تتّسع رقعة حرائق الغابات في العديد من البلدان من أميركا الشمالية إلى أوروبا خلال الصيف الحالي، بأكثر الأعوام سخونة على الإطلاق في نصف الكرة الشمالي، والتهمت هذه الحرائق مساحات شاسعة عبر تركيا واليونان وكندا والولايات المتحدة الأميركية في هذا الصيف، في الوقت الذي رفعت فيه الموجات الحارة المتطرفة درجات الحرارة...

تتّسع رقعة حرائق الغابات في العديد من البلدان من أميركا الشمالية إلى أوروبا خلال الصيف الحالي، بأكثر الأعوام سخونة على الإطلاق في نصف الكرة الشمالي، والتهمت هذه الحرائق مساحات شاسعة عبر تركيا واليونان وكندا والولايات المتحدة الأميركية في هذا الصيف، في الوقت الذي رفعت فيه الموجات الحارة المتطرفة درجات الحرارة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.

ووفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، زادت تلك الحرائق المتطرفة بأعلى من الضعف عالميًا -في المتوسط- من حيث الشدة والعدد خلال العقدَيْن الأخيرَيْن، وتؤدي الانبعاثات الكربونية الهائلة المُنطَلقة من حرائق الغابات إلى زيادة معدلات الاحتباس الحراري العالمي، ما يتسبب في مزيد من الحرائق، بل ومن الممكن أن يَنتُج عن تلك الحرائق خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والحياة البرية، إلى جانب أضرار بمليارات الدولارات.

حرائق مدمرة

أظهرت دراسة حديثة نشرتها دورية نيتشر إيكولوجي أند إيفولوشن (Nature Ecology & Evolution) العلمية، أن أكثر حرائق الغابات تطرفًا قد لامست نسبتها 0.01% -قيست بكمية الطاقة المُنبَعثة منها يوميًا-، ما يعادل قرابة 3 آلاف حادثة.

واعتمدت الدراسة، في تلك النتائج، على تحليل البيانات المُلتَقَطة بأقمار اصطناعية تابعة لوكالة الفضاء الدولية "ناسا"، التي تعبر فوق كوكب الأرض 4 مرات يوميًا، وشمل هذا العدد (3 آلاف حادثة) حرائقَ مدمِرة في غرب الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال وإندونيسيا وسيبيريا وتشيلي والأمازون، لكن المنطقة الشرقية من الولايات المتحدة لم تتأثر بالصورة المتوقعة، على الرغم من وجود غابات كثيفة في بعض الأماكن، ما عزاه الباحث في جامعة تسمانيا الأسترالية -قائد فريق الدراسة- كالوم كنينغهام إلى وجود أنواع مختلفة من الأشجار الأقل عُرضَة للجفاف.

وأظهر تحليل بيانات الأقمار الاصطناعية أن عدد الحرائق المتطرفة قد ارتفع بأكثر من 10 مرات في السنوات الـ20 الماضية في غابات الصنوبر المعتدلة، مثل تلك الموجودة في غرب الولايات المتحدة والبحر المتوسط، وزادت تلك الحرائق 7 أضعاف في الغابات مترامية الأطراف شمال أوروبا وكندا، كما كانت أستراليا بقعة ساخنة لمثل تلك الظواهر المدمرة، حسب الدراسة.

وتضاعفت شدة أسوأ حرائق الغابات تطرفًا منذ عام 2003، وشهد العالم أعلى 6 سنوات من حيث عدد تلك الحرائق المتطرفة منذ عام 2017، وفق الدراسة، التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

3 بلدان عربية مهددة

خلال العام الماضي (2023)، تعرّض العديد من البلدان العربية لحرائق غابات تسبّبت حينها في مصرع عشرات الأشخاص، وإصابة آخرين بأعداد كبيرة، وما تزال تلك البلدان مهددة بتلك الكوراث خلال العام الحالي (2024).

وبرزت الجزائر في مقدمة الدول العربية التي اجتاحتها تلك الكوارث، بعد أن امتدت حرائق الغابات إلى 15 محافظة بها، وأودت بحياة 40 شخصًا على الأقل، من بينهم جنود كانوا يشاركون في جهود الإطفاء، وبلغت درجات الحرارة مستويات قياسية في بعض المناطق بالجزائر، مسجلةً 50 درجة مئوية، وفق ما نشره موقع "تي إس إيه" الجزائري، نقلًا عن الديوان الوطني للأرصاد الجوية.

