في دوائر الدولة العراقية (واستعمل كلمة دولة مجازا وليس واقعا) تحتاج الى الوثائق الأربعة لإكمال أي معاملة، رغم استثناء البطاقة التموينية، الا ان العادة جارية بطلبها.
وهي وثائق متعارف عليها منذ زمن النظام السابق، ولم يستطع النظام الحالي إيجاد بديل لها، كنوع من أنواع التغيير في الروتين الحكومي، وقضاء مصالح الناس.
وكل ما استطاع فعله النظام الجديد، هو دعوة العراقيين الى استبدال وثائقهم القديمة بأخرى جديدة مع علامة الفسفورة.
اللافت في تلك الوثائق، واخص بالذكر منها شهادة الجنسية العراقية، ان الوثيقة القديمة لا تحتاج الى اثبات صحة صدور يستغرق إصداره خمسة عشر يوما، بينما الجديدة وهي التي تتبختر بالعلامة الفسفورية تحتاج الى هذا الاثبات من دائرة الأحوال المدنية التي صدرت منها.
لتكون بذلك تلك الوثيقة القديمة والصادرة في عهد صدام حسين هي أكثر رسوخا في مجالات الثقة بين المواطن والحكومة، على عكس الجديدة التي لا توفر او تمنح تلك الثقة المطلوبة، فاحتمال التزوير كبير جدا في العرف البيروقراطي لدوائر الحكومة العراقية، (الجديدة – القديمة)، وهي تشي أيضا بحقيقة لا يصرح بها، وهي ان ما سنّه صدام ونظامه القديم أكثر رسوخا مما يحاول سنّه النظام الجديد، او انه لا يمكن اقتلاع تلك العوائد القديمة واحلال جديدة مكانها.
مجال اخر يشهد حضور صدام، برمزيته في الثقافة العراقية، رغم الادعاءات الفارغة بالتخلص من حقبته، نعم تخلص العراقيون من وجوده ماديا هو ونظامه الا انه باق بجميع رمزياته في الثقافة والاجتماع العراقيين.
وهذا المجال هو ارقام السيارات التي تحمل تسميات (صدامي – الماني – بستنة).
والصدامي هو الرقم الذي تتوشح به السيارات الحديثة والعائد الى الحقبة الماضية، والألماني هو الذي تمنحه المرور العامة للسيارات الحديثة، وهو يختلف شكلا عن الرقم الصدامي، اما البستنة فهو الرقم العائد لاربيل، احدى محافظات الإقليم الكردي.
وأيضا اللافت في الرقم الصدامي، هو انك تقوم بإنجاز تحويل سنوية السيارة من ملكية العائد الى ملكيتك دون جهد كبير، على العكس من الألماني الذي تحتاج فيه الى أيام ليست قليلة لأجل ختم البصمة، اما البستنة، والذي يعني في تعبير اهل العقارات انه ليس طابو صرف يمكن تحويل ملكيته الى الحائز الاخير، فهو يبقى باسم صاحبه الأصلي الا اذا كانت لديك إقامة في أربيل او انك من سكنتها. وهو مرغوب أيضا على العكس من الألماني.
يكشف الرقم الصدامي، ان حضور صاحبه لازال يتمدد في الجسد العراقي، وانه رغم انقضاء تلك السنوات على رحيله من المشهد السياسي العراقي (2003) او ترحيله عن الحياة بإعدامه (2006) فهو حاضر بقوة في وعي العراقيين، يتمظهر تارة بشهادة الجنسية العراقية او بأرقام السيارات او باي مجال اخر، كالجماعات المسلحة العراقية والتي تتبع حزبه، او أعضاء سابقين لهم جماعاتهم الخاصة، وهم بعثيون وضباط سابقين.
وأيضا هناك المضمر في هذا الحضور، وهو ان صدام حسين ورغم جميع جرائمه، الا انه سن سننا عديدة في الأنظمة البيروقراطية للدولة العراقية، رغم بداية تفسخها في التسعينيات، يجد رجال العهد الجديد صعوبة في التخلص من تلك الأنظمة، او انهم يتفقون ضمنا معها.
في ما يتعلق بالرقم المسمى (البستنة) تستبطن التسمية رمزية الكردي الذي اشتهر بالتهريب عبر الحدود (بضائع – بشر) وانه بحكم عقليته ونفسيته التي تريد استغلال كل شيء متاح امامها، فهو يركب على ظهر من يقوم بتهريبه رغم ان الأخير يدفع له اجرة على تلك العملية.
وهو أيضا ما يمكن اكتشافه من المشاركة الكردية في الحكومة العراقية، والتي تقوم على مصلحة الاكراد أولا على حساب مصالح الاخرين.
الغالب على الرقم الألماني، مساحة الفساد المالي والإداري التي يستحوذ عليها في عملية تدشينه على السيارات الحديثة، وهو جزء من فساد أوسع وأضخم تعيشه جميع مؤسسات الحكومة العراقية، مستغلة تلك الدوائر رغبة أصحاب السيارات في تصحيح مالكيتهم لسياراتهم.
اضف تعليق