q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

عشت في كربلاء..

حمل اشتياقه اللاحب على ظهره ومضى

الاحتفاء بالمكان من خلال تدوين سيرته قبل افلاتها او اضمحلالها من الذاكرة، نوع من الكتابة الادبية تعتمد في درجة كبيرة على تجارب إنسانية لأناس عايشوا المكان وسبروا أعماقه، عاشوا فيه وتعايشوا معه، وهو من هذه الناحية يختلف عن ادب الرحلات المشهور.

وهناك اختلاف جوهري اخر هو امتزاج التجارب الانسانية التي نقرأها في مثل هذا النوع بروح المكان، الذي لا يسجله ادب الرحلات العابر.

ويعد المكان هو (الحيز/المحتوى الذي يعيش الإنسان في فضاءاته المترامية سواء أصغرت أم كبرت، لأنه يشكل الكيان المحدود الأركان ظاهريا، والمترامي الأطراف افتراضا وتقديرا، فهو جزء من ملامح حركة الوجود وتشظياته المتعددة، وهو ذو علاقة مباشرة وحميمة بسيرة الإنسان ومشاعره وهواجس وجدانه، وتفجرات عواطفه الكامنة في الأعماق لأنه جزء من حالة وجودية وجغرافية غير محدودة بالمعتدات والحواجز) بريد المسافات/د.قيس كاظم الجنابي/مجلة النبأ/العدد 77/حزيران 2004

والمكان هو بجميع تمثلاته وتفاصيله (فالبيت له امتداداته الجسدية والنفسية، والمدرسة لها مؤشراتها الآنية القريبة وغير الآنية في عالم الشخصية البعيد، والشارع له امتداده الكياني الذي يستحضر أجواء الطفولة والصبا، والمقهى كحيز مكاني له آثاره الاجتماعية والنفسية والثقافية والسياسية، مما يجعل المكان جزءا لا يتجزأ من رؤية شمولية واسعة الآفاق، فإذا كانت المدينة تشمل كل هذه الفضاءات فإنها بالتالي تعتبر حقيقة مهيمنة على الإنسان في كل سكناته حركاته). نفس المصدر.

عشت في كربلاء، كتاب عن سيرة مدينة كتبه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) حين هاجر الى الكويت مرغما يتجرع مرارة فراق تلك المدينة التي صاغت وجدانه وروحه، وهي التي تحتضن مرقد الامام الحسين واخيه العباس (عليهما السلام).

الكتاب سيرة لهذه المدينة التي حمل اشتياقه اللاحب اليها على ظهره، وكان كله امل ان يعود اليها مرة اخرى من منفاه ، لكنه ترجل ومضى وبقي حلم العودة غصة بثها في الكثير من كتبه ومحاضراتها.

كيف رأى الامام الراحل مدينته التي احتضنته خمسة وثلاثين عاماً؟

انه وعلى لسانه في الكتاب: (لم أر فيها إلا الخير والسعادة والتقدم، ولم ألمس من أهاليها إلا الإشفاق، والطيب والنزاهة. رأيت في كربلاء المقدسة كل خير ورفاء، أما الاضطهاد فقد زاد تجاربي، وعلمني طرق الخير أكثر فأكثر، وشحذ ذهني وقوى عزيمتي).

وكان الداعي الى تأليفه لهذا الكتاب، هو تسجيل ما رأى، لهذا عنون الفصل (هكذا رأيت المدينة) وهي ليست الرؤية البصرية تحديدا، بل رؤية الوعي والبصيرة النافذة، (ما رأيت فيها وما عملت، وما أنا بانتظار أن تتقدم المدينة إليه من الغايات، ـ وبعبارة أخرى كيف تركت كربلاء المقدسة، وهي إلى أين؟).

رغم المرارات التي عاشها في تلك المدينة، والذي عبر عنه بالاضطهاد، الا انه تجنب على حد تعبيره (الزوايا الحادة)، حتى لا يسيء إلى أحد حسب المقدور.

