يحتفل اليمنيون في الجمعة الأولى من شهر رجب بدخول أجدادهم في الإسلام طواعية، عكس بقية شعوب الجزيرة العربية وما جاورها. والاحتفال بالجمعة الأولى من شهر رجب ليس وليد اللحظة بل هو من الأعياد الدينية المقدسة لدى اليمنيين منذ قرون عديدة، ولهذا اليوم مكانة عظيمة لديهم لأنه من...
يحتفل اليمنيون في الجمعة الأولى من شهر رجب بدخول أجدادهم في الإسلام طواعية، عكس بقية شعوب الجزيرة العربية وما جاورها.
والاحتفال بالجمعة الأولى من شهر رجب ليس وليد اللحظة بل هو من الأعياد الدينية المقدسة لدى اليمنيين منذ قرون عديدة، ولهذا اليوم مكانة عظيمة لديهم لأنه من الأعياد الخاصة بهم دون سائر الأمم، عكس عيد الأضحى وعيد الفطر، يحيونه حمداً وشكراً لله على نعمة الإسلام.
إنه يومٌ من أيام الله المباركة، اعتاد اليمنيين كابر عن كابر تعظيمه وإظهار كل مباهج الفرح والسرور فيه، وهو لا يقل أهمية ومكانة وقداسة في حياتهم عن أعياد الفطر والأضحى والغدير والهجرة والمولد النبوي الشريف والإسراء، يحيونه بالحمد والشكر لله على ما إمتنّ به على أجدادهم من نعمة اعتناق دين الرحمة المهداة، والإيمان برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل الطيبين الطاهرين، طواعية، بلا جدال ولا مماراة ولا خوف، بل حُباً وعِشقاً للحق وأربابه.
تُرافق مباهج الاحتفال بجمعة رجب طقوس متوارثة منذ مئات السنين، ففي السنة التاسعة للهجرة دخل الإسلام إلى اليمن، وتحديدا في أول جمعة من شهر رجب حينما وصل الصحابي الجليل مُعاذ بن جبل إلى منطقة الجَنَد بمحافظة تعز، ليبني أول جامع حيث وقفت ناقته، ويدعو الناس إلى الدين الجديد، فدخل اليمنيون في دين الله أفواجاً، ولا زالت الصوفية تحتفل بهذه الذكرى العظيمة في ذات المكان والزمان الى يومنا، يخرج الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً إلى جامع الجند، يستمعون الخطب والأناشيد والمدائح النبوية التي تقام على هامش الذكرى، ويمكثون أياماً يعيشون خلالها أجواء الإسلام وتاريخ الإسلام في اليمن.
مشروعية الاحتفال بعيد رجب:
تعمل الجماعات التكفيرية بكل ما أوتيت من قوة على محاربة كل ما يذكر الناس بدينهم ونبيهم، بدعاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وتفسيق وتكفير وتبديع المحتفلين من المؤمنين والموحدين بميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو هجرته أو ذكرى الإسراء أو عيد الغدير أو عيد الجمعة الأولى من شهر رجب،..، دون أن يكون لديهم أي دليل عقلي أو منطقي أو نصي مقنع، بل مجرد أهواء تُتبع، ونزوات تُبتدع، وعصبيات جاهلية تُخترع، خدمة لأولياء نعمتهم من الملوك والسلاطين.
والسؤال هنا: ما هي المحرمات التي يقترفها المحتفلون بذكرى عيد رجب الأصب على سبيل المثال كي يستشيطوا غضباً؟، قد ربما هي مظاهر البهجة والشكر بما تكرّم الله به على أباء اليمنيين من نعمة الإسلام، وسجود خير الأنام شكراً لإسلامهم، وقد ربما يكون تذكر ما كان عليه جيل الفاتحين من الأنصار والمهاجرين من تفاني في خدمة ونشر الدين الخاتم، وقد ربما ما يرافق ابتهاج اليمنيين بدخول أجدادهم الاسلام وما يصاحب ذلك من فعاليات تُذَكِرُ الأحفاد بهويتهم الإيمانية، وقد ربما يكون ما سبق من الكبائر الموجبة لغضب وسخط الجبار.
