خورخي كاستانيدا
مكسيكو سيتي- بينما تعم الاحتفالات المبالغ فيها في معظم ارجاء امريكا اللاتينية نظرا لعودة العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة الامريكية تواجه القارة تحديان رئيسان.
اولا: انحدار النمو الاقتصادي ليصبح اقل من 1% بالمعدل في جميع انحاء المنطقة وهو تحدي تمت مناقشته مطولا حين كان التفسير السائد ان تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين قد كان له تأثير سلبي على اسعار السلع بما في ذلك الايرادات التصديرية لامريكا اللاتينية ولكن التحدي الثاني وهو –عودة الفساد- هو التحدي الاكثر اثارة للاهتمام.
لقد عانت امريكا اللاتينية من الفساد لقرون منذ ان انعتقت من ما وصفه الشاعر المكسيكي اوكتافيو باز بالطبيعة السلطوية للحكم الاستعماري الاسباني والبرتغالي، أما الذي اختلف اليوم فهو طريقة الرد عليه حيث ترفض المجتمعات والمؤسسات ان تبقى متواطئة مع الفساد او ان تسلم بحتميته.
ان هذا النهج يتمثل في انتشار المحاكمات والتحقيقات والمظاهرات والادانات والاستقالات المتعلقة بالفساد وخاصة في البرازيل وفنزويلا وبشكل اقل في المكسيك وجواتيمالا وفي جميع البلدان الأربعة فلقد تكشفت فضائح كبيرة تعرض خلالها كبار المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى وقادة الاعمال الى التنديد من قبل وسائل الاعلام والنظام القضائي والحكومات الاجنبية و/او المعارضة المحلية وبالرغم من ان أي من تلك الحكومات المتورطة في الفضائح لن تنهار –على الاقل ليس حصريا بسبب الفساد- فإن الحجم الهائل للاحتجاجات الاجتماعية والسياسية ناهيك عن العمل القانوني يعتبر مذهلا.
ان القصة الاكثر اثارة للصدمة تكشفت في البرازيل ففي اواخر العام الماضي- في وقت كان هناك استياء عام مع اندلاع احتجاجات سنة 2013 ضد التبذير والمخالفات التي حصلت خلال الاستعدادات لبطولة كأس العالم الاخيرة والتي جرت في البرازيل العام الماضي- تكشفت فضيحة ما يطلق عليه اسم فضيحة بيترولايو حيث تم الكشف عن نقل كميات كبيرة من الاموال بشكل مباشر او من خلال شركات مقاولات ضحمة من شركة النفط الوطنية البرازيلية بيتروبراس الى حزب العمال وهو حزب الرئيسة ديلما روسيف.
لقد قدم الاشخاص الذين قاموا بالتبليغ والشهود الذين كانوا تحت الحماية تفاصيل عن الفساد السياسي للقضاة البرازيليين والذين لاحقوا مسؤولي بيتروبراس والسياسيين والرؤساء التنفيذيين للمؤسسات التي تخضع للتحقيق حيث تم اتهام روسيف ومن سبقها لويس ايناسيو لولا دا سيلفا بالفساد السياسي واستغلال النفوذ وبالرغم من ان روسيف استطاعت ان تبقى بالسلطة بعد انتخابات ديسمبر والتي ربحتها بأغلبية بسيطة فإن من المؤكد ان البرازيل قد وقعت في ازمة سياسية أدت الى حدوث ركود عميق في البلاد.
أما في فنزويلا فلقد تم تسريب اتهامات من قبل حكومة الولايات المتحدة الامريكية تفيد بإن العديد من قادة البلاد- بما في ذلك ديوسدادز كابيلو رئيس الكونجرس واقرب مساعدي الرئيس نيكولاس مادورو- لم يكتفوا باثراء نفسهم بحسب بل انهم قاموا بذلك جزئيا من خلال روابط مع عصابات المخدرات الكولومبية. ان التدهور الحاد للاقتصاد الفنزويلي وانتشار العنف وانتهاكات حقوق الانسان قد اجبرت مادورو على الدعوة لإجراء انتخابات في ديسمبر القادم وبالرغم من النظام الانتخابي المزور فإن حزبه سوف يتعرض لانتكاسات خطيرة وحتى انه يمكن ان يخسر الاغلبية التي يتمتع بها في الكونجرس.
