لا شك أننا جميعا على قناعة، بحجم وطبيعة الرابطة الحقيقية التي تربط بين الحوزات العلمية، وجمهور واسع من المسلمين في عموم الدول الاسلامية، فكما ذكرنا سابقا، أن هذه العلاقة الوثيقة، لم تبنَ في ليلة وضحاها، بل امتدت على حقبة طويلة، تطورت حلالها الثقة التي تحكم هذه العلاقة، والتي استندت على تراكم خبروي استغرق مئات السنين، حتى بات الكلام الذي يصدر عن الحوزة العلمية للناس، ذا قدسية في الاستماع والتطبيق الحرفي له، وهذا ينبع بالدرجة الاولى من الثقة العالية التي يوليها جمهور المسلمين لمراجع الحوزات ورجالاتها.
هذا يعني أن عددا كبيرا جدا من المسلمين، ونسبة كبيرة من المجتمع (لاسيما في العراق الذي يعاني من فساد مستحكم)، يستجيبون لما تراه الحوزات العلمية الموثوق بها، في الشؤون السياسية والتربوية والدينية وسواها، وطالما ان رجالات الحوزة العلمية والمراجع الأجلاء، على وعي كبير بأوضاع العراقيين (مسلمين او غيرهم)، وما يعانون منه من موجات فساد كبيرة تضرب البنى الاساسية الحكومية لهذا الشعب، فإن محاصرة الفساد والتحشيد الشعبي لمقارعته بات من الامور المهمة التي تنهض بها الحوزات العلمية.
بمعنى هناك دور رئيس للحوزة العلمية في توجيه الشرائح المجتمعية كافة، ومن عموم الطبقات، شعبية او نخبوية كانت، لمحاربة الفساد بكل السبل المتاحة، وتأتي هذه التوجيهات وهذه التحشيدات على شكل تعليمات واضحة تصل الى الجميع، عبر وسائل التوصيل المختلفة في الاعلام المتنوع، المرئي والمسموع والمكتوب، وعبر مواقع الانترنيت التي باتت تؤثر بشكل كبير في توصيل المعلومة بسرعة خارقة، الى اوساط واسعة من المسلمين وسواهم، هذه الحملات لمكافحة الفساد ينبغي دراستها ووضع الخطوات التنفيذية اللازمة لها، على ان يتصدى للتخطيط في هذا المجال، مختصون أفاضل من ذوي الحنكة والخبرة والكفاءة في وضع البنود الازمة لكبح جماح الفساد المستشري في المؤسسات العراقية الحكومية.
ولعل الميزة الاساسية في نجاح عمليات التحشيد ضد الفساد في المؤسسات الحكومية، تأتي من درجة التزام الجماهير، بما تراه الحوزات العلمية في مكافحة الفساد بصورة عملية، تقود الى النجاح في القضاء على الفساد كليّا، أو الحد منه في اقل تقدير، خاصة ان الحوزات العلمية لها باع طويل في قضية الصراع مع الانظمة السياسية الفاسدة، ولعل الاطلاع على تاريخ هذا الصراع بين الحوزات العلمية وتلك الانظمة السياسية الجائرة، والنتائج التي غالبا ما تأتي في صالح الحق، ستؤكد لنا غلبة الحوزة ومؤيديها والمنتمين لها في الفكر والتعاليم والعمل التطبيقي للتوجيهات التي تصدر عنها، ولعلنا اليوم بحاجة ماسة وكبيرة للتحشيد الشعبي المتواصل ضد مافيات الفساد، وعصابات السحت الحرام، وما يطلق عليهم بالحيتان الكبيرة، أولئك الذين يستبيحون حرمات وحقوق الفقراء وعموم افراد المجتمع العراقي من دون وجه حق، بل حتى في بعض البلدان الاسمية، هناك فساد واضح، يستدعي محاصرته ومكافحته بكل السبل المتاحة.
فمثلما تدخلت الحوزات العلمية، وأعلنت موقفها الواضح ضد الارهاب، ودعت الى محاربته عبر تعليمات واضحة، تم توجيهها للمسلمين من عموم الشرائح، نجد أن التحشيد نفسه لابد ان يتدخل بجدية لمكافحة الفساد، ومثلما نجحت جهود الحوزات العلمية في قضايا إصدار الفتاوى التي تحث على قتال الارهاب ومواجهته، وقد أتت هذه التوجيهات المتواترة أُكُلها على الارض، وأوقفت زحف (عصابات داعش) نحو بغداد، بل واصبحت هذه العصابات في حالة تراجع يومي وهزائم متواصلة، بفعل الحشد الشعبي والقوات الامنية، وهذا ما يؤكد حجم الدور الكبير لتوجيهات الحوزات العلمية في حفظ كيان البلد وسيادته، واعادة الامن والاستقرار الى ربوعه.
ولعل النتائج الحاصلة على الارض بخصوص التحشيد الشعبي ضد الارهاب، ودور المرجعيات الرشيدة في تحقيق النتائج المأمولة، تؤكد لنا أهمية الدور نفسه في التحشيد الشعبي والعام ضد الفساد ومن يرعاه من الحيتان التي باتت واضحة ومعروفة للجميع، لذلك لابد ان يستمر الضغط الحكومي القضائي الشعبي، بضغط من الحوزات العلمية، للاستمرار في ملاحقة ومطاردة ارباب الفساد والمفسدين اولا، وفقا للقصاص الرادع والعادل، حتى يتم اقتلاع هذه الظاهرة القاتلة من جذورها.
في الخلاصة نحن اليوم بأشدّ الحاجة الى حملة تحشيد شعبي تقودها الحوزات العلمية، شبيهة بتلك الحملة التي انتفضت ضد الارهاب، فالفساد والارهاب وجهان لعملة واحدة، بل طالما اثبتت الواقع والأدلة الدامغة تمويل عمليات الفساد للارهاب لكي يستمر بذبح الابرياء والفتك بالارواح والممتلكات، لهذا استوجب الامر قطع دابر الفساد وأربابه والعاملين به والمتعاونين من الصغار مع الحيتان، حتى يتم تنظيف البلاد من هذه العصابات الاجرامية، ولعل دور الحوزات العلمية هو المتصدر (توجيها و تفعيلا)، من اجل التحشيد المتواصل للقضاء على هذه الظاهرة التي باتت تهدد حياة الجميع من دون استثناء.
اضف تعليق