يقول الله سبحانه وتعالى "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" وأي شيء أعظم وأحق بالاحتفاء من دخول الأجداد في دين الله سلمياً، عن يقين واقتناع، لا خوفاً من حد السيف كما هو حال الطلقاء.
ولهذا لا غرابة أن نجد اليمنيين في مقدمة الفاتحين، وعلى أكتافهم قامة دعائم الدين، بينما تحول الطلقاء الى معول هدم للإسلام، وسهم غائر في خاصرة المسلمين على مر العصور والأزمان.
يقول العلامة "عدنان الجنيد": ان إحياء ليلة جمعة رجب والاحتفال بيومها داخلة في عموم قوله تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"، وقوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون".
الآية الأولى تشير إلى أن تعظيم شعائر الله تُعَدُ من التقوى، والشعائر هي معالم الدين - كما قال المفسرون - وإذا كانت مناسك الحج تُسمى بالشعائر، فإنما لكونها علامات للتوحيد والدين الحنيف، وكل ما هو شعيرة لدين الله فإن تعظيمه مما يُقرِّب إلى الله، ولاشك بأن مسجد الجند بتعز ومسجد الأشاعرة بزبيد والجامع الكبير بصنعاء، الذين أشرق نور الإسلام منهم، من أبرز علامات دين الله تعالى، وتخليد هذه المناسبة فيهم مما يقرب إلى الله تعالى.
والآية الثانية تأمرنا بأن نفرح بفضل الله وبرحمته المهداة، فقد تفضل الله علينا بالإسلام ورحمنا بنبيه عليه وآله الصلاة والسلام، فأخرجنا من الجهالة الجهلاء إلى الأنوار واللألاء، فيحقُ لجميع اليمنيين أن يفرحوا بيوم جمعة رجب ويُقيموا في تلك المساجد الاحتفالات الدينية والمحاضرات المحمدية، ويربوا أجيالهم على ذلك حتى يعرفوا عظمة ما هنالك.
ويؤكد العلامة "حسين أحمد السراجي" أن الاحتفاء بهذه المناسبة، وجعلها عيداً، فيه ذكرٌ وحمدٌ وثناءٌ وصلة أرحام وتفقد للفقراء والبائسين.
والإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمرٌ عظيم، وسنةٌ حسنة دعانا إليها العلي العظيم في محكم تنزيله ونبيه الهادي في صحيح مسنونه.
يقول الله في محكم التنزيل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من سَنّ في الإسلام سُنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء".
فهل هناك أعظم من الابتهاج بالهداية والتوحيد المتضمن حمد الله وشكره والثناء عليه وصلة الأرحام والتوسعة على المحتاجين والصلاة على الهادي وآله؟.
بل إن كل واحدة من هذه الخصال تُعدُ مشروعاً خيرياً متكاملاً يُعتبر من صميم روح الإسلام وجوهر دعوته.
إسلام أهل اليمن:
أجمع المؤرخون على أن السواد الأعظم من اليمنيين أسلموا خلال الفترة 6-10 هـ، على دفعات، فُرادا وجماعات.
فبعد انصراف رسول صلى الله عليه وآله وسلم من الحديبية في ذي الحجة 6 هـ، وجه رسله ورسائله الى مختلف ملوك وأمراء الدول والأقطار المعاصرة، وقبائل العرب في شمال وجنوب الجزيرة العربية، بما فيها قبائل اليمن، يدعوهم فيها الى الإسلام، ووصل أول مبعوثٍ له الى اليمن في محرم 7 هـ، وكان اليمنيون قد تعرفوا على الإسلام من خلال قوافل التجارة، ولذا سبق العديد منهم الى الإسلام، قبل بعث الرسول رسله الى الملوك ورؤساء العشائر.
ووجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أول رسالة الى رؤساء قبيلة حمير، وكانت لها اليد الضاربة في اليمن، فأرسل المهاجر بن أمية المخزومي الى أبناء "عبدكلال الحميري"، النعمان والحارث ونعيم ومروح وعريب، وهم أقيال رعين، ومعافر وهمدان.
كما أرسل صلى الله عليه وآله وسلم الى أساقفة نجران، وبني معاوية من كندة في حضرموت، وبني ربيعة بن ذي المراحب، من حمير بحضرموت،..، ألخ.
