من المتوقع أن ترتفع فاتورة التحول الأخضر إلى نحو 9 تريليونات دولار سنويًا على مستوى العالم بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 1.3 تريليون دولار في عامَي 2021-2022، إذا ظل متوسط ارتفاع درجات الحرارة محدودًا بما يتماشى مع اتفاقية باريس لعام 2015...
من المتوقع أن ترتفع فاتورة التحول الأخضر إلى نحو 9 تريليونات دولار سنويًا على مستوى العالم بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 1.3 تريليون دولار في عامَي 2021-2022، إذا ظل متوسط ارتفاع درجات الحرارة محدودًا بما يتماشى مع اتفاقية باريس لعام 2015.
وتُعدّ آليات تمويل التحول الأخضر بمثابة التحدي الرئيس الذي يعرقل جهود دول العالم، حتى تتمكن من الالتزام بالجدول الزمني المحدد، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (ومقرّها واشنطن).
وتسعى الحكومات جاهدة إلى توفير التمويل اللازمة لبناء ما متوسطه 1000 غيغاواط من قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم كل عام حتى عام 2030، تنفيذًا لتوجيهات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة آيرينا (IRENA).
علاوةً على ذلك، لا بد من جعل المباني أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وتكييف البنية التحتية بجميع أنواعها للتعامل مع تأثيرات تغير المناخ، واستعادة البيئات الطبيعية وجعلها أكثر مرونة.
مصادر تمويل التحول الأخضر
في مختلف أنحاء العالم الصناعي، يتوقع الساسة أن يؤدي القطاع الخاص دورًا بارزًا في تمويل العديد من جوانب التحول الأخضر إلى اقتصاد أكثر مراعاةً للبيئة، ولكن سيتعين على دافعي الضرائب -أيضًا- أن يتحملوا جزءًا من الفاتورة.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أنه سيتعين على القطاع العام توفير نحو 30% من تمويل المناخ المطلوب على مستوى العالم، مع 70% من القطاع الخاص.
ومن المتوقع أن تؤدي الحكومات دورًا رئيسًا في تمويل البنية التحتية التي تُعدّ بالغة الأهمية لعملية التحول الأخضر -مثل الشبكات-، وكذلك في تكييف الاقتصادات مع تغير المناخ.
إلّا أن الساسة يشعرون بقلق متزايد بشأن تراكم الرسوم على المستهلكين في وقت يعاني فيه كثيرون من أزمة تكلفة المعيشة؛ بينما واجه آخرون ردّ فعل عنيفًا ضد التدابير الخضراء وتسييس تغير المناخ، ومن أجل جمع التمويل اللازم لتحقيق التحول الأخضر، تدرس الحكومات في جميع أنحاء العالم خيارات تتراوح بين ضرائب الثروة إلى الرسوم على الشحن.
على سبيل المثال: تخطط الولايات المتحدة لتمويل قانون الحدّ من التضخم من خلال جمع 300 مليار دولار على مدى العقد عبر مطالبة الشركات الكبيرة بدفع ضريبة بنسبة 15% على أرباحها بحدّ أدنى، وكذلك من خلال ضريبة إعادة شراء الأسهم، من بين تدابير أخرى.
وأدخلت نحو 40 دولة نوعًا من آلية تسعير الكربون -التي تحدد سعر الوقود الأحفوري-، ولكن الإيرادات المتولدة غالبًا ما تُستعمل للإنفاق الحكومي العام، بدلًا من تخصيصها لجهود المناخ، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة في تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times).
وفي عام 2021، قالت أيرلندا، إنها ستزيد ضريبة الكربون تدريجيًا إلى 100 يورو (107.8 دولارًا) لكل طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعث بحلول عام 2030، وستحمي الإيرادات المتزايدة لتمويل الاستثمارات المرتبطة بالمناخ ومنع فقر الوقود.
وبالإضافة إلى تقديم الدعم للأسر ذات الدخل المنخفض التي تعاني من ارتفاع فواتير الوقود، خُصصت 55% من الإيرادات المتزايدة الناتجة عن الضريبة لإعادة تأهيل المنازل، بما ذلك إمداد منازل الأسر ذات الدخل المنخفض بالمضخات الحرارية والعوازل، فضلًا عن تقديم المنح للأسر الأكثر ثراءً لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة.
تحركات لتمويل التحول الأخضر
يتطلع العديد من الدول الأخرى -أيضًا- إلى فرض ضرائب جديدة؛ ففي المملكة المتحدة، اقترح حزب العمال أن تُموَّل خطة "الرخاء الأخضر" من خلال فرض ضريبة مفاجئة على شركات النفط والغاز العملاقة.
ويمكن أن تجمع "ضريبة الاستخراج" الإضافية على شركات الوقود الأحفوري الكبرى في أغنى دول العالم، نحو 720 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير صدر في أبريل/نيسان 2024، بدعم من المجموعات البيئية والمنظمات غير الربحية، بما في ذلك منظمة غرينبيس (Greenpeace).