ولم تكن تونس هي الأخرى بمنأى عن حرائق الغابات في عام 2023، حينما اندلعت في منطقة طبرقة شمال غرب البلاد، واضطرت السلطات -آنذاك- إلى إجلاء أكثر من 300 شخص من قرية ملولا الساحلية عبر القوارب، ولم تسلم سوريا -كذلك- من تلك الحرائق، وتحديدًا في محافظة اللاذقية المطلة على البحر المتوسط شمال غرب البلاد، واضطرت السلطات المحلية إلى الاستعانة بالمروحيات العسكرية لإخماد النيران، كما شملت قائمة الدول التي تعرضت لحرائق غابات ضخمة في عام 2023، اليونان، وكرواتيا، وإيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، ومونتينيغرو (الجبل الأسود)، والبرتغال، وتركيا.

العالم ليس مستعدًا

على الرغم من الموارد الإضافية المُخصصة لتحسين آليات مكافحة الحرائق خلال السنوات الأخيرة، يُجْمِع الخبراء على أن العالم ليس مستعدًا للتعامل مع "الوحشية المتزايدة" لحرائق الغابات التي يغذّيها تغير المناخ، وأوضح العلماء أن عمليات التخطيط والاستعداد لمكافحة تلك الكوارث الطبيعية لم ترقَ إلى مستوى الحدث، وقال مدير مركز بحوث حرائق الغابات (the Centre for Wildfire Research) في جامعة سوانسي البريطانية، ستيفان دوير: "ما زلنا نحاول مواكبة هذا الوضع"، ويصعُب التنبؤ بشراسة حرائق الغابات، أو حتى بمكان حدوثها أو زمانها، في ظل اعتماد ذلك على عوامل عدّة، من بينها ظروف الطقس المحلية.

زيادة متوقعة

في شهر يونيو/حزيران (2024)، نُشِرت نتائج دراسة منفصلة أظهرت أن عدد حرائق الغابات المتطرفة وحجمها قد تضاعفا خلال السنوات الـ20 الماضية، ومن المتوقع أن يرتفع عدد حرائق الغابات المتطرفة عالميًا بنسبة 50% بحلول نهاية القرن الحالي، وفق تقرير صادر في عام 2022 عن برنامج البيئة العالمي، طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وقال مدير مركز بحوث حرائق الغابات في جامعة سوانسي البريطانية ستيفان دوير، إن البشرية لم تَفْطن -بعد- إلى تلك الحقيقة، موضحًا: "لم نستعد جيدًا بما يكفي لمواجهة هذا الوضع الذي نحن بصدده الآن"، ويبرُز تغير المناخ عاملًا رئيسًا في حدوث تلك الظواهر الكارثية، من بين عوامل أخرى قد تؤدي دورًا مهمًا في هذا الخصوص، مثل استعمال الأراضي وموقع التطوير العمراني.

لامبالاة بالخطر

يكون للمنظمات المحلية والسكان المحليين -في الغالب- السبق في إزالة النباتات من المناطق المحيطة بمنازلهم ومجتمعاتهم، غير أن أيًا من تلك المنظمات أو هؤلاء السكان لا يعترفون بالمخاطر التي تتعرّض لها مناطقهم.

وفي هذا الخصوص قال خبير في مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- خيسوس سان ميغيل: "الناس لا يعتقدون أنهم سيصبحون عُرضة لمخاطر حرائق الغابات، لكن هذا ما يحدث في النهاية"، واعتادت كندا على وضع جديد يتمثّل في نشوب حرائق الغابات، في حين تستعد بعض البلدان في الأراضي الإسكندنافية لمواجهة خطر حرائق أكبر من أيّ وقت مضى، وإسكندنافيا هي شبه جزيرة تقع في شمال قارة أوروبا، وتتكون من دول: الدنمارك، والنرويج، والسويد.

ذاكرة ضعيفة

قال الخبير في علوم الحرائق في إمبريال كوليدج لندن، غيليرمو راين، إن طُرق التعامل مع حرائق الغابات على النحو الأمثل تظل مسألة مفتوحة، حتى في الأماكن التي كانت فيها الحرائق جزءًا من المشهد الطبيعي منذ مدة طويلة، بل حتى الأماكن التي اجتاحتها حرائق الغابات مؤخرًا، لم تعِ الدرس من تلك الظواهر الخطيرة، وأوضح راين: "الناس لديها ذاكرة ضعيفة جدًا بشأن هذا النوع من الحرائق"، في يوليو/تموز (2022)، شهدت لندن أسوأ يوم من حرائق الغابات منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن بحلول نهاية العام نفسه، كان الأكاديميون فقط هم الذين ما زالوا يتحدثون عن أفضل السبل للاستعداد لتلك الظواهر مستقبلًا، وتابع: "خلال اندلاع تلك الحرائق الجميع يستفسرون بشأنها، وعندما تتلاشى، ينسى الناس كل شيء عنها خلال عام".

اضف تعليق