q
منوعات - صحة

مستقبلنا مع كورونا

ستبقى البشرية لسنوات تحت كابوس الفيروسات الجديدة وارتداء الكمامات. سنعيش دوامة قلق التفكير ورعب المستقبل. عالم ينتهي بكورنا، وآخر يتشكل بالفيروسات الجديدة. ليس أمامنا من حل إلا تقوية مناعة الأمل لإيقاف دورة القلق واليأس، بهدف عودة الروح إلى المدن والحارات، وتنشيط القلوب بفيتامين المحبة والأمل...

الكل يترقب انتهاء ازمه كورونا وأخواتها بالسلالة والجينات، فما عادت حياة البشر أمانا وهدوء. أزمات متوالية من الفيروسات والسلالات المتحورة بالألوان المختلفة. كأن الدنيا تريد أن تخبرنا بأننا سنعيش نذير سوء، ونوائب محزنة، وامل مفقود في استمرار الجائحة. فقد غادرنا الملايين وهم يودعون الأهل والأحباب بالجلطات الدموية وقلة الأوكسجين. وآخرون يعيشون رعب السجن الإجباري بانتظار الأمل.

هناك من لا يغادرنا جسديا، لكنه غادر وظيفته وقطّع رزقه. وهناك الجوع والفقر تأكل بالأمم. فيزداد الفقير جوعا وفقرا، والغني رعبا في التفكير بالموت.

صار علينا اليوم أن نتعايش مع فيروس كورونا، كأنه من أهل البيت، وصديقا عزيزا، وقدرا مكتوبا لا مفر منه. مثلما علينا أن نتعود على اللقاحات التي لا نعرف سرها وحقيقتها، وعلى حروب شركات اللقاح وفضائحها وخفاياها المبطنة. وصدمات الاقتصاد وأثاره المدمرة، وأزمات الأوطان من الحروب والفقر والقمع والاستبداد. فنحن حقا، نعيش زمن العجائب والأهوال والكوارث، حتى ضاق بنا الأمل، وصار الاكتئاب عنوانا حياتيا لا يقبل الافتراق، كأنه ” لصقة جونسن ” الأصلية!

صار الفيروس، نقمة ونعمة، لكن نقمته أكبر دون شك. فقد تعرض الكثير إلى دمار حقيقي في عمله وصحته، وتدهورت حالاتهم النفسية بسبب التباعد الاجتماعي، فانتشرت ظواهر القلق والتوتر والانفعال والكآبة، وصار الجميع يتوجس أخباره الجديدة، وطرق تفننه لاختراق الأجساد بالأبيض والأسود والأصفر. وزاد همنا وقلقنا باننا بمواجهة فيروسات تحمل جنسيات عديدة، من بلدان متخلفة ومتطورة على حد سواء. تتجول بين البلدان دون فيّز وجوازات. فهناك صينية وأفريقية وهندية وأوربية وبرازيلية وأسيوية، وهناك مركبّة هندية-بريطانية. ولا ندري ما الجديد القادم!

هناك من يرى بأنها نعمة، في الدروس والتجارب، حيث تغيّر منظورنا للحياة بطرق لم تخطر على بال أحد. فقد اعتبره البعض تجربة تعليمية ناجحة بامتياز، وعلم البشر الابتكار لكي يستمر بالحياة. ولقّن الحكومات دروسا بليغة في مواجهة الأزمات، واستخدام حكمة السلام والتضامن بعيدا عن الحروب وعنجهية السلاح. صحيح أن الفيروس اللعين علّم البشر ما لا يعلم. وفتح أبوابا كانت مغلقة وعسيرة الفهم لفهم الحياة. ومع ذلك، الكل يسأل: أين نحن ماضون !؟

هناك سيناريوهات، الأول يقول: ليس أمام البشر إلا الاعتراف بالعلم، وبقوته في مواجهة الفيروس، والانتصار عليه. فهو الأمل بعد الرب في خلاص البشرية منه، ومن انتشاره السريع، وَتَحَوُّره الانشطاري المخادع، لأنه صراع وجودي سينتصر فيه العلم قطعا. وسيخسر في النهاية صوت الجهل والخرافات، وصراع تجّار اللقاحات.