فتقاطرت القبائل من أنحاء الجزيرة العربية لمبايعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، على الدخول في الإسلام والسمع والطاعة، وكلما أسلم فوجٌ أرسل معهم من يعلمهم أمور دينهم، وينظم شؤن دنياهم، وكانت وفود اليمن أكثرها عدداً، بتعدد قبائلها.
وتُجمِع المصادر التاريخية أن أهل اليمن أسلموا كافةً في عهد رسول الله عكس الأقوام الأخرى، فمنهم من أسلم والرسول في مكة المكرمة كما هو حال عمار بن ياسر بن عامر العنسي المذحجي وأمه وأبيه، ومنهم من أسلم بعد هجرة الرسول الى المدينة وقبل فتح مكة المكرمة كما هو حال الأوس والخزرج والأزد، وغالبيتهم أعلن إسلامه في عام الوفود.
وبالمجمل يمكن تقسيم اسلام اليمنيين من حيث المكان، الى نوعين:
1 – فئة ذهبت الى رسول الله وأعلنت إسلامها بحضرته الشريفة.
2 – فئة أسلمت في اليمن دون أن تهاجر الى رسول الله ودون أن تتشرف برؤيته.
وكانت همدان ودوس أول القبائل اليمنية اسلاماً والرسول لا يزال في مكة المكرمة، تبعتهم بطون كثيرة من سعد العشيرة ومذحج والأشاعرة بتهامة،..، وبعد هجرة الرسول الى المدينة وتحديداً عقب عودته من غزوة تبوك قَدِمَ الى المدينة وفدٌ كبيرٌ من همدان، يتقدمهم أقيال ووجهاء وأعيان القوم من خارف ويام وشاكر وغيرها، وكان قدومهم بعد عودة رسول الله من غزوة تبوك.
يروي البيهقي في الدلائل، وابن القيم في زاد المعاد وغيرهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فبعث علياً عليه السلام وكنا فيمن عقّب على علي، ثم صفنا صفاً واحداً، وتقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلمت همدان جميعاً في يوم واحد، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامهم، فلما قرأ صلى الله عليه وآله وسلم الكتاب خرّ ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان - كررها ثلاثاً - ثم قال : "نعم الحي همدان.. ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد، منهم أبدال – أولياء - وفيهم أوتاد – رؤساء – الإسلام".
وكان بعث النبي للإمام علي عليه السلام الى همدان في رمضان من السنة العاشرة للهجرة.
قال العلامة "محمد بن علي الاهدل": يكفي اليمن شرفاً أن يسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم شكراً لله تعالى على إسلام أهله، دلّ مصدره ببرهان ساطع على سعة مداركهم وسلامة عقولهم ومعرفتهم الحق الواضح، وتمييزه عن الباطل، فكانوا أسرع الأمم انقياداً الى الدين الإسلامي، والإيمان به، بدون احتياج الى حرب أو مناقشات جدلية، وإنما عرفوا الحق فأذعنوا له، وسلموا اليه طائعين.
وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن همدان يُعد دليلاً واضحاً على ما هو واقع ويجري في عصرنا الحاضر "وما اصبرها على الجهد"، إذ لا يوجد شعبٌ من شعوب الأرض قد صبر هذا الصبر الذي صبره الشعب اليمني، رغم الحصار الجوي والبحري والبري من قبل تحالف عدوان العاصفة من أحفاد الطلقاء، للعام السادس على التوالي.
ومن لطيف ما يرويه إبن جرير في تفسيره لقوله تعالى: "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا"، عن "عبدالله بن عباس" رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله بالمدينة، إذ قال: "الله أكبر الله أكبر، جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن".
قيل يا رسول الله: وما أهل اليمن.
قال: "قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان والحكمة يمانية".
وأرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العديد من الصحابة الى اليمن لإرشاد اليمنيين وتعليمهم أمور دينهم وبسط سيادة الدولة الإسلامية، أهمهم: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، والصحابي الجليل معاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري.
