صياغة الشعور المشترك بأهمية الهدف، وتنظيم العمل المنسق اللازم لمعالجة أزمة المناخ والطبيعة سيكون عملا صعبًا في أفضل الأوقات. في عالم يتسم بانعدام الثقة، والمنافسة، والقيود المالية والأولويات السياسية المتباينة، يبدو الأمر شبه مستحيل. فإن الكثيرين، لا سيما في شمال الكرة الأرضية، لا يبنون الجسور، بل يفاقمون الانقسامات...
بقلم: سيمون زاديك
جنيف- أدت التحولات الجيوسياسية التكتونية، بما في ذلك حرب روسيا على أوكرانيا والتنافس بين أمريكا والصين، إلى زعزعة التعددية في السنوات الأخيرة. وفي حين أنه نوقشت مناقشة مستفيضة العديد من العواقب الناجمة عن ذلك- بما في ذلك ارتفاع أسعار الغذاء، والطاقة، ومخاطر الصراعات الكبرى المتزايدة، يجب إيلاء اهتمام أكبر لتأثيرات هذه التحولات على الجهود المبذولة لمعالجة أزمة المناخ والطبيعة متعددة الأوجه.
إن التغيير الجيوسياسي الذي نشهده الآن قد يقسم النظام العالمي إلى قسمين. ومن المؤشرات الرئيسية على ذلك القرار الذي اتخذته العديد من دول الجنوب لدعم- أو على الأقل رفض إدانة- الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا العام الماضي، رغم الجهود المبذولة من جانب الدول الغربية لعزل الكرملين ومعاقبته.
وفضلا عن ذلك، قد تتوسع مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة الكبرى (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا)، التي دائمًا ما كانت تسعى إلى إيجاد بدائل للمؤسسات الدولية التي يقودها الغرب؛ حيث أعربت 19 دولة عن رغبتها في الانضمام إلى التكتل. ويجري أيضًا نقاش بشأن إنشاء عملة "بريكس" جديدة لتحدي الهيمنة العالمية للدولار الأمريكي.
وفي غضون ذلك، تعمل الصين جاهدة لتوسيع نطاق الاستخدام الدولي لعملتها الخاصة، الرنمينبي، وهي في صدد تحقيق النجاح إلى حد ما. إذ في الآونة الأخيرة، اتخذ الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بعض الإجراءات لتسهيل تسوية التجارة المقومة ب"الرنمينبي" بين الصين والبرازيل.
إن صياغة الشعور المشترك بأهمية الهدف، وتنظيم العمل المنسق اللازم لمعالجة أزمة المناخ والطبيعة سيكون عملا صعبًا في أفضل الأوقات. إذ في عالم يتسم بانعدام الثقة، والمنافسة، والقيود المالية والأولويات السياسية المتباينة، يبدو الأمر شبه مستحيل. ومع ذلك، فإن الكثيرين، لا سيما في شمال الكرة الأرضية، لا يبنون الجسور، بل يفاقمون الانقسامات.
وخير مثال على ذلك التشريع الأخير للاتحاد الأوروبي الذي يحظر استيراد المنتجات التي زرعت في مساحات أزيلت غاباتها. وقد حظي هذا القانون- الذي يطالب الشركات التي تبيع سلعًا مثل القهوة، ولحم البقر، وفول الصويا، في الاتحاد الأوروبي بتقديم دليل يثبت أن هذه المنتوجات لم تزرع على أرض تعرضت في وقت قريب للإزالة الأشجار- بترحيب نشطاء البيئة، والسياسيين الأوروبيين. ولكن هذا الإجراء قوبل أيضًا بانتقادات كبيرة- ليس فقط من جانب الشركات التجارية الزراعية التي تدافع عن مصالحها، وتسعى إلى تجنب تكبد تكاليف تدمير البيئة. فقبل إصدار القانون بفترة وجيزة، قدمت الحكومتان البرازيلية والإندونيسية رسالة موقعة من 14 دولة عضو في منظمة التجارة العالمية، تعربان فيها عن أسفهما لأن الاتحاد الأوروبي يتبع "تشريعات أحادية الجانب" بدلاً من "مشاركة دولية". وبسبب فشل الاتحاد الأوروبي في التشاور مع البلدان ذات الصلة، وضع إجراءات تتبع وشروط متعلقة بالتمركز الجغرافي تتسم بارتفاع التكلفة وتعذر تنفيذها" بخصوص قائمة منتجات "غير مؤكدة وتمييزية".
كذلك، هناك خلل في أسواق أرصدة الكربون الطوعية وأسواق أرصدة التنوع البيولوجي الناشئة. إذ يشتكي منتقدو الدول الغنية من فشل هذه الأسواق في تقديم تخفيضات إضافية ذات مصداقية فيما يتعلق بكربون الغلاف الجوي. وخير مثال على ذلك الفضائح الناشئة عن عيوب واسعة النطاق في أرصدة الكربون للمشاريع القائمة على الطبيعة. ويسلط القادة من الجنوب العالمي الضوء على التفاوتات التي تديمها هذه الأرصدة، حيث تُشترى مقابل أقل من 5-10 دولارات في الجنوب العالمي، ثم تباع مقابل 100 دولار أو أكثر في أوروبا.
