كتب لي احد القراء تعليقا على موضوع نشر في الشبكة بعد بدء الاحتجاجات، كتب يقول: (نحن عندما نقرأ للكتاب نحاول ان نستمد القوة من افكارهم وليس الاحباط، لكنني شعرت بالإحباط مع رحلتي بهذا المقال.. السيد الكاتب يريد ان يقول لنا لا تحاربوا الفساد .. هكذا فهمت، وربما اكون على خطأ).
وكان جوابي على تعليقه هو:
(هل من وظيفة الكاتب ان يبعث على التفاؤل في كتاباته؟
وهل من وظيفته ان يرفع الإحباط عن القارئ؟
ليس هذه ولا تلك، فالأولى من اختصاص بيّاعي الأوهام الذين يصورون لك ما حولك هو الجنة، لكنها صحراء قاحلة يحرقك العطش لقطرة ماء، تراها معلقة في سراب بعيد.
ولا الثانية، لأنها من اختصاص الجلسات النفسية، حين تصل الى نهاية الطريق، ولم تعد تقوى على رفع قدمك من الأرض وما وجدته هو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
القوة تكمن في الحقيقة، وهي احد وجوه المعرفة، فالمعرفة قوة.
الفساد لدينا اصبح ثقافة، وهي في تعريفها الانثروبولوجي (طريقة حياة)، للفساد قبول اجتماعي وثقافي، بعد ان تكسر الحاجز النفسي امامه.
لنبدأ بأنفسنا أولا، اقاطع اخي الموظف – ابن امي وابي- الموظف المرتشي، واقاطع جاري الفاسد، واقاطع عمي وخالي وأبناء عشيرتي، الذين يفسدون ويزرعون الخراب في كل موقع، ولا يهم ان كان موظفا حكوميا، او يرمي القمامة في الشارع، او يقطع الطريق عن الناس او يحتل الرصيف، او يسير بسيارته عكس اتجاه السير. هل نستطيع ذلك؟ من هنا تكون البداية، فالفساد ليس سياسيا بل هو مظهر من فساد اجتماعي وثقافي أوسع وما ذاك الا وجه من وجوهه).
طبعا ما اردت قوله في المقال ان محاربة الفساد لا تتمحور حول زيد او عمرو من الناس، بل هي محاربة يجب ان تبدأ من الجذور وهدم الاساسات لها، وهو هنا النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية، وعلى الوظائف العامة القائمة على الانتماءات والولاءات الحزبية والعشائرية.
منذ اندلاع التظاهرات وانا لست متفائلا، ومصدر هذا التشاؤم هو الشعارات التي كنت اتابعها والتي يرفعها المتظاهرون، وكنت اعلم ان واقعنا لشدة بؤسه هو (واقع رؤيوي) من الذي حذرت منه احاديث الأنبياء وكتب السماء.
فلا يمكن لأي كاتب ان يصف حجم ما نحن فيه من خراب، لان الخراب الماثل امامه هو اقسى واشد من كل وصف، وتعجز الأقلام عن رسم صورة له.
لكن المتفائلين يرون عكس ذلك، انطلاقا من تفاؤل قسري يجبرون أنفسهم عليه، وهو تفاؤل على المستوى الفردي، يرى كل شيء ورديا وبألوان قوس القزح، ويعتقد ان ذلك كفيل باختفاء كومة النفايات من امام بيته واختفاء روائحها.
لكن تلك الرؤية المتفائلة تساهم بنصيب كبير في اتساع حجم الخراب من حيث لا يشعر هؤلاء المتفائلين.
كيف ذلك؟
انه يذكرني بالمثل الشهير وهو (كالنعامة تدس رأسها في الرمال) متوهمة انها تحمي نفسها من الافتراس.
اتعجب من تلك الشعارات التي رفعها الكثيرون من المتظاهرين، يطالبون فيها استبدال السياسي الفلاني، والقاضي والمحافظ والقائمقام ومجالس المحافظات، ومدراء الدوائر، وكأن استبدالهم سينهي كل مشاكل المتظاهرين. وأقول مشاكلهم ولا أقول مشاكل الوطن او العراق، لان المتأمل بما حدث او ما هو مرشح للحدوث، سيرى ان كل تلك الشعارات هي شعارات لا تغير شيئا، الا اللهم اصلاح المظهر الخارجي للجسد السياسي القبيح.
