يتجه الكثير من الباحثين إلى الدواء الأخضر من أجل تقليل البصمة البيئية لصناعة المستحضرات الصيدلانية، في ظل تنامي الوعي والاهتمام بالآثار البيئية السلبية المقترنة بتطوير الأدوية الاصطناعية وإنتاجها، وتتلخص إحدى الطرق التي يمكن من خلالها إنجاز صناعة دواء نظيفة في توسيع نطاق البحث عن العقاقير الموجودة بالفعل في الطبيعة...
يتجه الكثير من الباحثين إلى "الدواء الأخضر" من أجل تقليل البصمة البيئية لصناعة المستحضرات الصيدلانية، في ظل تنامي الوعي والاهتمام بالآثار البيئية السلبية المقترنة بتطوير الأدوية الاصطناعية وإنتاجها، وتتلخص إحدى الطرق التي يمكن من خلالها إنجاز صناعة دواء نظيفة في توسيع نطاق البحث عن العقاقير الموجودة بالفعل في الطبيعة.
ويُسهم إنتاج "الدواء الأخضر" من النباتات في القضاء على الكثير من –إن لم يكن على كل- معدلات استهلاك الكهرباء اللازمة لإنجاز لتلك الصناعة، إلى جانب خفض التلوث الناجم عن إنتاج المواد الكيميائية الاصطناعية في المختبر.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن إنتاج الأدوية من النباتات الطبيعية مباشرةً له تداعياته على البيئة؛ إذ إنه مع ارتفاع الطلب على العقاقير المُستخلَصة من النباتات، قد يصبح هذا النبات عُرضةً لخطر التناقص نتيجة الاستعمال المفرط.
وهذا بالفعل يثير القلق إزاء بعض النباتات المستعمَلة في المكملات الصحية الشعبية، مثل الجنسنغ الأميركي وعشب الغولدنسيل، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن).
اليوم العالمي للبيئة
تُسهم الانبعاثات الناجمة عن إنتاج الأدوية واستعمالها وكذلك التخلص منها في تلوث الأنظمة العالمية؛ ما يبرز الحاجة الملحّة لإنتاج ما يُطلَق عليه "الدواء الأخضر"، وفق ما خلصت إليه نتائج تقرير بحثي حديث نشرته دورية نيتشر ساستينابيليتي (Nature Sustainability).
ويتزامن نشر التقرير مع مراسم الاحتفال بفعاليات اليوم العالمي للبيئة الذي تنظمه الأمم المتحدة في الخامس من يونيو/حزيران من كل عام.
ووفق ما أعلنه برنامج الأمم المتحدة للبيئة، رفع "اليوم العالمي للبيئة" في نسخته هذا العام (2024) شعار "استعادة الأراضي ومكافحة التصحر وتعزيز القدرة على التكيف مع الجفاف"، وارتكزت الفعالية على محاور عديدة مهمة؛ في مقدمتها اتخاذ تدابير عاجلة لمكافحة تغير المناخ وآثاره، وحماية النظم الإيكولوجية البرّية وتحديثها وتعزيز استعمالها بشكل مستدام.
كما يُشجِّع "اليوم العالمي للبيئة" على رفع الوعي واتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية البيئة، بدعم من المنظمات غير الحكومية والشركات والكيانات الحكومية.
ويسلط تقرير نيتشر ساستينابيليتي الضوء على حقيقة مفادها أن الانبعاثات المنطلقة خلال عمليات إنتاج الأدوية واستعمالها والتخلص منها تؤدي إلى تلوث الأنظمة البيئية العالمية بالمواد الكيميائية السامة؛ ما يشكل مخاطر متزايدة على كل من الحياة البرية وصحة الإنسان بوجه عام.
دراسة حديثة
اهتمت دراسة حديثة منفصلة بقياس 61 صنفًا مختلفًا من الأدوية في مياه الأنهار من 1052 موقعًا عبر 104 دول، ووجدت أن 43% من تلك المواقع كانت لديها مستويات من العقاقير تتجاوز الحدود البيئية الآمنة، وفق ما هو منشور في المختبر الوطني للأدوية التابع للمركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية إن سي بي آي (NCBI).