وفضلا عن ذلك، يبرز قادة الاقتصادات النامية إحجام البلدان الغنية عن تمويل الحفاظ على الغابات القائمة. فخلال قمة الغابة الواحدة التي عقدت في الآونة الأخيرة، والتي استضافها كل من الرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أشار وزير البيئة الغابوني، لي وايت، إلى أنه باعتبار الغابات من أهم أحواض الكربون في العالم، "من المحتمل أن تمثل 20-30 في المئة من حلول أزمة تغير المناخ". ويمكن أن تساعد أرصدة الكربون في توجيه التمويل نحو الحفاظ على الغابات، ولكن فقط إذا اشتُريت بأسعار عادلة ويمكن التنبؤ بها.
وهناك طرق مباشرة نسبيًا لتحسين المشاركة وتسريع التقدم نحو أهداف المناخ والطبيعة المشتركة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون لقانون إزالة الغابات في الاتحاد الأوروبي تأثير أكبر بكثير- ويلهم تعاونًا أكثر فاعلية- إذا تضمن دعما لتدابير تعزيز التشريعات ذات الصلة في البلدان المتضررة، بدلاً من تجاوزها. وفضلا عن ذلك، بناءً على الأفكار التي طُرحت خلال قمة الغابة الواحدة، يمكن للبلدان الغنية أن تعتمد فكرة تقديم مدفوعات خدمات النظام الإيكولوجي للبلدان التي تحافظ على غاباتها، وإنشاء السعر الأدنى لأرصدة الكربون والتنوع البيولوجي.
ويمكن لتحالف الاقتصاديات التي تتخذ إجراءات إيجابية فيما يتعلق بالطبيعة، الذي أعلنت عنه في الآونة الأخيرة مجموعة الدول الصناعية السبع، والذي صمم على أنه "منتدى لتبادل المعرفة وإنشاء شبكات معلومات على أساس تطوعي بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني"- أن يدعم التحول نحو تعاون أكبر خارج مجموعة الدول السبع. وسيكون الإجراء الرئيسي هو التركيز على كيفية معالجة أهداف الطبيعة والمناخ، دون تعميق المزايا التكنولوجية الحالية، وإقامة المزيد من الحواجز التجارية، والتركيز بدلاً من ذلك على الشمولية والإنصاف.
وتمثل رئاسة البرازيل لمجموعة العشرين في عام 2024، واضطلاعها بدور المُضيف لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في عام 2025 (كوب 30)، فرصًا مهمة. وبصفة البرازيل ممثلة الاقتصادات النامية الغنية بالثروات الطبيعية الأكثر نفوذاً في العالم، يمكنها استخدام هذه المنصات لحشد المزيد من الدعم للبلدان التي تبذل قصارى جهدها لحماية المناخ والحفاظ على الطبيعة، مع أنها أقل إسهاما في الأزمات التي نواجهها. وسيكون تحويل الهيكل الاقتصادي والمالي العالمي للنهوض بأهداف الاستدامة أمرًا أساسيًا.
ومهما حدث، ستكون الطبيعة والمناخ جزءًا من الجغرافيا السياسية الجديدة. إن نتيجة عدم اعتماد نهج أكثر شمولاً لا تتمثل في زيادة تباطؤ عجلة التقدم، بل من المحتمل عدم إحراز أي تقدم على الإطلاق. ومثلما أعادت روسيا توجيه صادراتها من الطاقة إلى البلدان التي لم ترحب بالعقوبات الغربية، فإن مصدري المواد الغذائية، الذين يواجهون "عقوبات" تتعلق بإزالة الغابات بحكم الأمر الواقع من الاتحاد الأوروبي، قد يجدون بكل بساطة مشترين جددًا لبضائعهم. وفي مثل هذه الحالات، يخسر الجميع، بما في ذلك الطبيعة.
وبدون نهج تعاوني، قد تقرر البلدان الغنية بالثروات الطبيعية إنشاء نادي بائعين سياديين يهدف إلى تحسين شروط التبادل التجاري، كما فعلت "أوبك" منذ فترة طويلة لمنتجي النفط. وبالفعل، شكلت البرازيل، وإندونيسيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية- التي تمتلك أكبر غابات استوائية في العالم- تحالفًا يركز بصورة أساسية على الضغط على العالم الغني لتمويل الحفاظ على الغابات.
وقد تبدو تدابير مثل تشريعات إزالة الغابات في الاتحاد الأوروبي أو أسواق الكربون الطوعية خطوات في الاتجاه الصحيح. وقد تجلب فوائد قصيرة الأجل. ولكن بتهميش العالم النامي- في وقت لم يكن متوقعا أن يشهد إعادة التنظيم الجيوسياسي العالمي- قد تكون تكاليفها على المدى الطويل باهظة للغاية.
اضف تعليق