ان البشرية تواجه حاليًا ضغوطًا تُقلص المساحة المتاحة للتنمية والتقدم، في ظل التحديات المناخية الراهنة، والاستهلاك المفرط لدى الأقلية الثرية التي تعيش على الأرض، وأفاد مؤلفو الدراسة بأن الوضع العالمي قائم حاليًا على "عدم المساواة"، وتصاعد السياسات غير الملائمة لتحقيق العدالة في توزيع الموارد...
ما تزال تداعيات تغير المناخ، وارتفاع درجة حرارة الأرض تُؤرِّق العلماء، لتحديد السيناريوهات التي سيشهدها العالم خلال السنوات المقبلة، وسط تهديد بذوبان الأنهار الجليدية، وارتفاع مستوى سطح البحر وغرق العديد من المدن الساحلية.
وأظهرت دراسة حديثة لعلماء من لجنة الأرض (The Earth Commission) -التي تضم فريقًا دوليًا من علماء الطبيعة والجيوليوجيا- أن البشرية تواجه حاليًا ضغوطًا تُقلص المساحة المتاحة للتنمية والتقدم، في ظل التحديات المناخية الراهنة، والاستهلاك المفرط لدى الأقلية الثرية التي تعيش على الأرض، وأفاد مؤلفو الدراسة بأن الوضع العالمي قائم حاليًا على "عدم المساواة"، وتصاعد السياسات غير الملائمة لتحقيق العدالة في توزيع الموارد، ومقابل ذلك، أبدى العلماء تفاؤلًا بإمكان تغيير التوجهات الحكومية والرأي العام العالمي مع تزايد الضغوط المناخية، لتجنّب عدم الاستقرار الاجتماعي والهجرة وتفشي الصراعات.
بارقة أمل
دفع التدهور البيئي المتزايد وتغير المناخ إلى تقليص الحدود الآمنة لضمان بقاء البشرية على كوكب الأرض، بحسب ما أكده مؤلفو دراسة "لجنة الأرض".
وعلى الرغم من الواقع الضبابي، يرى الباحثون أن هناك متسعًا من الوقت لإنشاء مساحة آمنة من التقدم لتحقيق الازدهار للبشرية، وفقًا لتفاصيل نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية (theguardian) ، ورهن الباحثون تحقيق ذلك بشرط التحول الجذري في الخطط السياسية والاقتصادية للحكومات، لضمان التوزيع العادل للثروات، والتخلص التدريجي والسريع من مصادر الوقود الأحفوري، وتبني أهداف الحياد الكربوني، وأنماط الحياة المستدامة.
وأكدوا ضرورة وضع قيود على الاستهلاك المفرط لدى البعض، وتسعير الموارد تدريجيًا، وتخطيط استعمال الأراضي، والاتجاه لفرض الضرائب التصاعدية، لمعالجة عدم المساواة وزيادة حجم الإيرادات؛ من أجل الاستثمار في التقنيات والبنية التحتية.
مخاوف الحكومات
أقرَّ أحد مؤلفي الدراسة أن حجم التغيير المطلوب لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية سيثير المخاوف لدى العديد من الحكومات، وقالت الرئيسة المشاركة السابقة للجنة، أستاذة البيئة والتنمية بجامعة أمستردام، جوييتا غوبتا، إن الحكومات لن ترحب بأي خطوات تغييرية مرتقبة، لكنها ترى أنه ما زال هناك مساحة للتغيير، يُشار إلى أن الدراسة -المنشورة في دورية (لانسيت بلانيتاري هيلث)- استهدفت طرح خريطة طريق حول كيفية بقاء 7.9 مليار شخص يعيشون حاليًا في العالم على قيد الحياة، مع إمكان الوصول إلى مستلزمات الحياة الأساسية، دون التخوف من أي تداعيات محتملة لتغير المناخ.
ووضعت الدراسة حدًا عادلًا لمتطلبات الحياة اليومية الأساسية لكل شخص بواقع 2500 سعر حراري من الطعام، و100 لتر من المياه، و0.7 كيلوواط/ساعة من الكهرباء، و15 مترًا مربعًا للمسكن الملائم، وترى الدراسة استحالة بقاء البشرية في ظروف صحية آمنة في ضوء الأوضاع الاجتماعية والبيئية غير العادلة حاليًا، التي تعتمد على الاستهلاك المفرط للوقود الأحفوري، وحدّد الباحثون الإطار الآمن الذي يمكن من خلاله استمرار البشرية على قيد الحياة، دون زيادة تداعيات أزمة تغير المناخ والأنظمة البيئية.
مناطق الخطر.. وتوصيات
حدّدت الدراسة أماكن السكان الأكثر عرضة لأضرار التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث ونقص موارد المياه، التي تمركزت غالبيتها في آسيا وجانب من أميركا الجنوبية، وشملت مناطق الخطر: الهند، وإندونيسيا، والبرازيل، والصين، وباكستان، ولفتت الدراسة إلى تعرّض أكثر من 200 مليون شخص في الصين والهند وباكستان لدرجات حرارة مرتفعة للغاية في ضوء أزمة تغير المناخ.
وأوصت الدراسة بالحد من استعمال 15% من مسببات الانبعاثات الكربونية التي تزيد تداعيات تغير المناخ، بجانب سرعة تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، والتقنيات المستدامة، محذرة من تأخر التغيير؛ ما قد يؤدي إلى تراجع المساحات الآمنة والعادلة للبشرية التي يمكن البقاء فيها بحلول عام 2050.
وقال الرئيس المشارك للجنة الأرض يوهان روكستروم، إن الحدود الآمنة اللازمة للبشرية لمواجهة التداعيات المناخية محدودة للغاية، وأكد روكستروم أهمية الاستعانة بمخرجات الدراسة بوصفها حافزًا لاتخاذ إجراءات علاجية عاجلة للأزمات التي يمر بها كوكب الأرض، وقدرت الدراسة إمكان خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تتراوح بين 40 و80%، شريطة تخفيض الطلب على الموارد.
اضف تعليق