في هذا العام يكون قد مضى على غياب إمامنا الثاني عشر؛ المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، 1110 عام، بعد وفاة آخر سفرائه الاربعة، وهو ابو الحسن علي بن محمد السمري، سنة 329هـ وطيلة هذه القرون كان الشيعة والموالين لأهل بيت رسول الله، يواكبون تطورات الحياة بخطى ثابتة ورؤية ثاقبة، ومن ابرز المسارات؛ المسيرة العلمية...
في هذا العام يكون قد مضى على غياب إمامنا الثاني عشر؛ المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، 1110 عام، بعد وفاة آخر سفرائه الاربعة، وهو ابو الحسن علي بن محمد السمري، سنة 329هـ وطيلة هذه القرون كان الشيعة والموالين لأهل بيت رسول الله، يواكبون تطورات الحياة بخطى ثابتة ورؤية ثاقبة، ومن ابرز المسارات؛ المسيرة العلمية، فالأمم والشعوب عبر التاريخ إنما تطورت وتقدمت من خلال العلم والمعرفة، وقد احتفظ المسلمون الأوائل بالسبق الحضاري العظيم، بالجمع بين العلوم الطبيعية والانسانية من جهة، والعلوم الروحانية – إن صحّ التعبير- من جهة أخرى، فقد برعوا في علوم الكيمياء والهندسة والفلك والطب، كما برعوا في علم الفقه واللغة والقرآن الكريم والعقائد والكلام (الفلسفة)، وكانت الانطلاقة الاولى بشكل "أكاديمي" من عهد الامام الصادق، عليه السلام، فكان الامام يوجه تلاميذه لمن يريد الإجابة عن أي سؤال في هذه العلوم وغيرها، فلا يبقى سؤال دون جواب علمي يقنع الطرف المقابل.
بيد أن المشكلة في هذه المسيرة في القطيعة التي حصلت مع العلوم الطبيعية والانسانية، حيث عكف علماؤنا في القرون الاخيرة على دراسة علوم الدين والاخلاق وكل ما له صلة بالروح والنفس الانسانية، وأهملت العلوم الاخرى التي لها صلة بحياة الناس اليومية، فانتقلت الدراسة المعمّقة في الهندسة والطب والأحياء، الى جانب علوم انسانية مثل؛ الاقتصاد والاجتماع والتاريخ والسياسة والقانون، ولذا تمكن الغرب من تشييد حضارته والتوسع في العالم من خلال جولات المستشرقين وحملات المستعمرين، مما جعل المسلمين في زاوية حرجة لا يرون أي ملامح للتطور والتقدم في الحياة، إلا من خلال الافكار والنظريات المنبعثة من فرنسا وبريطانيا والمانيا، بيد أن المسلمين الشيعة، ورغم حاجتهم الشديدة الى المنجزات الحضارية للغرب فانهم تميزوا عن الآخرين باكتفائهم الذاتي علمياً وثقافياً، بحيث يكون بامكان فقيه وعالم دين يرجع اليه الشيعة في أمورهم، بامكانه الإدلاء برأيه في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون، فكيف يكون ذلك؟
إن مصدر معظم العلوم الانسانية وحتى الطبيعية ايضاً؛ جملة من الاستنتاجات والافتراضات والتحليلات التي قد تصيب وقد تخطأ، سواءً في بداية انطلاقها، او بعد حين لاختلاف الظروف، بينما مصدر علوم مراجع الدين الشيعة، فهو ليس نتاج تفكير بشري، بل هو يتصل بمنهج سماوي ممتد الى النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وقد رويت حالات عدّة لعلماء دين كبار حصلوا على أجوبة لأسئلة مستعصية من الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، بطرق ووسائل مختلفة، منها؛ ما يرويه الفقيه الراحل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي –طاب ثراه- بأن المقدس الاردبيل أحد أبرز مراجع الدين الشيعة في زمانه (648 ـ 726 هـ)، استعصت عليه مسألة فقهية، فتوجه الى رحم أمير المؤمنين، عليه السلام، في النجف، فجاءه الجواب من الامام بأن يتوجه الى مسجد الكوفة فهناك "ولدي المهدي موجود في المسجد"، فذهب وحصل على ما يريد.
وفي التعامل مع القضايا السياسية المتعلقة ذات العلاقة بمصير الامة، يروي الشيخ النائيني، صاحب كتاب "تنبيه الأمة وتنزيه الملّة"، بأنه كان من علماء الدين المتسورين حول المرجع الديني الاعلى في زمانه؛ السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي في مدينة سامراء للتباحث في كيفية التعامل مع ما فعله الملك الايراني ناصر الدين شاه ببيع امتياز زراعة وانتاج التبغ لشركة بريطانية، يقول النائيني: مضت أيام عدّة ونحن نتباحث هذه القضية مع المرجع الشيرازي، وذات يوم طلب من العلماء بكتابة صيغة للفتوى المنددة بالمعاهدة، ثم جمعها ووضعها تحت البساط الذي يجلس عليه، وبعد هنيئة – يروي النائيني- مد يده وأخرج ورقة واحدة وهو يقول: "هذه الورقة جائتني من المهدي المنتظر، وفيها ما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم استخدام التبغ بمنزلة محاربة الإمام المهدي".
وهناك امثلة عديدة في هذا المجال يكون فيه علماؤنا على ارتباط مباشر بالامام الحجة المنتظر، يأخذون منه حلولاً وأجوبة لأي مسألة مستعصية، وفي عهد الشيخ المفيد، وكان أبرز مراجع الدين في بغداد (336هـ - 413 هـ) حصل أن تخلّى عن الفتيا واعتزال الناس لفترة من الزمن بسبب مشاحنات طائفية وقعت في حينها، فجاءه النداء أن "أفتِ يا مفيد، منك الفتيا ومنّا التسديد".
ان الاجوبة العلمية من مصدر كهذا لا يدانيه ولا يضاهيه أي منجز علمي آخر مهما كان، إنما يحتاج الى التطبيق العملي والتسمك به واتخاذه نبراساً لاختراق مسائل علمية اخرى والاستفادة منها لما تحتاجه الامة في حل مشاكلها وازماتها المستعصية، مما يمكن القول معه، بأن الثروة العلمية لدى علماء الدين الشيعة بامكانها – مع استثمارها بالشكل الصحيح- ان تغير مجرى التاريخ والحضارة بشرط الوصول الى الطريق المؤدي الى هذه الثروة العلمية الهائلة.
اضف تعليق