q
فبعد نهاية الحرب على الإرهاب وكلفة تلك الحرب وتراجع أسعار النفط، عانى ويعاني الاقتصاد العراقي من تصدعات وتراجع في الكفاية وضياع الموارد وعدم إستغلال الفرص المتاحة كالسياحة والإستثمار الأجنبي نتيجة سوء الإدارة وضعف التنظيم والتهاون في تنفيذ القرارات والقوانين الداعمة والمشجعة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى...

مع بداية الدورة النيابية الرابعة في العراق وإنبثاق حكومة عادل عبد المهدي منها، تقف تلك الحكومة إضافة إلى مجلس النواب أمام تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية عدة، ولعل التحديات الاقتصادية تعد الأبرز في الوقت الحاضر بعد دحر تنظيم داعش وتجاوز عقدة الانتخابات وتشكيل الحكومة.

فبعد نهاية الحرب على الإرهاب وكلفة تلك الحرب وتراجع أسعار النفط، عانى ويعاني الاقتصاد العراقي من تصدعات وتراجع في الكفاية وضياع الموارد وعدم إستغلال الفرص المتاحة كالسياحة والإستثمار الأجنبي نتيجة سوء الإدارة وضعف التنظيم والتهاون في تنفيذ القرارات والقوانين الداعمة والمشجعة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى مشاكل واسعة ترتبط بالأوضاع العامة. ولهذا من أهم أولويات الحكومة الحالية في جانب تنفيذ المنهاج الوزاري هو الإصلاح الاقتصادي وهذا يحتاج إلى التالي:

1- توفير بيئة سوسيو-اقتصادية نظيفة ومعقلنة تخلق المناخ الملائم والسليم المُهيئ للترتيبات الإدارية واللوجستية والقانونية المتكاملة وهذا لن يتحقق ما لم تتطابق الرؤية الإصلاحية في المجال الاقتصادي بين السلطة التشريعية والحكومة فيما يخص تشريع قوانين والمصادقة على الموازنات التنموية ذات التأثير الإيجابي الداعم للاقتصاد العراقي، فوحدة العمل وسلامة المنهجية في تكريس روح الفريق الواحد في الأداء بين أجهزة الدولة كافة مع توفير غطاء سياسي ونيابي يشكل لحظة ضرورية للتمكين الاقتصادي.

2- إقامة قطيعة حكومية مع الفاعلين السياسيين والوسطاء والمضاربين، وما يعرف بالهيئات واللجان الاقتصادية للأحزاب وإبعادهم عن كل ميكانيزمات الاقتصاد الوطني وإبعادهم عن مؤسسات الدولة كافة ومنع الزبائنية السياسية فيها من حيث إحالة المشاريع وتنفيذها وإنهاء النزعات الإنتفاعية لتلك الجماعات، وهذا يحتاج إلى قطيعة مع الفساد السياسي الذي يذر المنافع والمصالح والامتيازات للفئات المحدودة المذكورة أعلاه.

3- تشريع قانون المجلس الأعلى للإعمار وتنفيذه بأسرع وقت لإقرار ومتابعة وتنفيذ المشاريع الاقتصادية الإستراتيجية الوطنية، على أن يكون هذا المجلس مستقلا ومتخصصا وبعيدا عن المحاصصة وله صلاحيات واسعة، ويضطلع بوضع خطط إعادة الإعمار والبناء والتنمية وإستكمال المشاريع التنموية للدولة، يعمل على تحقيق نهوض اقتصادي متواصل.

4- التأكيد على شفافية العقود الحكومية ونزاهتها وتضطلع بذلك جهة استشارية مستقلة ومختصة لمراجعة العقود ومدى نجاعتها وفعاليتها وفرص تنفيذ تلك العقود وتدقيق الجهات المتعاقد معها ومصداقيتها والقدرة على المتابعة والإحاطة والمحاسبة القانونية.

5- تنفيذ مشروع البصرة عاصمة اقتصادية للعراق وإعطاء البصرة والمحافظات المنتجة للنفط وذات القدرات التنموية صلاحيات اقتصادية واسعة للتنمية وتقوية الاقتصاد مع حفظ التنسيق مع الحكومة الإتحادية وضمان الرقابة وتأمين غطاء مالي ضمن الموازنة لدعم الطموحات التنموية للبصرة وبقية المحافظات لتستثمر بشكل مباشر قدراتها ومواردها وكل هذا يحتاج إلى قانون ينظم آليات العمل الاقتصادي لتلك المحافظات إضافة إلى إقليم كُردستان.