بل إن بعض تلك المواقع لديها ما يصل إلى 34% من المكونات الدوائية النشطة الممزوجة بالمياه، وفق نتائج الدراسة التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ونتيجة لهذا التلوث، تُدرَج مكونات دوائية نشطة معينة -الآن- بوصفها موادّ ذات أولوية في لوائح المياه الأوروبية.
وتحذر الدراسة من أن التلوث بالعقاقير يدفع حكومات الدول إلى اتخاذ تدابير تتجاوز مجرد الالتزام بالحدود البيئية الأمنة؛ ما يُسلِّط الضوء على الحاجة إلى ممارسات عقاقير أكثر صداقة للبيئة.
ويؤكد التقرير الذي اشترك في إعداده 17 من علماء العالم، أن المستحضرات الدوائية لا غنى عنها للرعاية الصحية العصرية.
صناعة الدواء الأخضر
شدد العلماء على ضرورة الحاجة إلى تصميم وتصنيع الدواء الأخضر الأكثر استدامة تفاديًا لأي انبعاثات تُلحِق أضرارًا جسيمة بالبيئة والإنسان.
وقال أستاذ علم الأحياء البيئية وعلم السموم البيئية في جامعة إكستر الإنجليزية إن "تصميم وتصنيع الأدوية الخضراء من شأنه أن يساعد على ضمان استدامة صناعة الأدوية والرعاية الطبية؛ إذ إنها ستؤدي دورًا رئيسًا في الجهود الرامية إلى تقليص آثارها البيئية"، في تصريحات حصرية أدلى بها إلى مجلة فارماسيوتيكال تكنولوجي (Pharmaceutical Technology)
ويكتسب الموضوع زخمًا أكثر من أي وقت مضي؛ ففي مؤتمر التغيرات المناخية كوب 28 الذي استضافته الإمارات في أواخر العام الماضي (2023)، تعاون العديد من المدافعين عن الصناعات الدوائية ومنظمات الضغط في إدارة بيان مشترك لدعم إعلان المناخ والصحة.
ويسلط الإعلان المذكور الضوء على الآثار السلبية لتغير المناخ في الصحة، ويوضح تفاصيل الأهداف ذات الصلة لضمان نتائج صحية أفضل، مثل تنفيذ إجراءات تكيف ضد الأمراض الحساسة للمناخ والمخاطر الصحية.
ومع ذلك، فإن مساعي شركات الأدوية في تحقيق مبادرة الدواء الأخضر تشكل تحديًا كبيرًا؛ حيث تعهد العديد من شركات الأدوية بتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول أواسط القرن الحالي (2050).
مبادرة طموحة
تستهدف إحدى المبادرات الساعية إلى الحد من الانبعاثات الكربونية استبدال ما يُطلق عليه البيولوجيا الاصطناعية بالمواد الكيميائية المشتقة من مصادر الوقود الأحفوري المستعملة في الأدوية الجزيئية الصغيرة، وفق ما ورد في تقرير دورية نيتشر ساستينابيليتي، طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ومن الممكن أن تسهم العمليات الكيميائية الحاصلة في الطبيعة مثل الإنزيمات الميكروبية أو طريقة تعتمد على التخمير في خفض عملية التركيب الكيميائي للمواد الخام التي تتطلب كهرباء كثيفة.
والإنزيمات الميكروبية هي مادة عضوية تُفرَز بوساطة الكائنات الحية سواء حيوانية أو نباتية أو كائنات دقيقة، وتعمل على تحفيز التفاعلات الكيميائية الحيوية، وتتضح أهميتها في التطبيقات الصناعية والطبية.
وفي نهاية التقرير يحث العلماء مصممي ومصنعي الأدوية والعلماء وصناع السياسات على إدراك التهديد البيئي المتزايد الذي تشكله المواد الفعالة بيولوجيًا، مطالبين إياهم بمنح أولوية بشكل عاجل للتصميم الجزيئي المستدام للدواء الأخضر لمنع المزيد من الأضرار البيئية.
اضف تعليق