ان وضع جواتيمالا ليس دراماتيكيا من الناحية الاقتصادية ولكن هناك ضغوطات كبيرة على الرئيس اوتو بيريز مولينا للاستقالة حيث اشعلت اتهامات الفساد تظاهرات عارمة في الشوارع وبالرغم من ان بيريز مولينا نجا من محاولة لخلعه من الحكم في يونيو الماضي فإن من الممكن ان لا يتمكن من تكملة فترة حكمه والتي تنتهي في العام القادم علما انه قد اجباره على قبول استقالة نائب الرئيس روكسانا بالديتي وعدة وزراء في الحكومة.
ان الوضع في المكسيك اكثر تعقيدا فالبلاد تمتعت لفترة طويلة بسمعة لا نظير لها في مجال الفساد ولكن منذ اواخر التسعينات وخاصة بعد سنة 2000 عندما تمت الاطاحة بحكم الحزب الثوري الدستوري والذي حكم لسبعين سنة حققت المكسيك نجاحات مهمة في مكافحة الفساد وخاصة على المستوى الفيدرالي.
بينما خشي البعض انه عند عودة الحزب الثوري الدستوري للسلطة سنة 2012 فإنهم سوف يحضرون معهم اساليبهم الفاسدة القديمة، اعتقد اخرون ان الرئيس انريكه بينيا نيتو سيكون مختلفا وفي واقع الامر كان المتفائلون محقين فخلال السنوات الثلاث الماضية قام بينيا نيتو باصلاحات مهمة ورائدة ولكن عندما تعلق الامر بالفساد فلقد تبين ان المتفائلين كانوا مخطئين تماما وهي حقيقة ظهرت في العام الماضي وذلك عندما اكتشفت الصحافة المحلية والدولية مجموعة من الانشطة الفاسدة تمتد من منح عقود للاصدقاء وشراء منازل من نفس الاصدقاء بأسعار اقل من سعر السوق.
لقد تدهورت شعبية بينيا نيتو في اعقاب الكشف عن تلك الحقائق وبالرغم من ان حزبه استطاع الاحتفاظ باغلبيته في مجلس النواب فلقد حصل على 29% من الاصوات وهي اقل حصة انتخابية يحصل عليها على الاطلاق وبالرغم من ان الدعوات لاستقالة الرئيس لم تنجح فإن هناك شبه اجماع على ان هذه الحكومة هي الحكومة الاكثر فسادا منذ اواخر الثمانينات.
ان العديد من بلدان امريكا اللاتينية الاخرى في وضع مشابه ففي التشيلي تواجه ميشيل باشليت اهم ازمة سياسية خلال فترة رئاستها وربما منذ عودة الديمقراطية سنة 1989. لقد بدأت الازمة بظهور اتهامات باستغلال النفوذ ضد ابن باشليت وزوجة ابنها واستمرت مع ظهور فضائح اخرى قد تضم وزراء ومساعدين اخرين. لقد حاولت باشليت ان تظهر للناخبين انها تأخذ الامور بجدية حيث طلبت استقالة الحكومة بإكملها (بالرغم من ان بعض المساعدين الرئيسيين قد تم اعادة تعيينهم او نقلهم الى مناصب جديدة) وعلى اية حال فلقد هبطت شعبيتها الى مستويات منخفضة جدا.
بينما تزداد سخونة الحملة الرئاسية للارجنتين فسوف يتم توجيه اتهامات –سواء كانت صحيحة او غير صحيحة- للرئيسة المنتهية ولايتها كريستينا دي كيرشنر والتي ارتفع صافي ثروتها خلال فترة الثلاثة عشر عاما والتي حكمت خلاها هي وزوجها الراحل البلاد كما ان هناك اعتقاد على نطاق واسع بإن اقتراح الرئيس النيكارجواي دانيال اورتيجا ببناء قناة تربط المحيطات في بلاده ( ان من المفترض ان رجل اعمال صيني مشبوه هو الذي سوف يتحمل التكلفة والتي قد تصل الى ما بين 55 الى 100 مليار دولار امريكي) -بالرغم من عدم توفر الدليل على صحة ذلك الاعتقاد- هو في واقع الامر خطة لجني الاموال لعائلته.
ان من الواضح ان الخطوات الكبيرة التي قامت بها امريكا اللاتينية من اجل تعزيز الديمقراطية خلال السنوات الثلاثين الماضية لم تحقق الكثير من اجل القضاء على واحدة من اقدم آفاتها ولكن لديها الان مصدر متجدد للامل : الطبقات الوسطى المزدهرة فيها والتي هي نتاج 15 سنة من التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ان هذه الطبقات الوسطى الجديدة تطالب بحكم أفضل ولن يهدأ لها بال حتى تحصل عليه.
اضف تعليق