اذا لم تنجح في خلق حالة الرضا الاجتماعي فأنها لن تستمر طويلا. وان الإنسان عنده اذا لم يصرف فطرته الخلاقة في البناء، فلابد أن يصرفها في الهدم سواء في هدم نفسه أو مجتمعه.
وبعد انتهاء الدكتور العرداوي من إكمال طرح هذه الورقة البحثية وما ورد فيها من اراء من التراث الفكري الاجتماعي للسيد المجدد الشيرازي طرح ثلاث أسئلة على الحاضرين لتكون محلا للنقاش والتحاور وتبادل الأفكار والآراء حولها ولغرض النفع والمصلحة العامة وخصوصا مقاربة المجتمع العراقي وما يدور فيه من مشاكل اجتماعية ومقارنتها بما ذكره السيد المجدد الشيرازي والأسئلة هي:
1- هل يعيش المجتمع العراقي اليوم مرحلة التردي الحضاري وكيف؟
2- هل السبب في غياب الرضا الاجتماعي غياب القانون الصالح ام غياب القيادة الصالحة؟
3- ما هي متطلبات اصلاح المجتمع العراقي ليكون فاعلاً في البناء لا الهدم لينتج حضارة متقدمة؟
المداخلات والنقاشات التي دارت حول الورقة البحثية:
الإجابة والمداخلات على السؤال الأول / هل يعيش المجتمع العراقي حالة التردي الحضاري؟
الشيخ مرتضى معاش تطرق إلى حاجة المجتمع لفلسفة اجتماعية وسياسية واقتصادية تجمعه، من اجل الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع المدني فالضياع في مرحلة الانتقال عند المجتمع العراقي لعدم وجود الفلسفة الاجتماعية الممكنة للانتقال السليم، ادخل المجتمع العراقي في افرازات سلبية كثيرة ولم يخلق الايجابيات المطلوبة للتطور بل أصبح أكثر عزلة وأكثر تصادما واكثر هشاشة.
باسم عبد عون فاضل باحث في مركز الفرات: يرى أن واقع المجتمع العراقي واقع متردي ومقومات الحضارة كثيرة منها النضج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والفلسفي وكل هذه تعاني من الإرباك في العراق، والمجتمع العراقي يحمل صفة التعددية القومية والدينية والمذهبية وكل هذا التنوع يخلق ثقافات متعددة وحياة اجتماعية تختلف حسب هذا الاختلافات.
حيدر مرتضى كاتب وأعلامي: يرى أن التردي سببه النظم الاجتماعية السائدة ومنها نظام القبيلة ومن ثم العشيرة ونظام العوائل ولم يوجد نظام الفرد كما هو في العالم المتقدم ويرى أن نظام القبيلة والعشيرة ليس صالح للعصر ولمواكبة التطور ومشكلة النظام الاجتماعي الحضاري يتحسس من التطور من تلك النظم ولابد من رفع القداسة عن مفهوم نظام القبيلة.
احمد المسعودي باحث في مركز الفرات: تطرق إلى كتاب "السبيل إلى إنهاض المسلمين" للسيد للمجدد الشيرازي فتقسيم المجتمعات وفق رؤية السيد الشيرازي تكون على أربع أبواب وهي المجتمع الناقص والمجتمع المتناقض الكلاسيكي والمجتمع السائر نحو الكمال بأسس ثابتة والمجتمع السائر للكمال بدون أسس ثابتة، وإن المجتمع السائر نحو الكمال بأسس ثابتة هو المجتمع القادر على الإنتاج الحضاري فإذا أسقطنا هذه الفرضيات وعلى سبيل التجربة على المجتمع العراقي نجد أن المجتمع العراقي يسير نحو الكمال لكن بأسس غير ثابتة وتارة تجد المجتمع متناقض وأخرى تجده ناقص وبالنتيجة أن المجتمع العراقي غير مؤهل للإنتاج الحضاري لأن الأسس السائر فيها غير ثابتة.
الدكتور علاء الحسيني من جامعة كربلاء كلية القانون: في مداخلته ركز على الجانب القانوني وهو أن القانون العراقي يعاني من خلل كبير في مصادره التي استند عليها وعدة من مصادر تشريعاته ومنها اعتماده على مدرسة فكرية ومذهبية واحدة دون أخرى وهي المذهب الإسلامي الحنفي في حين أن غالبية المجتمع العراقي على المذهب الشيعي وأكد على الكثير من العادات السيئة التي أخذت في الانتشار في الآونة الأخيرة وهي بحاجة إلى تشريعات تتناسب وحجمها ومنها حالة الفساد الإداري والمالي.
الدكتور قحطان الحسيني من جامعة بابل والباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية في مداخلته تطرق إلى تأريخ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة والتي ابتدأت منذ عام 1920 م والى يومنا هذا تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فهو يعاني وعانى الكثير من الأزمات والتي سببت الكثير من المآسي لهذا المجتمع وعلى مدى تلك الفترة لتأريخه.
الأستاذ احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات: عرف الحضارة باعتبارها نظام اجتماعي يعين الإنسان على انتاج الثقافة ويبدأ حين ينتهي الاضطراب والخوف من خلال الشعور بالأمان والقدرة على الابتكار وهذين العاملين غير موجودين في المجتمع العراقي.
الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية في مداخلته يرى، أن هنالك علامات للتردي الحضاري في المجتمع العراقي وفسر ذلك وبضرورة الرجوع الى الرسالة الإسلامية السمحاء المتمثلة في رسول الله عليه الصلاة والسلام وأهل البيت من بعده عليهم السلام فعلى المجتمع الاستفادة من تلك من تلك الكنوز الإلهية التي تركها للأمة ومنها المجتمع العراقي.
الأستاذ حيدر الجراح مدير مركز الأمام الشيرازي للدراسات والبحوث: تطرق إلى التردي الثقافي وان التردي الحضاري من منظوره هو تردي ثقافي وان الحضارة لا يمكن قياسها بفترة زمنية محددة وإنما بعدة قرون طويلة من اجل استيعابها والحضارة الغربية هي تراكم من الديمقراطية الاثنية الى الوقت الحاضر.
المداخلات والإجابات حول السؤال الثاني والثالث: -
هل السبب في غياب الرضا الاجتماعي غياب القانون الصالح أم غياب القيادة الصالحة؟
ما هي متطلبات اصلاح المجتمع العراقي ليكون فاعلاً في البناء لا الهدم لينتج حضارة متقدمة؟
الشيخ مرتضى معاش: القانون يمكن تطبيقه فقط عند وجود قيادة صالحة ونظام سياسي صالح ولابد من أن يكون هنالك تكامل بين الجانبين القيادة والنظام الصالح فمثلاً الغرب أنتج نظام سياسي صالح على الرغم من عدم وجود وامتلاكه لنظام اجتماعي صالح.
الإعلامي حيدر مرتضى: القانون عامل مستقل وفي العراق يوجد تنازع بين رجالات الدولة والقبيلة وهذا ما يفسر لنا ضعف القانون والإنسان دائما لديه نزعة أن يكون طاغية ومن يحد من هذه النزعة هو القانون.
الدكتور علاء الحسيني: القانون اذا ما قسمناه إلى صالح وغير صالح فالصالح هو القانون الإلهي، الدولة العراقية منذ تأسيسها في العصر الحديث تارةً تلتزم بالشريعة كمصدر لها وأخرى تبتعد عنها مثلاً قانون الأحوال الشخصية نجده يبتعد كثيراً عن جوهر الشريعة الإسلامية.
باسم عبد عون فاضل: القانون في العراق وفي باقي الدول الإسلامية وفي الأغلب يتسم بالازدواجية كونه يأخذ الإطار الإسلامي والشريعة الإسلامية في الشكل وفي المضمون يحمل أبواب ومواد بعيدة عن الشريعة الإسلامية وهي أبواب تعتمد على النظم الغربية من ديمقراطية وغيرها، أيضا القيادة الصالحة المجتمع العراقي اثبت انه غير قادر على انتاج قيادة صالحة وهذا يرجع إلى قلة الوعي والإدراك لدى الفرد وهنا الحاجة ماسة تكون لتعميق ثقافة الفرد وتحمل مسؤولياته في اختيار القيادة الصالحة.
الدكتور قحطان الحسيني: المجتمع العراقي غير قادر على انتاج قيادة صالحة وان القانون الإسلامي هو الأصلح لكنه مركون على الرفوف في التطبيقات الإدارية والدستورية والقيادية. وان المجتمع يعاني من التمييز والانتقائية في تنفيذ القانون من قبل القيادة السياسية في البلد وان قضية القيادة الصالحة والقانون الصالح هي تكامل ادوار.
الأستاذ علي الطالقاني مدير ادارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، أكد أن هنالك نصف مليون مسألة فقهية وعقائدية وغيرها في الشريعة الإسلامية كافية لإنتاج قانون صالح وقيادة صالحة ولم تكن هنالك حاجة للقوانين الوضعية ان طبقت هذه المسائل وهي تصلح لكل الطوائف في المجتمع العراقي وكفيلة بنهوض المجتمع وتطوره.
الإعلامي حيدر الاجودي يرى أن الأزمات التي يعيشها مجتمعنا اليوم تعود في أبرز أسبابها إلى عدم تطبيق القانون بصورة صحيحة وهذا ما يميز مجتمعاتنا عن غيرها في الغرب.
وفي نهاية المداخلات من قبل الحضور ختم الدكتور العرداوي الملتقى بتأكيده إن الأفكار التي طرحت في اطار الفكر الاجتماعي للسيد الشيرازي والذي يدل على أن هذا الفكر غني في تراثه وتطبيقاته، وان المجتمع بحاجة إلى دراسات في الجانب الاجتماعي وفي الجانب السياسي لفكر السيد الشيرازي ونحتاج أن تتكامل هذه الدراسات مع بعض أفكار المراجع مثل السيد محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر وتحتاج ايضا إلى التلاقي مع مرجعية السيد السيستاني في بناء الدولة العراقية وطالما ان هذه الخطوط المرجعية تعمل لبناء الدولة العراقية فهي بحاجة إلى الالتقاء والانسجام.
اضف تعليق