ويتطلع آخرون إلى استعمال الضرائب السياحية؛ ففي العام الجاري (2024)، اقترح حاكم ولاية هاواي الأميركية جوش غرين فرض ضريبة سياحية -في شكل رسوم تسجيل الوصول إلى الفندق بقيمة 25 دولارًا- لمساعدة الولاية على التعامل مع تأثير تغير المناخ، بحسب ما جاء في تقرير "فايننشال تايمز".
وفي برشلونة، التي تشهد حاليًا حالة طوارئ بسبب الجفاف، خصصت بلدية المدينة 100 مليون يورو (107.8 مليون دولار) من الضريبة السياحية التي تفرضها هذه الوجهة الشعبية لقضاء العطلات، لتركيب مضخات حرارية وألواح شمسية في المدارس المملوكة للدولة.
وتسعى الحكومات جاهدة لإيجاد خيارات أخرى، وفي قمة المناخ كوب 28، أطلقت دول -من بينها فرنسا وكينيا وبربادوس- فريق عمل للنظر في كيفية استعمال "مصادر التمويل المبتكرة"، مثل رسوم الشحن والطيران، لتمويل العمل المناخي.
وقالت فرقة العمل، إن الضرائب والرسوم المختلفة قيد التحقيق يُمكن أن تدرّ 2.2 تريليون دولار سنويًا، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتدعم دول أخرى الجهود الرامية إلى التخلص من دعم الوقود الأحفوري؛ بهدف تحرير الأموال المستعملة لدعم صناعة النفط والفحم والغاز لاستعمالات أخرى، وفي الوقت الحالي، يُنفَق ما لا يقل عن 7 تريليونات دولار على الدعم المباشر وغير المباشر للوقود الأحفوري سنويًا، وفي علامة أخرى على التعاون بين البلدان، وقّع وزراء المالية من أكثر من 90 دولة، تحالفًا يهدف إلى تعزيز العمل الوطني بشأن المناخ، وخاصة من خلال السياسة المالية واستعمال التمويل العام.
نقطة حاسمة في تغير المناخ
تقول وزيرة المناخ الكندية السابقة كاثرين ماكينا، إن الحكومات تستيقظ ببطء على وجهة النظر القائلة، إن معالجة تغير المناخ لم تعُد مهمة وزراء المناخ فقط.
وترى ماكينا أن الحكومات يُمكن أن تنظر إلى فوائد الإيرادات قصيرة المدى للوقود الأحفوري، وتفشل في تجاهل الآثار المالية والصحية طويلة المدى لاستمرار ظاهرة الاحتباس الحراري.
وتقول محللة السياسات التي تعمل في مجال العمل المناخي والتمويل الدولي في معهد غرانثام للأبحاث، أنيكا هيكولف: إن "تخضير الإنفاق الحكومي عمومًا" سيكون له تأثير أكبر بكثير من مجرد "إيجاد قدر جديد من المال".
من جانبه، شدد إستراتيجي الطاقة في معهد روكي ماونتن، كينغزميل بوند، على أن القلق بشأن تمويل المناخ يتجاهل نقطة حاسمة؛ إذ أشار إلى وجود الكثير من رأس المال المتاح في العالم الصناعي، ويحتاج هذا المال -فقط- إلى توزيعه بفاعلية، مع الاستفادة بشكل أفضل من القطاع الخاص.
ويقول: "هذه مشكلة زائفة.. المبالغ المعنية في الواقع محدودة للغاية وقابلة للحلّ تمامًا.. أنت تزيد الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة، ولكنك تخفضه على الطاقة القديمة".
بالنسبة للعالم النامي، يناضل العديد من الدول الأشد فقرًا في ظل ميزانياته المنهكة باستمرار، وإحجام القطاع الخاص العالمي عن الاستثمار في الاقتصادات الناشئة والنامية، بحسب ما جاء في التقرير الذي اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة على تفاصيله.
ووجدت الأبحاث المنشورة في بداية قمة كوب 28 أن تمويل المناخ على مستوى العالم يتركّز في البلدان المتقدمة والصين.
وفي بعض الحالات، تبحث الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية عن خيارات مثل أرصدة الكربون لتوليد الدخل، وكانت الهند ومصر من بين الدول التي أصدرت سندات خضراء سيادية، إذ تُصدر الحكومات سندات أشبه بالسندات السيادية التقليدية، ولكن مع حماية العائدات للمشروعات الخضراء.
وتبحث مجموعة من المبادرات، مثل مبادرة قيادة تمويل المناخ، في كيفية تعبئة تمويل القطاع الخاص بشكل أفضل، سواء في الدول الصناعية أو في الجنوب العالمي.
ودعمت دول -من بينها المملكة المتحدة والإمارات وكينيا وكولومبيا- إطار تمويل المناخ العالمي في قمة المناخ كوب 28، الذي جادل بأن "الموارد الميسرة" -أو التمويل بسعر أقل من سعر السوق الذي توفره بنوك التنمية وغيرها- يجب أن تُستعمل من أجل تمهيد الطريق للتمويل الخاص.
اضف تعليق