ومن طريف ما يرويه المؤرخ اليمني "محمد بن يحيى الحداد" في تاريخه، أن معاذاً عندما قدم الى اليمن، دخل من صعدة، وأمر أهلها ببناء مسجد لهم، ثم انصرف الى صنعاء، واجتمع بأهلها، وألقى عليهم كتاب رسول الله، وأمرهم ببناء جامع لهم في بستان "باذان" وهو ما يعرف اليوم بالجامع الكبير، وفي أواخر جمادى الآخرة وصل الى الجند بتعز، واجتمع له الناس في أول جمعة من رجب وخطبهم وبين لهم رسالة الإسلام التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمر ببناء مسجده المعروف بمسجد الجند، وبعد اكتمال بنائه أٌقيمت فيه صلاة الجمعة، والتي صادفت أول جمعة من شهر رجب، وقد فرح الناس واستبشروا بأن أعزهم الله بالإسلام وحررهم من الكفر والشرك، لذا اتخذ اليمنيون الجمعة الأولى من كل رجب عيداً لهم، وألِف الناس إتيان جامع الجند في أول جمعة من شهر رجب للصلاة والذكر.
بينما توجه أبو موسى الأشعري الى زبيد، وبها أقام مسجد الأشاعرة.
وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى اليمن عدة مرات الى همدان وزبيد ومذحج ونجران وغيرها، فزار اليمن في أواخر السنة الثامنة للهجرة، وهي أول بعثة له سلام الله عليه، وفي السنة التاسعة للهجرة قبل حجة الوداع، وفي رمضان سنة 10 للهجرة بعثه إلى مذحج، وفي أول جمعة من رجب اجتمع الإمام علي عليه السلام بمشائخ همدان، وبعد أن أعلنوا إسلامهم على يديه بأجمعهم، صلى بهم العصر في المكان المعروف حالياً بجامع علي، في سوق الحلقة بصنعاء القديمة، وبعد إسلام همدان، أسلمت جميع القبائل اليمنية.
ومكث سلام الله عليه في صنعاء 40 يوماً حاكماً ومُفقِهاً، ودخل عدن أبين وعدن لاعة من بلاد حجة وقدر خربت من زمن طويل، ويقال أنه دخل اليمن في زمن أبو بكر، ودخل عدن أبين ثانية، وخطب على منبرها.
ما سبب إسلام اليمنيين طواعية؟
أتى الإسلام واليمن بلدة ممزقة، وقبائلها متناحرة، بسبب الصراع بين اليهودية والمسيحية، وما خلفه من خراب ودمار، جعل اليمن مسرحاً للطامعين من الغزاة والمحتلين، بدءاً بالرومان وعبيدهم الأحباش، وانتهاءا بالفرس، وصراع ملوك اليمن، ومع بزوغ شمس الإسلام، رأى اليمنيون أن بوابة الخلاص الوحيدة مما يعانوه هو اعتناق دين سماوي جديد يدعو اليه نبي عربي من بني هاشم من قريش.
وبإسلامهم تم إزالة كل أنواع الخلافات والحروب القبلية والانقسامات الداخلية المتراكمة بين أقيال اليمن منذ عهد سيف بن ذي يزن، لهذا تسابقت الوفود اليمنية الى المدينة المنورة تعلن إسلامها وطاعتها.
قال العلامة محمد بن علي الأهدل: كانت اليمن قد انحطت عظمتها، وتقوضت صروحها، وإنهار مجدها الباذخ، وسلطانها الشامخ، وتقلص ظلها وطُوي بساط عزها ومجدها، حتى لم يتبق في يدها إلا بلادها، ومنبت أرومتها، بل لم تحتفظ بها، لتفرق كلمتها، وتصدع وحدتها، بانفجار براكين الفتن الداخلية بين أقيالها وأمرائها، واستقل كل قيلٍ ببلاده، وما قدر على الدفاع عنه.
وتشعبت اليمن الى ثلاث طوائف فطائفة اعتنقت اليهودية وطائفة النصرانية والثالثة بقيت على عبادة الأوثان والنجوم، فتغلبت اليهودية على النصرانية، واستبدت بها، وخدّت لها اخدوداً في مخلاف نجران اشعلت فيه النيران،..، فألقت فيه كل من رفض الرجوع الى اليهودية،..، وهكذا أتى الإسلام واليمن في حروب وصراعات يشيب من هولها الطفل الرضيع، فلم تجتمع إلا لسيد الأنبياء والمرسلين بسبب صدق إيمان أهلها، وقربهم من النور المحمدي.
اضف تعليق