أبانت الدراسة أن الذكور من ذُرِّية هذه الفئران التي تتبع حميةً غذائية غير صحية تعاني مشاكل أيضية، منها عدم تحمُّل الجلوكوز، وهو من المؤشرات المرتبطة بالإصابة بداء السكري. وإلى ذلك، خلُصَتْ دراسة تحليلية وبائية إلى أن الأبناء الذكور لرجالٍ يرتفع لديهم مؤشر كتلة الجسم (BMI) تظهر عليهم أعراض مشابهة...

الآباء من الفئران الذين يتناولون طعامًا غنيًّا بالدهون، والآباء من البشر ذوو مؤشر كتلة الجسم المرتفع، يورِّثون أبناءهم الذكور اضطرابات أيضية، كشفت دراسة حديثة، أُجريَتْ على الفئران والبشر1، عن أن السائل المنوي يحتفظ بمعلومات عن طعام الأب، وأن هذه المعلومات تؤثر، بدورها، في النظام الأيضي لدى الأبناء الذكور.

لاحظ فريق الباحثين القائمين على إعداد الدراسة أن إطعام ذكور الفئران طعامًا غنيًّا بالدهون يرفع مستويات أنواعٍ بعينها من الحمض النووي الريبي (RNA) في المنيِّ. كما أبانت الدراسة أن الذكور من ذُرِّية هذه الفئران التي تتبع حميةً غذائية غير صحية تعاني مشاكل أيضية، منها عدم تحمُّل الجلوكوز، وهو من المؤشرات المرتبطة بالإصابة بداء السكري. وإلى ذلك، خلُصَتْ دراسة تحليلية وبائية إلى أن الأبناء الذكور لرجالٍ يرتفع لديهم مؤشر كتلة الجسم (BMI) تظهر عليهم أعراض مشابهة، نُشرت الدراسة على صفحات دورية Nature في السادس من يونيو الجاري.

مدوَّن على صفحة المَنيّ

أثبتت دراسات سابقة أن الأم قد تورِّث وليدها صفاتٍ وخصائص أيضية. أما بالنسبة للأب، فقد نشر تشي تشِن، الباحث في مجال بيولوجيا التكاثر بكلية طب جامعة يوتاه في سولت ليك سيتي، ومعه زملاؤه، دراسةً في عام 2016، برهنوا فيها على أن بويضات الفئران المخصَّبة، المحقونة فيها أحماض نووية ريبية (RNA) لحيوانات منوية مأخوذة من ذكور تتناول طعامًا غنيًّا بالدهون، نتج عنها إنجاب فئران تعاني اضطرابات أيضية2. وثَبَتَ علميًّا أن هذا "التوريث" لسماتٍ تتصلُ بطعام أحد الأبوين أو كليهما لا يتم عبر تغيُّرات تطرأ على جينوم الأبناء، وإنما من خلال تغيُّرات فوق جينومية (epigenomic)، محمولة على واسمات كيميائية تتدلَّى من جزيء الحمض النووي وما يتصل به من بروتينات.

فإذا عدنا إلى دراسة Nature التي أسلفنا الإشارة إليها، سنجد أن الباحثين أطعموا فئرانًا طعامًا غنيًّا بالدهون على مدى أسبوعين. واكتشفوا أن هذه الحِمية الغذائية نَجَمت عنها تغيُّرات في نوع من الحمض النووي الريبي في ميتوكوندريا الخلايا المنوية؛ وهي العضيَّات الخلوية المسؤولة عن توليد الطاقة. وتَبيَّن لهم أن الجزيئات التي طرأت عليها هذه التغيُّرات، وتُعرف بالحمض النووي الريبي الناقل (tRNA)، هي مُنتَجات وسيطة ضمن عملية تحويل الحمض النووي (DNA) إلى بروتينات.

ما حدث، على وجه التحديد، أن نطفة الفأر المغذَّى على طعامٍ غنيٍّ بالدهون كانت تحوي شُدَفًا من الحمض النووي الريبي الناقل أكثر من تلك التي عُثر عليها في مَنِيِّ الفئران المغذَّاة على طعام منخفض المحتوى الدهني. وهذه الشُّدَف يمكن أن تؤدي دور أدوات التنظيم للجينوم، فترفع أو تخفض مستوى نشاط جينات بعينها في الميتوكوندريا، على سبيل المثال.

إجهاد الميتوكوندريا

هذه النتائج التي توصَّل إليها الباحثون لا تُجافي المنطق؛ ذلك أن الحمية الغذائية ذات المحتوى الدهني المرتفع تُجهِد الميتوكوندريا، حسبما ذكر رفائيل تيبيرينو، الباحث الرئيس للدراسة التي بين أيدينا، وهو متخصص في الأبحاث البيئية فوق الجينية بمركز هيلمولتس ميونيج، الكائن بمدينة نويهربيرج الألمانية. وعندما تتعرَّض الميتوكوندريا للإجهاد، تزيد من إنتاج الحمض النووي الريبي (RNA) لتوليد مزيد من الطاقة.

يقول تشِن، الذي لم يشارك في وضع الدراسة آنفة الذكر، إن استجابة الميتوكوندريا هذه سلاحٌ ذو حدين؛ فالزيادة في نشاط الميتوكوندريا، من ناحية، تُكسب الحيوانات المنوية من العزم ما يكفي لتسبح حتى تصل إلى البويضة، إلا أن أحماض الميتوكوندريا النووية الريبية الزائدة تنتقل، من ناحية أخرى، من الأب إلى الجنين، فتعبث بالمعلومات التي يستقيها الجنين من أبيه، وتؤثِّر بالسلب على صحَّته.

لم يكتفِ تيبيرينو وفريقه بفحص الخلايا، ولكنهم تتبَّعوا كذلك الحالة الصحية للأشخاص الذين كان آباؤهم بُدَناء، والفئران التي تغذَّى آباؤها على طعامٍ غنيٍّ بالدهون، ووجدوا أن نحو 30% من هذه الفئران تعاني اضطرابات أيضية. وكان أن أُجرِيَت تجارب أخرى، تبيَّن منها أن هذه الفئران الأبناء تحوي في أجسادها أحماض الميتوكوندريا النووية الريبية الناقلة (tRNA) المأخوذة بالتحدار عن الأب أكثر من تلك التي عُثر عليها في الفئران التي تغذَّى آباؤها على غذاء منخفض المحتوى الدهني. ليس هذا فحسب، فقد عمد الفريق أيضًا إلى تحليل بيانات 3,431 طفلًا، ووقفوا على ارتباط بين ارتفاع مؤشر كتلة الجسم في وقت الإخصاب، وضعف الصحة الأيضية لدى الأبناء.

ابحث عن الشُّدَف

اعترى الدراسةَ قصورٌ تقنيّ، يتمثَّل في أن طريقة تعيين التسلسل الجيني المعتمَدة في بعض التجارب تكتشف جزيئات الحمض النووي الريبي الكاملة، دون الأجزاء. ومن هنا، لم يستطع الباحثون البتَّ فيما إن كان الجزيء المتشظِّي ينتقل من الأب إلى الابن. يقول تيبيرينو: "نفترض أن هذه شُدَف [جزيء الحمض النووي الريبي] تنتقل هي الأخرى، لكن ليس في مقدورنا إثبات ذلك".

ما يشغل تشِن بصفةٍ أساسية هو أن الآباء من الفئران يورِّثون المشاكل الأيضية للأبناء الذكور دون الإناث، وهي نتيجة تتسق مع الورقة التي نُشرَت له في العام 2016. يقول: "في ذلك إشارة إلى أن المعلومات التي تحملها الخلية المنوية [الحاملة للكروموسوم] X تختلف عن تلك التي تحملها خلية الكروموسوم Y". أما السبب وراء هذا التمايز بين الخلايا المنوية X وY، "فسؤال جيد حقًا، يجدُر بالدراسات المستقبلية أن تُعنَى به"، حسب قوله.

يرى تشِن أنه إنْ كان لهذه الدراسة من مغزى، فمغزاها يمكن اختصاره في الآتي: ما دُمتَ تُنتج حيواناتٍ منوية، "فعليك أن تُلزم نفسك بعادات غذائية صحية؛ فذلك يؤثر في المعلومات المحمولة [على ظهور] حيواناتك المنوية.. يؤثر في [صحة] أبنائك".

اضف تعليق