6- إعتماد سياسة مائية جديدة للبلد تأخذ بعين الإعتبار شحة الموارد المائية والمشاكل مع الدول المتشاطئة مع العراق وطرح آليات وبدائل لتراجع القطاع الزراعي نتيجة ذلك وتنامي الإستيراد بهذا القطاع على حساب المنتوج المحلي، وهذا يحتاج إلى قرار سياسي سيادي وطني قوي يواجه السياسات المائية لتركيا وإيران وسوريا ويضمن الحصص المائية، إضافة للحاجة إلى خُبرات قادرة على طرح آليات شراكة مع تلك الدول تربط التحكم بمنسوب الحصص المائية بالاستيراد عبر إقامة شركات زراعية موازية ضخمة مع تلك الدول تقنن الاستيراد وربطه بالمياه.

7- تطبيق فكرة النفط مقابل البناء والإعمار، ويتضمن التعاقد مع شركات عالمية متخصصة لبناء محطات الكهرباء وتنشيط القطاع الصناعي الوطني وبناء المدن وصيانة الطرق وكل ما يتعلق بالبنى التحتية دون إعطاء بدل نقدي بل نفط بشكل مباشر لدول تلك الشركات خارج التسويق بالإتفاق مع أوبك، وتشمل عملية المبادلة استيراد الغاز والسلع والخدمات المهمة التي يتم استيرادها بشكل دائم مع ضمان تشغيل الأيدي العاملة المحلية لمواجهة البطالة وإيقاف نزيف هجرة الكفاءات الوطنية الشبابية وعدم هدر الطاقات والإمكانيات.

8- الشراكة مع القطاع الخاص المحلي الرصين والأجنبي ذات الصيت العالمي، وهنا إطلاق دور القطاع الخاص لا يعني الخصخصة وبيع بعض مؤسسات القطاع العام، بل أخذ دوره في خلق أفكار جديدة والاستثمار فيها والإسهام في نمو الاقتصاد الوطني، وتفعيل فكرة القطاع المختلط والمساهم في كل المشاريع التنموية والاستثمارية، كذلك تفعيل فكرة دعم القطاع الحكومي ليكون قطاع استثماري أو خاص في الدول الأجنبية خصوصا ما يتعلق بالأسهم والسندات وشراء الأراضي وزراعتها خارج العراق لتحريك عجلة الاقتصاد العراقي وإستعادة عافيته الدولية، وكذلك الاستفادة في ما يخص سد حاجة السوق المحلي عبر الاستثمار في الدول المنتجة لبعض السلع الأجنبية بدل الاستيراد.

9- تطبيق آلية التبادل النقدي مع دول العالم عبر المبادلة بإيداع العملة الأجنبية مقابل العملة المحلية وإعطاء تلك الدول مشاريع تنموية في العراق بشكل استثمارات يعمل على دعم السياسة النقدية والمالية للعراق وقوة الدينار العراقي وتأمين احتياطي من العملة الصعبة، والعمل على توجيه المصارف الحكومية على تسهيل الائتمان بما يعزز آداء الاقتصاد المحلي.

10- إصلاح السياسة المالية والنقدية للدولة العراقية وطرح أفكار لتقنين مزاد العملة وشركات الصيرفة وضبط عمل المصارف الأهلية، ودعم المصارف الحكومية لتكون شريك اقتصادي فاعل للاستثمار في المشاريع النافعة الداخلية والخارجية وخاصة الاستفادة من المغتربين العراقيين لفتح نوافذ مصرفية لهم للإيداع دون ضرائب أو رسوم بدل أن توضع مدخولاتهم في المصارف الأجنبية مع وضع خطط وضمانات لنجاح تلك الاستثمارات والإيداعات على أن تكون العوائد للموازنة العامة وتخصص الأرباح لبند دعم التنمية وإعادة الإعمار وتحسين مستوى الخدمات.

هذه الرؤى والآليات تحتاج إلى حاضنة براغماتية عملية من قبل الحكومة ومجلس النواب كما تحتاج إلى إعادة تقييم المراحل السابقة وتشخيص نقاط الضعف ومكامن القوة واستثمارها وتجسيد تلك المعطيات في تشريع إستراتيجية وطنية جديدة تتضمن تلك المقترحات وأي مقترحات أخرى ساندة. يتولى مجلس النواب إقرار تلك الإستراتيجية وجعلها ملزمة للحكومة وقابلة للتنفيذ وبمديات منظورة الأجل ومتوسطة المدى عبر الخطط الخمسية وتمنح الحكومة صلاحيات التعديل والتطوير حسب الحاجة وتحاسب على تنفيذها بأن تكون معيار للنجاح أو الإخفاق.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق