بعضُ السّياسييّن يظنّون انّ كلاماً معسولاً يصرّحون به هنا، أو بياناً شديدَ الّلهجة ينشرونهُ هناك يؤيّدون بهِ الخطاب المرجعي المصرّ على تحقيق الاصلاح الحقيقي الذي يُثمر العدالة الاجتماعية، وخلفهُ الشّارع العراقي الغاضِب، يكفي لخداعنا فيشترون به سكوتنا مثلاً!.
ابداً، لن يحصل هذا بالمُطلق، فمعركةُ الإصلاح اليوم باتت معركة وجود وليست معركة عابرة او هامشيّة، ولذلك رأينا كيف يُلاحقها الخطاب المرجعي خطوةً بخطوةٍ، وانّ ما جاء اليوم في هذا الخطاب دليلٌ واضحٌ وصارخٌ، على عزيمةِ المرجعيّة الدّينية العليا في متابعة قيادة المعركة الى النهاية، بلا هوادةٍ وبلا لين، فالخطابُ كالسّيل الهادر والجارف لن يقفَ في طريقهِ شيءٌ، مهما تعالت صرخاتُ المُرجفين او وَضع (عَبَدَةُ الْعِجْلِ) عِصِيّاً في عجلة الاصلاح التي ستظلُّ تدور وتدور حتى تلفّ الفاسدين من رقابهم وترمي بهم في مزبلة التاريخ بعد فضحهم امام الملأ.
لذلك أنصحهم ان لا يلعبوا بذيولهم ولا يحاولوا تسويف الامر أو خداعنا بشعارٍ او شعارين، فلقد ولّى زمن الغفلة او حتّى التّغافل، فالعراقيون الان، وعلى رأسهم المرجعيّة الدّينية العليا، لا يتصوّرون ايّ منجزٍ، عسكريّ او أمنيّ او اقتصاديّ او اجتماعيّ او ايّ منجزٍ آخر وعلى ايّ صعيدٍ من الاصعدة، قبل أن يتحقّق الانجازِ الحقيقي في معركةِ الاصلاح، وهم لم ولن يغفلوا عن المخاطر المحدِقة بالبلاد عندما يرفعون شعار الاصلاح اولاً، ابداً، بل العكس هو الصّحيح، فانّ ذلك دليل إصرارِهم على ان {يأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} كما أمرنا ربّنا عزّ وجل، فبيوتُ العراقِ اليوم كلّها لها بابٌ واحدٌ لا غير، انّه الاصلاح، والّا قُل لي بربّك، كيف يمكن تحقيق التّنمية والبناء والاستثمار، والفساد المالي والاداري يحيط بالمال العام والخاص من كلّ حَدَبٍ وصَوْبٍ؟!.
كيف يمكن تنويع مصادر الدّخل القومي، كما حثّ على ذلك اليوم الخطاب المرجعي، والفساد المالي والاداري ينخر بمؤسّسات الدّولة؟!.
كيف سنعمل على إنعاش خزينة الدّولة ولازالت المليارات التي سرقتها (عُجولٌ سمينةٌ) لم نعرف عنها شيئاً؟ ولم يُعادُ منها، لحدّ الان، دينارٌ واحدٌ!.
كيف سنقنع الشّباب بعدم الهجرة وترك البلاد والمكوث فيها للمساهمة في البناء اذا كانت كلّ الفرص والابواب مغلقةٌ أمامهم بسبب الفساد المالي والاداري؟!.
كيف سنثق بجدّيّة مشروع الاصلاح الحكومي، هذه المرة، بعد وعودٍ عديدة سمعناها منهم طوال العقد المنصرم، لم نلمس منها شيئا ابداً، اذا لم يقف أمامنا اليوم (عِجْلٌ سَمينٌ) واحدٌ على الأقل خلفَ القُضبان لنسمع منه خارطة حركة الأموال المنهوبة كلّ هذه السّنين، بالأسماء والتواريخ والكميات والطريقة والمتورطون؟!.
لقد ظلّ يهدّد خصومهُ وشركاءهُ بملفّاتٍ يحتفظ بها! الم يحن الوقت ليكشف عنها؟ امْ سيظلّ يهدّدهم بها الى يوم يبعثون؟ او لساعةِ الشدّة؟!.
لماذا لم يمثُل امام القضاء ويكشف لنا عن كلّ الملفّات السّرية منها والعلنيّة ويبرئ ذمّتهُ اما الله والتاريخ؟!.