ولان الوعي والبصيرة هي التي حكمت رؤيته لهذه المدينة، فانها كانت حاكمة ايضا على تحديد مهمته ووظيفته التي اختار العمل عليها وجعلها محور حياته، ماكان منها في كربلاء، او ما يجيء بعدها في بلدان اختارها لمنفاه وهجرته عن الحضن الذي نشأ فيه.

فمهمته تهدف بالدرجة الاساس الى (ترويج الإسلام، وتعريف الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين إلى الذين لا يعرفونهم، وخدمة البلاد الإسلامية، وبالأخص خدمة كربلاء المقدسة، باعتبارها مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الأطهار).

وهو في مهمته تلك كان قد حدد له ثلاثة مرتكزات ينطلق منها وهي تحري (الحقيقة) و(الصبر) و(الرفق)، ويصف طريقته تلك بقوله: وأما طريقتي فيوجزها المثل القائل: (ينتظرون منك كل شيء، ولا تنتظر من أحد شيئاً) و(يقولون فيك كل سوء ولا تقل في أحد سوءاً) ولعل المفتاح الرئيسي لنجاحي في تلك المهمة، إن صح أني كنت ناجحاً، هو مواقعي وطريقتي.

في كتابه يعود الى تلك السن المبكرة، سن الطفولة حين اصبح تلميذا في مدارسها الدينية بعد هجرته اليها من النجف الاشرف، بصحبة والده (رحمه الله) بطلب من آية الله المجاهد الحاج أقا حسين الطباطبائي القمي (رحمه الله)، حيث اودعه ابيه تلميذاً عند المرحوم الشيخ علي أكبر النائيني (رحمه الله) الذي كان معلماً للأطفال وكتاباً من الكتاتيب، وكان كتابه في الجنوب الشرقي من الصحن المقدس للإمام الحسين (عليه السلام)، ويصف معلمه الاول بقوله: ( كان (ر ه) مثالاً للتقوى والفضيلة، والتربية الإسلامية الصحيحة، وإني أدين له بمعلوماتي الأولية (بدءاً من الأبجدية وانتهاءاً إلى الأمثلة) الذي هو المدخل الرسمي للعلوم الدينية التي يمارسها طلاب العلوم الدينية).

وهو لاعترافه الاول بفضله معلمه، يدين اليه بفضل ثان حيث كان هذا المعلم خطاطا متفوقا (فأدين له ثانية بجودة خطي الذي ربما يعد جيداً).

ثم يتحدث في كتابه عن شهور وسنوات الدراسة الطويلة في مدارس كربلاء الدينية، فيوثق اسماءها واعلامها والمواد التي درسها، واللغات التي تعلمها لأغراض الدراسة والتحصيل، لكنه يشير الى نسيانه ماتعلمه من لغات بسبب (عدم الممارسة والمشاكل التي أناخت علي بكلاكلها أنستني أكثر الكلمات من اللغات الثلاث وهي الانكليزية والاردية والتركية،، فلا أحفظ الآن منها إلا شيئاً قليلاً).

يستذكر الامام الشيرازي في سيرة مدينته التي كتبها، غير دراسته واساتذته الكثير من اوجه نشاطاتها وفعالياتها، حيث المجالس الحسينية المتعددة والعامرة، والزيارات المتواصلة اليها على مدار العام، ويتحدث عن اممية المدينة وعالميتها بسبب كثرة الجنسيات والاعراق التي تتواجد فيها للزيارة او التجارة او الاقامة او الدراسة، ويصفها بالمدينة الملجأ لهذه الجنسيات والاعراق.

ويتحدث ايضا عن الحوزة العلمية وعن تاريخها الطويل والوضاء، وهي ايضا مدينة الخطباء والهيئات، وغير ذلك مما سجله في سيرة تلك المدينة التي بقي يحن اليها باستمرار ويشتاق الى زيارتها كل حين.

اضف تعليق


التعليقات

أيمن صادق
بغداد
يكز هذا المقال على خصوصية الامام الشيرازي مع المكان متمثلا بأرض كربلاء المقدسة، وقد تطرق الكاتب الى هذه العلاقة من ناحية تاريخية وليست فكرية، كان المقال يكون اكثر غنى لو تناول العلاقة بين الامام وكربلاء من كل جوانبها، تحياتي للكاتب2015-07-22