"إن الحقَّ و الباطلَ لا يُعرفان بأقدار الرجال, اعرف الحق تعرفُ أهله, و اعرف الباطل تعرفُ أهله"، الامام علي بن أبي طالب "عليه السلام".
حاز وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي على صفة (البطل) التي اسبغها عليه الكثيرون بعد "الاعترافات – الاتهامات" التي ادلى بها في مجلس النواب العراقي، متهما قيادات من الصف الأول في اتحاد القوى السني.
وصفة البطولة لم يحز عليها طيلة المعارك التي شارك بها الجيش العراقي في تكريت او الفلوجة او الانبار، بل اكتسبها بعد معركة حامية الوطيس في ذلك المجلس، استعرض فيها عضلات العسكريتاريا العراقية وحضورها الفاعل في ميادين الاجتماع العراقي طيلة سنوات الثمانينات.
صفة البطل تحيل أيضا الى تلك الفترة، والتي كانت تتردد كثيرا حين يتم منح الضباط او بقية المراتب العسكرية انواط الشجاعة من قبل القائد الضرورة وقتها صدام حسين، وكان أيضا القائد العام للقوات المسلحة العراقية.
اكتسب الوزير صفة البطولة ليس في ساحة المعركة بل عبر ساحة اللغة الخطابية في مجلس النواب، وهو ما كان أطلق عليه فيلسوف اللغة البريطاني جون لانجشو "جيه إل" أوستن عبارة
"الفعل اللغوي الانجازي" ويعرف هذا الفيلسوف في الأساس بأنه واضع نظرية أفعال الكلام.
وعبارته ترد في اطار الذرائعية التي تعنى بتأثير الكلام على المتلقي. وهو لا يهتم بدلالة الخطاب الضمنية قدر اهتمامه بمفاعيله في التواصل. على سبيل المثال، اذا تلفظت بالجملة التالية: "انت تثير اعصابي" فانا لا افعل شيئا سوى وصف حالتي المزاجية. كما اني اعبر للمتحدث معي عن الرجاء بتغيير سلوكه. وهذا ما نسميه بالقيمة الانجازية للكلام. فالأثر الذي يحدث في المتلقي –اثارة الغضب، الانصراف وتغيير السلوك – يشار اليه بوصفه فعلا انجازيا..
وقد نجح الوزير في اثارة غضب المستمعين اليه ممن طالتهم اتهاماته، وغضب المشاهد العراقي وهو يستمع الى هذه الاتهامات ضد ارفع منصب تشريعي في الدولة العراقية وهو رئيس البرلمان.
وهذا الغضب امتداد لحالة مستمرة منذ أعوام طويلة، بدأ بسيطا ثم كبر واشتد في العام الماضي، واختزن الكثير من بوادر الثورة، التي كان يمكن ان تطيح بهذه الطبقة وبمجمل العملية السياسية "اقتحام مجلس النواب"، وربما لحظة الاعتراف أتت تتويجا لذلك الحدث الذي اشر لصراع بدأ يطفو بحدة بين الكتل السياسية وخاصة الشيعية منها حول من يقود الشارع الشيعي ومن له اليد الطولى فيه.
وهو أيضا إشارة لصراع شديد الخطورة بين الكتل السنية حول من يقود السنة ويمثلهم بعد مرحلة داعش، المرشح للانتهاء من صفحته بحلول نهاية العام 2016، ومواجهة استحقاقات الانتخابات المحلية وبعدها بعام الانتخابات النيابية.
فوزير الدفاع وبعد عودته من زيارة أمريكا، اصبح، اوهو طامح ليكون في مشهد الجيل الجديد من القيادات السنية بعد تحرير الموصل "وهو من أهالي الموصل"، وربما بدأ الترويج لنفسه من خلال زيارته الى مدينة الاعظمية في بغداد، حيث الوجود السني الكثيف، مع التوجه الى الشيعة في مدينة الكاظمية في بغداد، ومحافظة كربلاء في الوسط، وكأنه يريد القول انه يتقاطع مع كل الطروحات التي انتهجها أعضاء الكتل والأحزاب السنية طيلة السنوات الماضية.
مثل هذا التوجه لا يمكن ان يمر بهدوء، فهناك بوادر صراع سني – سني سيأخذ بالاشتداد قريبا بين أصحاب المصالح والنفوذ لممثلي السنة في البرلمان والحكومة.
ما الذي يمكن تسجيله من ملاحظات حول ما حدث على مستوى الثقافة " واقصد بالثقافة مجمل العادات والقيم والايديولوجيات في المجتمع " والسياسة في العراق؟.
لازالت قطاعات واسعة من المجتمع العراقي تحن الى ماضي الاستبداد، وما يمثله في مخياله من رموز للقوة كانت تمنحه الامن على حياته في سعيه اليومي، وهو ان لم يكن امنا حقيقيا لانه جزء من منظومة امن النظام الحاكم، الا انه غير مهتم بذلك، قدر اهتمامه بما يعيشه اللحظة والساعة، حتى لو قايض هذا الامن بحريته.
وهو أيضا لازال لديه مفهومه الخاص عن القوة التي تمثلها بعض الشخصيات التي كان يؤدي لها فروض الطاعة والولاء، على حساب الكثير من القيم والاخلاقيات.
ماذا عن الجانب القانوني من الاعترافات؟
بعيدا عن كل الصخب والضجيج الذي احدثته مثل هذه الاعترافات، فان وزير الدفاع يعتبر متسترا طيلة فترة توزيره السابقة لما ادلى به، عن كل الصفقات والعمولات التي طلبت منه، والتستر على الجريمة يعتبر جريمة.
التهم التي اطلقها على من وردت أسماؤهم في كلامه تحتاج الى ادلة واثباتات مادية، ولا تقتصر على مجرد الكلام الذي دار بينه وبين من اتهمهم، فلا اسهل من انكار هؤلاء لجميع تلك المحادثات بينهم وبين وزير الدفاع.
مسألة التعيينات التي اتهم بها النائبة عالية نصيف، لاتعد جريمة استغلال للمنصب او الموقع الا اذا كان من ضمن هؤلاء المتعينين أقارب لها، فالنائب وكجزء من تمثيله لمن ينتخبه يسعى الى الحصول على وظائف او خدمات لمن يمثلهم، لكن ذلك يبقى مشروطا بعدم القرابة العائلية مع من يريد تعيينه.
يبقى تساؤل أخير، ماذا عن عمليات الفساد طيلة السنوات الماضية، على الأقل في وزارة الدفاع؟ وماذا عن عمليات الفساد في بقية الوزارات قبل هذه الدورة البرلمانية والحكومية؟ هل يمكن ظهور إرادة سياسية من وسط هذا التخاذل والخوف، ونسمع اعترافات جديدة من قبل وزراء من الصف السياسي الأول في الكتل والأحزاب الحاكمة؟.
اضف تعليق