هل يجدر بنا تعريف الفساد؟، وهل يحتاج الفساد الى تعريف (خصوصا في العراق) حتى يعرف؟، لا اعتقد ذلك.
فالفساد في العراق أكبر من أن يوصف او يعرف (كما عرفته، مثلا، منظمة الشفافية الدولية المتخصصة في رصد الفساد العالمي حيث اشارت الى انه اساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة)، الفساد في العراق بكل مفاصل حياته اليومية، أصبح جزءا من حياة المواطن والمسؤول على حد سوء، ولا يمكن الاستغناء عنه بالطرق المتعارف عليها على مستوى العالم، فقد أشار البعض، ان العراق يحتاج الى "معجزة" لتجاوز الفساد الذي بات يتفوق (في حجم خرابه المادي والمعنوي) على مآسي الإرهاب في الداخل، والغريب في الامر، ان الأجهزة الرقابية وهيئات النزاهة، التي من المفترض ان تأخذ دورها الطبيعي في محاسبة المفسدين ومكافحة الفساد، أصبحت بحاجة الى أجهزة رقابية، إضافية، لمراقبة أدائها وتجنب وقوعها في مرتبة من مراتب الفساد الكثيرة في العراق، خصوصا وانها لا تريد ان تعترف، حتى الان، ان العراق يتربع على عرش الفساد والمفسدين، اذ تجدها تدافع عن أداء العراق الحكومي باستماته كلما صدر التقرير العالمي حول الفساد (منظمة شفافية الدولية)، والذي وضع العراق (كالعادة)، في خانة أسوأ عشر دول فسادا على مستوى العالم، والرابع عربيا.
لا يهمنا، الان، الحديث عن أسباب الفساد ومظاهرة ونتائجه (فهي من اختصاص الدراسات الاكاديمية)، لكن ما نرغب في التعرض إليه، هو معرفة كيفية القضاء على الفساد المستشري بشكل مخيف في جميع مفاصل مؤسسات الدولة، والتي هي انعكاس (للفساد السياسي) الذي يعرف بأنه أخطر أنواع الفساد، اذ ان السياسيين هم من يسيطرون على المال العام ويتحكمون بصورة مباشرة وغير مباشرة في مقدرات البلاد والعباد من دون رقيب، سوى الله (عز وجل)، وقد اقتضت مصالح المفسدين السياسيين، بتقادم الزمان والمصالح، الى انشاء "لوبيات فاسدة" قد ترتبط بمثيلاتها العربية او الإقليمية والعالمية، لتكون شبكة واسعة من الفساد تمارس التهريب وسلب المال العام والصفقات الفاسدة، إضافة الى الاغتيال والخطف والتهديد والابتزاز، وقد اكد النائب العراقي (زاهر العبادي) هذا الكلام بالقول إن "هناك لوبيات موجودة في العراق والوزارات الحكومية تعمل من اجل مصالح شخصية وهي تمثل بعض الأجندات الداخلية"، وأضاف أن "الفساد موجود ولا أحد ينكره، لكن المطلوب منا الجرأة والشجاعة لتسمية هذه المجاميع بأسمائها".
واعتقد ان العلة تكمن في تسمية الأشياء بمسمياتها، فكبار السياسيين والقادة والكتل السياسية شاركت بطريقة او أخرى بعملية فساد عالمية لنهب خيرات العراق، واغلب الفاسدين، اليوم، يتسنمون مناصب رفيعة في الدولة، وإعلان الحرب عليهم قد يتطلب "الجرأة والشجاعة لتسمية هذه المجاميع بأسمائها"، على حد قول النائب، وربما قد يؤدي الى فقدان حياة من يتصدى لهذه المسؤولية، وهي مخاوف حقيقية عبر عنها السيد رئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) خلال كشفة عن 50 الف جندي عراقي وهمي يتقاضون رواتب تتجاوز "الالف دولار" واطلق عليهم تسميه "فضائيين"، حيث قال "لقد بدأنا بالحيتان الكبيرة في مكافحة المفسدين وأوجه رسالة تحذيرية إلى كل من يأخذ راتبا دون وجه حق"، وأكد أنه سيمضي قدما في حملته هذه "حتى ولو كلفني الأمر حياتي، لأن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب".
طبعا الجدية والصبر امران مطلوبان من اجل القضاء على الفساد داخل العراق، وما زالت الجدية مفقودة حتى الان لاتخاذ خطوات أكثر فاعلية وتقدما، بعد ان تجاوز الفساد عقدة الأول في العراق، وقد أشار معتمد مرجعية السيد (السيستاني) الى ذلك بالقول "ان هذا الداء الخطير لم يعالج بشكل جدي لحد الان حتى أصبح ظاهرة شبه عامة في كثير من مفاصل الدولة ومؤسساتها، وأصبح هناك مسؤولين لا يتحرجون من أخذ المال العام من دون حياء أو رادع ولا يهمهم رخص أنفسهم"، لكن امام هذه اللوبيات النهمة والعملاقة ماذا يمكن ان يفعل السيد العبادي وحكومته الجديدة؟
إن الحل في خطوة رئيسة منه يكمن في تفكيك لوبيات الفساد، ورفع الغطاء السياسي عنها، الامر اشبه بصفقة سياسية، يتم الاتفاق فيها مع الكتل السياسية الكبيرة التي تدير البلاد والقادة السياسيين وأصحاب النفوذ، بان زمن الفساد في العراق يجب ان ينتهي (كما سينتهي زمن الإرهاب)، ولكي يربح الجميع، ونخرج بلا خاسر، علينا رفع الشرعية عن المفسدين (الصغار والكبار) والتخلي عنهم وعدم توفير الحماية او الحصانة القانونية او السياسية لهم، للانتقال الى مرحلة جديدة (كما حدث في انتقال السلطة السلمي في العراق مؤخرا)، ومن دون ذلك فقد تتحول المواجهة بين الفساد والحكومة الى مواجهة ذات ابعاد (سياسية او طائفية او إعلامية) كما يروج لها المستفيدون منها، وقد تتحول، كما يرى العبادي، الى حملة تصفيات جسدية واغتيالات وتفجيرات بالجملة، لا رسال رسائل تثبت قوة المفسدين، كما حدث مؤخرا في البصرة وحادثة اغتيال رجال الدين (السنة)، التي وقعت بعد زيارة العبادي الى البصرة، وقد اشارت تقارير حكومية مؤكدة، بان مافيات الفساد المنتشرة في أجهزة الدولة المختلفة لها علاقات منفعية قوية حتى مع المنظمات الجهادية المتطرفة، وهو ما يفسر ربط الحكومة العراقية الفساد بالإرهاب واعتبارهما وجهان لعملة واحدة.
اضف تعليق