الا يعلم انّ المُتستّر على الفاسدِ فاسدٌ؟!.
لقد لفتَ الخطاب المرجعي الانتباه اليوم الى نقطتين جوهريّتين؛
الاولى؛ هي ان الاصلاح الحقيقي لن يبدأ بخطواتهِ الحقيقية والجدّيّة ما لم يتم ملاحقة رؤوس الفساد الكبيرة، على حدّ وصفه، لتقديمها للقضاء وإعادة آخر فلسٍ منهوبٍ الى خزينة الدّولة.
بمعنى اخر؛
يجب عليكَ ان تُضحّي بـ (عِجْلٍ سَمينٍ) اذا أردت ان تحارب فساداً كبيراً!.
ثانياً؛ انّ التّسويف في الاصلاح وانجاز الخطوات الصغيرة والهامشيّة والانشغال بالوعود المعسولة، والتأييد الفارغ للخطاب المرجعي من قبل كلّ الاحزاب والشّخصيات الحاكمة، والسعي لإفراغ التّظاهرات من محتوى مطاليبها الحقيقيّة وبذل الجهد لتخدير الشّارع لتهدئة غضبهِ وامتصاصه، انّ كلّ ذلك لم يعُد ينطلي على الشّعب، وانّ كلّ ذلك لن يثنيهِ عن الاستمرار في مطاليبهِ الاستراتيجيّة الدستوريّة المشروعة، والتي تقف على رأسها القضاء نهائياً على الفساد المالي والاداري والذي يعني مُلاحقة الرؤوس الفاسدة الكبيرة وليست الصغيرة والمجهريّة التي لا تُرى بالعين المجرّدة.
لا ينبغي التّسويف في هذا الامرِ بحجّة الانشغال بالبحث عن الرّؤوس الكبيرة، فها هي كلّها بارزة للعيان لا يحتاجُ الامرُ أكثر من انْ يُنادي النّادل في المحكمة بإسم (عِجْلٍ سمينٍ) واحد ليمثُل امام القضاء، وستتساقط الرؤوس الكبيرة الواحد تلوَ الآخر، فهل تظنّون انّ التّسويف سُيشغلنا عن او ينسينا الهدف الاستراتيجي؟!.
ابداً!.
لذلك انصحُهم كلّهم ان لا يتلاعَبوا بالالفاظ، وَإنْ لا يتشاغلوا بالبيانات والخطابات والمقالات، فليس أمامنا متَّسعٌ من الوقت ابداً، فمصيرُ العراق الان في سباقٍ محمومٍ مع الزّمن، ان لم نقطعهُ قطعنا!.
ركّزوا تفكيركم وجهودكم على أَمرٍ واحدٍ في كل المشروع الاصلاحي؛
إطلاق الخطوة الاولى لتتبعها كلّ الخطوات الاخرى، والمتمثّلة بملاحقة الرؤوس الكبيرة، اي (عِجلٌ سَمينٌ) ادفعوا به خلفَ القضبان لتُريحوا وتستريحوا!.
اقرؤوا كلّ تجارب الشّعوب والامم الّتي مرّت بمراحل الاصلاح ومحاربة الفساد، فستجدون أَنّها بدأت بالخطوة الاولى، وهي خطوة مشتركة، لا علاقة لها بدين الحاكم او مذهبهِ او خلفيّتهِ السّياسية او الثّقافية او الحزبيّة او العشائريّة ابداً، والخطوة هي تقديم الرؤوس الكبيرة الى القضاء، فلقد احمى أمير المؤمنين (ع) حديدةً لاخيه ِعقيل!.
ولا أنسى في نهاية المقال ان أُثني على موقف السّيد رئيس هيئة النّزاهة اليوم عندما قال بانّ الهيئة ستكون اوّل من ينفّذ ما جاء بالخطاب المرجعي اليوم.
هذا موقِفٌ حَسَنٌ، ولكنه ناقصٌ، وغير كافٍ، فالّذي يريدهُ الشّارع الغاضب وينتظره ليس الكلام والوعود وخطابات التأييد، وانّما الفعلُ والفعلُ فقط! فمتى ستُبادر بملاحقةِ رؤوسِ الفَسادِ الكبيرة؟ ومتى ستُبادر بدفعِ (عِجْلٍ سَمينٍ) خلفَ القُضبان؟!.
ننتظر الجواب على أحَرٍّ مِنَ الجَمرِ!.
اضف تعليق