هناك السيناريو الثاني، المستمد من تجارب الفيروسات والأوبئة القديمة التي حدثت في العالم، بأن هذا الفيروس له عمر محدد، وبمرور الأيام سنشعر بتلاشيه، ونفقد وجوده معنا فجأة، كما حدث في إسبانيا في العام 1919 فقتل الملايين، لكنه فجأة اختفى من حياة الناس، دون إن يكون هناك أدوية أو لقاحات. ربما يحدث الأمر نفسه.. ربما!

أما أنا، فأنا أؤمن برحمة الرب على البشر، مثلما أؤمن برحمة العلم عليهم. حيث ينبغي إن نتذكر فضائل العلم على مرضى القلب والمعدة والقولون والكبد والعيون والسل والضغط والسكر، ورحمة التخدير وتقنيات الطب الكثيرة. فلا ننشغل بقلق الفيروس، ونسمح له أن ينسينا جمال العلم وقوته. هناك أمل إن يكون الفيروس من الماضي.

دون شك، المرض خطير ومزعج، لكننا نحتاج الصبر، وكما قيل “الصبر مفتاح الفرج “. مثلما نحتاج أيضا الوقاية منه بالالتزام بتعاليم المؤسسات الصحية، والمصارحة والشفافية في محاربته. فلا نتفاءل كثيرا، ولا نغلق أبواب الرحمة والتفاؤل. لأننا كلنا “في الهوى سوى”. فقط نحتاج معرفة الحقائق. ومن هذه الحقائق بأن معظم العلماء يتفقون على الرغم من اختلاف توقعاتهم واجتهاداتهم، بأن كورونا سيكون قرينًا للبشر في المستقبل. فالمستقبل يعتمد إلى حد كبير على مقدار استئناف التباعد الاجتماعي؛ ونوع الوقاية التي سيبتكرها البشر. لكن التغييرات السلوكية الشخصية، مثل غسل اليدين وارتداء الأقنعة، ستستمر إلى زمن طويل، مما يساعد على وقف موجة العدوى. وبالتالي؛ فالوقاية هي التي تقرر ما سيكون عليه العالم في الفترة المقبلة.

ولأن العالم، فيه من الظالمين، ووحوش السياسة، وتجار الأدوية واللقاحات، وعبيدا للمال والسلطة والجاه، فأننا علينا معرفة اللعبة، وطريقة لعبها، واحتواء مضارها، للتقليل من الصدمات النفسية. فنحن نعيش صراعا محموما بين الدول وصنّاع اللقاحات. فالكل يريد أن يسيطر على هذه السوق الكبيرة التي ستدر مئات المليارات على صاحب اللقاح الأنجح والأكثر فعالية.

هناك أيضا، الخوف من التوزيع الغير العادل للقاحات بين الدول. فالفقيرة ستنام دون خبز ولقاح، تنتظر رحمة بعض الدول. ربما هناك لعبة تمارسها بعض الدول مع جينات البشر لتقليل السكان، أو استثمار تجارة اللقاح للاستحواذ على المليارات لتعويض خسائرها، وإنفاذ اقتصاداتها من الانهيار والركود الاقتصادي.

ستبقى البشرية لسنوات تحت كابوس الفيروسات الجديدة وارتداء الكمامات. سنعيش دوامة قلق التفكير ورعب المستقبل. عالم ينتهي بكورنا، وآخر يتشكل بالفيروسات الجديدة. ليس أمامنا من حل إلا تقوية مناعة الأمل لإيقاف دورة القلق واليأس، بهدف عودة الروح إلى المدن والحارات، وتنشيط القلوب بفيتامين المحبة والأمل!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق