ومع ان العالم الاسلامي استطاع امتصاص الغزو المغولي وطرد الغزو الصليبي الا ان مضاعفات الخلل الحاد في المركب الحضاري كانت تتفاقم، وباءت بالفشل محاولات العثمانيين ورواد النهضة وعلى رأسهم جمال الدين الافغاني تدارك الامر لاسباب ذاتية وموضوعية كثيرة، حتى سقط العالم الاسلامي تحت براثن التخلف والاحتلالات الاجنبية بانتهاء الحرب العالمية الاولى...
ينطبق على المجتمعات الشرقية القول الماثور بأن الناس على دين ملوكهم وهذا ينطبق على المجتمع العراقي قديما وحديثا. بدأ الخلل السياسي في المجتمع الإسلامي والعربي ومنه العراقي حينما حول معاوية ابن أبي سفيان الخلافة إلى حكم وراثي واستبدادي فكان هذا الخلل السياسي راس كل مظاهر الفساد والاختلالات والتخلف التي ظهرت في المجتمعات العربية والإسلامية و أدت إلى انهيار الدولة العباسية في بغداد عام 1258 .
استطاع معاوية بن أبي سفيان أن يحدث الشرخ الأكبر في منظومة القيم العليا للمجتمع الإسلامي آنذاك حينما تجاوز على مبدأ الشورى في اختيار الحاكم واعلن نفسه خليفة بقوة السلاح أولا ثم غير آلية تولي الخلافة حينما سن سنة التوريث للأبناء في الخلافة التي كان من المفترض أن تكون كخلافة لرسول الله وليس خلافة للآباء.
كان هذا تحولا كبيرا في نظام الحكم في المجتمع الإسلامي والعربي. أدى هذا التحول إلى ظهور العديد من المشكلات والاختلالات السياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي والعربي.
اولا، الانتقال إلى الحكم الوراثي والاستبدادي: قبل فترة معاوية بن أبي سفيان، كانت الخلافة تُعتبر منصبا يتم انتخابه عن طريق الشورى بغض النظر عن طريقة اختيار الخلفاء الثلاثة الاول، ومن ثم الخلاف الشيعي السني حول هذا الموضوع..
و بعد أن أصبح معاوية خليفة، سعى إلى تأسيس نظام حكم يضمن استمرار سلالته في الحكم، ما أدى إلى تحول الخلافة إلى منصب وراثي يشبه الملكيات في الأنظمة الغربية. وكان هذا التحول من اسباب عدم الاستقرار السياسي في المجتمع العربي والاسلامي والى سقوط الدولة العثمانية ووقوع البلدان العربية تحت براثن الاستعمار الغربي.
كما ادى الحكم الوراثي إلى ظهور نخب حاكمة متمسكة بالسلطة، مما خلق بيئة ملائمة للفساد والاستبداد ومن ثم التخلف. هذه الأنظمة عملت على تعزيز مصالحها الخاصة على حساب الناس.
و هذا الخلل الحاد في نظام الحكم أسهم على المدى البعيد في تخلف المجتمعات وانهيار العديد من الدول الإسلامية والعربية، على غرار انهيار الدولة العباسية في بغداد عام 1258، والذي يُعتبر أحد أكثر الأمثلة إثارة للصدمة في التاريخ الإسلامي.
و يُظهر هذا التحليل أن الأنظمة السياسية وطريقة الحكم لها تأثير بعيد المدى على استقرار المجتمعات وتطورها.
بالنسبة للمجتمعات الشرقية، خصوصاً المجتمع العراقي، فأن التأثيرات المترتبة على هذا الانحراف في الحكم لا تزال ملموسة حتى العصر الحديث، ما يؤكد على أهمية النظام السياسي في تشكيل ملامح المجتمع.
اما ما يسمى بالحضارة العربية والاسلامية وانجازاتها العلمية والفكرية فقد كانت من ثمار الطاقة الخلاقة التي فجرها الاسلام في لحظة ظهوره الاولى واستمرت حوالي ثلاثة الى خمسة عقود قبل ان تخبو تدريجيا متأثرة بالمضاعفات السلبية والسياسات الخاطئة للحكم الوراثي خاصة فيما يسمى بالعصر العباسي الثاني الذي بدأ بخلافة المتوكل على الله سنة 232 هجرية. وكان من المضاعفات السلبية لذلك اضافة الى عدم الاستقرار السياسي تحلل امر الخلافة وتفكك منظومة القيم القرانية وانقسامات العالم الاسلامي وظهور الدويلات العسكرية والطائفية الفقهية والمجتمعية وتدهور الزراعة والصناعة والابتكار العلمي الامر الذي هيأ المجال للاحتلالات الاجنبية من عام ١٢٥٨ الى عام ١٩١٧ بسقوط بغداد ١١ اذار من ذلك العام تحت الاحتلال البريطاني.
ومع ان العالم الاسلامي استطاع امتصاص الغزو المغولي وطرد الغزو الصليبي الا ان مضاعفات الخلل الحاد في المركب الحضاري كانت تتفاقم. وباءت بالفشل محاولات العثمانيين ورواد النهضة وعلى رأسهم جمال الدين الافغاني تدارك الامر لاسباب ذاتية وموضوعية كثيرة، حتى سقط العالم الاسلامي تحت براثن التخلف والاحتلالات الاجنبية بانتهاء الحرب العالمية الاولى بين عامي ١٩١٤و ١٩١٨.
اضف تعليق