انها كعمليات التجميل التي تلجا اليها النساء، حقنة لنفخ الشفاه، او سليكون لتكبير الصدر وشده، لكن ما جرى على هذا الجسد لا يمكن إصلاحه حتى لو اجتمع عليه كل أطباء العالم.
في محافظة البصرة التي انطلقت منها شرارة التظاهرات، اعتصم عدد من المتظاهرين أمام بناية مجلس المحافظة الذي يتهمون أعضاءه بالفساد ويطالبون الحكومة بإصلاحات حقيقية، في مقدمها الخدمات وخاصة الماء والكهرباء، وقاموا بقطع الطريق إلى ميناء أم قصر الجنوبي للبضائع، ما أدى إلى تعطل الأنشطة في الميناء الذي يستقبل شحنات الحبوب والمعدات الثقيلة المستخدمة في صناعة النفط.
لكن هذا الاعتصام تم فضه بوعد - مجرد وعد - بتوفير 75 فرصة عمل جديدة. ومن المؤكد ان مشاكل الكهرباء باقية على حالها، ومشاكل الخدمات والماء الصالح للشرب، كذلك باقية على حالها، والاسوأ من كل هذا وذاك، ان الفساد على المستوى المحلي او الوطني والخراب في عموم العراق هو باق على حاله.. مجرد وعد بوظائف جديدة كفيل بفض اكبر اعتصام للمتظاهرين، ثم تعالوا نرى اين وصلت حزمة الإصلاحات التي هلل لها المتظاهرون؟.
حتى الان لم يصدر رسميًا أي قرار من مكتب رئيس الوزراء بتلك القرارات على الرغم من موافقة البرلمان العراقي عليها.
النائبة حنان الفتلاوي كتبت على صفحتها الفيس بوك:
(إن رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي لم يلتزم بالتوقيتات التي خصصها هو في تنفيذ حزمة الإصلاحات الحكومية التي أطلقها.
ولم يصدر أمر ديواني بإلغاء مناصب نواب رئاستي الجمهورية والوزراء لا منه ولا من رئيس الجمهورية رغم أنه قال فورًا، وكذلك خفض الحد الأعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين تقدم خلال أسبوع لم يصدر شيء لحد الآن رغم مرور أسبوعين".
وهذا البرلمان الذي تتحدث عنه النائبة، فيه كتلة بدر كما غيرها من كتل وأحزاب، هذه الكتلة
طالبت رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي ببيان اسباب اعفاء عدد من الوزراء من مناصبهم ضمن برنامجه الاصلاحي والابقاء على اخرين.
وتساءلت الكتلة "هل الاعفاء كان لفشلهم او لضعفهم او لفسادهم"، داعية الى بيان "معيار البقاء والاعفاء".
وهو التساؤل الذي يمكن ان يطرحه أي حزب او تطرحه أي كتلة فيما يتعلق بوزرائها، او مدرائها او أصحاب المناصب الخاصة.
ثم ان تلك الإصلاحات ليست محددة زمنيا كما انار عقولنا علي الاديب رئيس كتلة دولة القانون في مجلس النواب، وسبب ذلك على حد تعبيره (لكون البلد على حافة الهاوية من الناحية المالية).
اصدق تصريح حتى الان والذي يتماشى مع تشاؤم المحبطين والسلبيين هو ما اكد عليه النائب عن التحالف الوطني حنين القدو بقوله: (ان جميع الكتل والاحزاب السياسية هي مع الاصلاح شرط ان لا تؤثر على مناصبهم ومراكزهم الوظيفية, وان هنالك تململ ورفض وربما مقاومة للتغير الذي يطمح اليه العبادي من قبل تلك الكتل والاحزاب السياسية).
لماذا اذن وافقت تلك الكتل والأحزاب على الإصلاحات؟.
استعير ما قاله الشاعر التونسي المنصف المزغني في قصيدة له بعنوان (ثغاء):
خروف دخل البرلمان... قال مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاع.
فجـــــــاء الصــــدى.... إج.... مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاع!.
اضف تعليق