المشكلة تظهر جليا لدى غالبية المواطنين عندما تكون الخدمات المطلوبة حكرا على إدارات القاطع العام دون شركات القطاع الخاص، وعندما لا يقوم القطاع العام بتوفيرها بطريقة ميسرة، مما يضطر المواطنون إلى دفع مبالغ مالية كبيرة للسماسرة والموظفين المباشرين وغيرهم من مزودي الخدمة من أجل الحصول...
كل خدمة تقدمها الإدارة في القطاع الخاص أو العام لها إجراءات عمل مقررة ومعتمدة، وعلى كل طالب خدمة السير بهذه الإجراءات للحصول عليها، فأما القطاع الخاص فانه يميل إلى تبسيط الإجراءات الإدارية اللازمة للحصول على خدماته، فخدمات شركات القطاع الخاص عادة ما تكون متوفرة وسهلة ومرنة، لأن هدفها هو كسب رضا الزبائن، ورضا الزبائن يوفر لها زبائن دائمين، والزبائن الدائمون يوفرون المال الكثير.
غير أن القطاع العام، بالتشريعات والأساليب والإجراءات المعمول بها فيه، والتي كانت تعتبر لفترة طويلة من ضروراته، لن يكون قادرا على مجاراة القطاع الخاص المتحرر من هذه القيود، وإذا رغب في اللحاق بالتطور، لابد له أن يراجع تشريعاته وأساليبه وإجراءاته، وبأقصر وقت بين الطلب والاستلام. حيث يميل القطاع العام إلى تعقيد الإجراءات اللازمة للحصول على خدماته، فخدمات إدارات القطاع العام ليست متاحة في كل وقت، وليست سهلة ولا مرنة، وليست مجانية دائما، مع أن إدارات القطاع العام تمتلك من الموارد البشرية والمادية أكثر مما تمتلكه شركات القطاع الخاص.
ربما تكون مسألة الحصول على الخدمات الأساسية ليست ذات أهمية لدى بعض المواطنين الميسورين الذين يمكن أن يحصلوا على تلك الخدمات من شركات القطاع الخاص، أو يمكن أن يحصلوا عليها من إدارات القطاع العام التي توفر بعض الخدمات بالسرعة المطلوبة لمن يدفع مبالغ مالية فوق العادة، كخدمة إصدار الجوازات مثلا.
إلا أن المشكلة تظهر جليا لدى غالبية المواطنين عندما تكون الخدمات المطلوبة حكرا على إدارات القاطع العام دون شركات القطاع الخاص، وعندما لا يقوم القطاع العام بتوفيرها بطريقة ميسرة، مما يضطر المواطنون إلى دفع مبالغ مالية كبيرة للسماسرة والموظفين المباشرين وغيرهم من مزودي الخدمة من أجل الحصول عليها في الوقت والزمان المناسبين للمواطن.
انطلاقا من ذلك، فان القطاع العام عموما مازال قطاعا طاردا غير جاذب للمتعاملين؛ وخدماته ليست مشجعة دائما، رغم أنه المعني الأول بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وهذا يعني إن إدارات القطاع العام، إذا ما أرادت أن تقدم خدمة سهلة ومرنة وذات جودة عالية، وإذا ما أرادت أن تنصف مواطنيها، وتوفر لهم خدماتها الأساسية، وتحد من مظاهر الفساد الإداري والمالي المستشري بين مسؤوليها وموظفيها، فإنها مضطرة إلى تبسيط إجراءاتها الإدارية، وهي إجراءات مطولة ومعقدة تتسم بكثرة عدد المراحل التي تمر فيها المعاملة. وكثرة السجلات المطلوب الرجوع إليها أو ملاحظتها، وكثرة عمليات الرقابة والتدقيق، وضياع المعاملات، وزيادة شكاوى المواطنين، وغيرها.
يمثل تبسيط الإجراءات جزءا هاما من إستراتيجية التنمية الإدارية، وهي ترتكز على تحسين علاقة الإدارة بالمواطن من ناحية، والعناية بالموظف من ناحية أخرى. والإجراءات الميسرة تعبر عن مظاهر تقدم الدولة، ففي الماضي اقتصرت تطلعات المستهلكين على الحصول على الخدمة بأي وسيلة، أما في العصر الراهن فقد اختلفت متطلبات ورغبات المستهلكين التي تزايدت لتشمل نوعية الخدمة، وكيفية تقديمها، ومدى سهولة الحصول عليها،
تُعرف عملية تبسيط الإجراءات بأنها "الحصول على أسهل وأسرع وأرخص الطرق لإنجاز العمل) فتبسيط الإجراءات يعني عمليات أقل، ومستندات أقل، ووقت أقل، واحتكاك أقل مع الجمهور. وتظهر أهمية التبسيط من خلال تسهيل أمور المواطنين، حيث إن إطالة الإجراءات وتعقيدها تؤدي إلى عرقلة تقديم خدمات للمواطنين وتعمل على زيادة معاناتهم وزيادة التكاليف المادية والمعنوية، إضافة إلى شعور المراجعين بعدم الرضا عن أداء وخدمات التنظيمات الإدارية، ثم من خلال تسهيل أمور العاملين.
يشِّكل تبسيط الإجراءات الإدارية دعامة أساسية من دعائم الإصلاح الإداري الشامل، من شأنه الارتقاء بعملية تفعيل مؤسسات القطاع العام وتعزيز شفافيته، ويحقق تبسيط الإجراءات الإدارية، مجموعة من الفوائد، لكل من الإدارة القائمة بالتبسيط، والجهة المتعاملة معها، سواء كانت من المواطنين أو قطاع الأعمال، ومن أهم الفوائد التي يؤدي إليها تبسيط الإجراءات هي تسهيل إجراءات العمل والتقليل من مخاطر ارتكاب المخالفات والأزمات، والتجاوزات، إضافة إلى أن بساطة الإجراءات تؤدي إلى إتقان العمل وزيادة الرضا الوظيفي. ويساعد تبسيط الإجراءات على التقليل من التكاليف على المتعاملين وعلى إدارة القطاع، مادامت الإجراءات واضحة، سهلة الإدراك. وكذلك يحد من مظاهر الفساد الإداري: وذلك لأن كثرة الإجراءات وتعقيدها تجعل بعض الموظفين والمراجعين يلجئون إلى استخدام الرشوة، وكل ذلك يمكن القضاء عليه بعمل تغيير شامل في أساليب العمل وتبسيط الإجراءات.
وقد سارعت دول مختلفة إلى تحديث التشريعات وتيسير الأساليب وتبسيط الإجراءات الإدارية في القطاع العام، فعملت على تعزيز استخدام المعلوماتية وتوسيع الاتصال بجمهور المتعاملين عبر الشبكة الإلكترونية، وإعادة هندسة عمليات الإدارة العامة، وإنشاء ما عرف بـ "الحكومة الإلكترونية" عن طريق استخدام تكنولوجيا المعلومات، وبصورة خاصة الإنترنت في تقديم المعلومات والخدمات، بأكثر الطرق ملائمة، والموجهة لصالح المستهلك.
وخلاصة الأمر أن تبسيط الإجراءات لم يعد خيارا، بل هو ضرورة إدارية لازمة لكل إدارة لشركة عامة أو خاصة تريد أن تحققها أهدافها في التنمية والإبداع، وتكون أفضل من غيرها في تقديم الخدمة من حيث المرونة والمقبولية والجودة، ويمكن التوصل إلى مفهوم تبسيط الإجراءات وتحديد معناه المقصود من خلال العناصر التالية:
1- حذف الخطوات غير الضرورية التي لا مبرر لها، ولا فائدة منها، بما يساعد الموظفين على إنجاز معاملات المواطنين بأقصر وقت ممكن.
2- دمج الخطوات الصغيرة والمتقاربة في خطوة واحدة، وبعدد قليل من الموظفين، بما يساعد على تقليل زمن إنجاز المعاملات، ويحد من تبعثر المسؤوليات.
3- التقريب المكاني بين مكاتب الموظفين المشتركين في انجاز الخدمة الواحدة بحيث يصبح هؤلاء الموظفون موجودين في مكان واحد، بما يؤدي إلى تسيير معاملات المواطنين طالبي الخدمات، وتقصر المسافات بين مكاتب الموظفين بما فيها التخلص من الجدران الداخلية (إذا أمكن) وفتح المكاتب على بعضها البعض.
4- إعادة ترتيب أماكن عمل الموظفين والمسؤولين، في المواقع المناسبة للموظفين، والأماكن المناسبة للأجهزة والمعدات، بما يساعد على انجاز الخدمات بشكل انسيابي متسلسل، يسهل على الموظفين نقل الأوراق فيما بينهم دون حاجة إلى مساعدين أو المراسلين، وذلك وفق الآتي:
أ- ترتيب مكاتب الموظفين في وضع متسلسل.
ب- وضع الموظفين المرتبطين بالأعمال، بالقرب من بعضهم البعض.
ت- وضع المكاتب بحيث ينظر الموظفون في اتجاه واحد.
ث- أن تكون مكاتب المشرفين والرؤساء خلف مكاتب الموظفين.
ج- وجود مساحة كافية لسهولة حركة الموظفين بين المكاتب.
5- أن يقوم المسؤولون في الإدارات بتفويض بعض صلاحياتهم إلى الموظفين الآخرين، أي نقل جزء من السلطة أو الصلاحية من المستوى الإداري الأعلى إلى المستوى الذي يليه حتى تتمكن المستويات الإدارية الوسطى من تسير أعمال المواطنين بطريقة سهلة وميسرة.
6- إعادة النظر في النماذج المستخدمة في انجاز معاملات المواطنين، لاسيما تلك النماذج القديمة غير المتناسبة مع المقتضيات والمستجدات ولم تجر عملية مراجعة لها منذ فترات طويلة.
7- أن يتولى المسؤولون متابعة تأثير علمية تبسيط الإجراءات من خلال الملاحظات والمشاهدات أو الزيارات أو اللقاءات مع الجهة المقدمة للخدمة والمواطنين واستبانات مع المواطنين المستفيدين.
8- مكافئة الموظفين المتميزين الذين طبقوا عملية تبسيط الإجراءات ومساءلة ومحاسبة الموظفين الذين وقفوا بالضد منها أو لم يستطيعوا تطبيقها كما هو مرسوم لها، واقتراح الإجراءات التصحيحية لمسار تقديم الخدمة إن وجدت.
....................................................................................
اضف تعليق