ما قررته المحكمة الاتحادية العليا في قرارها التفسيري كان على خلاف ما كنا نتوقعه ونتبناه في كل ما كتب عن القضاء والفقه الدستوري، حيث انها قضت بإنهاء عمر مجلس النواب قبل انتهاء عمره الدستوري، وهذا دعا الى طرح اكثر من سؤال، هل يجوز ان نخالف صراحة النص، وهل يجوز الاجتهاد...

ان المادة (56/اولاً) من الدستور العراقي لعام 2005 قد حددت مدة الدورة الانتخابية بأربع سنوات تقويمية وعلى وفق النص الاتي (تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة.).

وهذه المدة من الوضوح الذي يغني عن أي استفسار او طلب تفسير، لأنها حددت الدورة الانتخابية بالسنة التقويمية والتي هي 365 يوم وهذه لا مجال للنقاش فيها، والسؤال الذي ينهض هل يجوز لاي جهة كانت ان تجتهد خلاف ذلك؟ بلا ادنى شك سيكون الجواب (كلا)، لحيث لا مساغ للاجتهاد في مورد النص ووضوحه.

لكن ما قررته المحكمة الاتحادية العليا في قرارها التفسيري العدد 213/اتحادية/2025 في 17/11/2025 كان على خلاف ما كنا نتوقعه ونتبناه في كل ما كتب عن القضاء والفقه الدستوري، حيث انها قضت بإنهاء عمر مجلس النواب قبل انتهاء عمره الدستوري، وهذا دعا الى طرح اكثر من سؤال، هل يجوز ان نخالف صراحة النص، وهل يجوز الاجتهاد على خلاف صراحته التي جاء فيها بان عمر مجلس النواب هو اربع سنوات تقويمية؟، مع العلم بان المحكمة ذاتها في اكثر من قرار اجتهدت في تحديد بداية عمر المجلس وقضت بان تبدأ الأربع سنوات التقويمية منذ لحظة انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب بعد دعوته للانعقاد بمرسوم يصدره السيد رئيس الجمهورية.

ومع ان غالبية المختصين في القانون بجميع فروعه لهم رأي بان ما ورد في القرار التفسيري يتقاطع مع صراحة المادة (56/أولا) من الدستور، ويرى الكثير منهم ان الاجتهاد لا يجوز تجاه النص الدستوري الواضح وضوح الشمس، والقرار التفسيري لا نجد فيه أي تفسير الى نصوص المادة (56/أولا) من الدستور، وانما افتراض يتعلق بعنوان سياسي يسمى الشرعية، وهذا يخرج عن نطاق التفسير الى التأويل والاستعاضة برأي بدلا من تفسير النص تجاه غرض يتقاطع من صراحة النص الدستوري،

لكن ما عسى المختص بالقانون ان يقول والامر قد مضى والقرار قد صدر؟ ولربما أي مناقشة او تعليق قد يفسر باتجاه زجري من القوى المتحكمة بالمشهد بشكل عام؟

لكن هل هذا القرار يلزم مجلس النواب والحكومة؟

السؤال قد يكون غريباً لان قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة لجميع السلطات، ولا مناص من العمل بموجبها وعلى وفق احكام المادة (94) من الدستور التي جاء فيها (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة).

لكن هناك قرارات أخرى لذات المحكمة وهي قرارات باتة وملزمة لجميع السلطات ايضاً، ومنها قرارها التفسيري العدد 29/اتحادية/2009 في 30/1/2010 الذي قضت فيه بان عمر الدورة الانتخابية اربع سنوات تقويمية والسنة التقويمية هي (365) يوم، ثم كررت هذا القول واكدته في قرارها العدد 24/اتحادية/2010 في 14/3/2010، وجاء في نص القرار بان مدة عمر الدورة الانتخابية اربع سنوات تقويمية والسنة هي (365) يوم، وأشارت الى قراراها الأسبق العدد 29/اتحادية،2009 في 30/1/2010، وكلا القرارين ملزمين وباتين، ولم يصدر أي قرار يلغي أي منهما.

اما القرار الجديد بالعدد العدد 213/اتحادية/2025 في 17/11/2025 الذي جاء خلاف القرارين الملمع عنهما، فانه لم يشير لا ضمناً ولا صراحة الى الغاء القرارين أعلاه، بل لم يتطرق اليهما تماماً، وكان موضوع الاستفسار غير مطروق سابقاً، بينما لدى المحكمة إجابة عنه في قرارين ملزمين وباتين.

لذلك فان القرارات الثلاث جميعها نافذة وجميعها ملزمة للسلطات كافة، ولا توجد جهة مختصة بترجيح أي من تلك القرارات في حال تعارضها مثلما عليه الحال في تعارض احكام القضاء الاعتيادي، كما لا تسري عليهما قاعدة اللاحق ينسخ السابق، لان هذه القاعدة التفسيرية هي حصراً في تفسير النصوص القانونية وليس الاحكام والقرارات القضائية.

وعند الرجوع الى المنظومة التشريعية في العراق نجد ان إزالة التعارض بين الاحكام القضائية عالجه النص الوارد في المادة (13/ثانياً/1) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل، حيث منح هذا الاختصاص الى الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية، لكن هذا الاختصاص فقط للأحكام القضائية فقط التي تصدر في موضوع من مواضيع الدعاوى ذات الطابع الشخصي وبين طرفي الدعوى ذاتهم والموضوع ذاته، وبذلك لا يسري هذا الاختصاص على القرارات تفسير نص الدستور، لأنها ليست احكام تفصل في نزع فضلاً عن اختلاف طلب التفسير في كل قرار.

ومن خلال ذلك أرى ان مجلس النواب والحكومة (مجلس الوزراء) لهما الخيار في الالتزام بأي قرار لان كافة القرارات نافذة ولم تلغى او يتم العدول عنها بنص صريح في القرار الأخير، وفي حال العمل بالقرارين السابقين بالعدد 29/اتحادية/2009 والقرار 24/اتحادية/2010 فان اعمالهما صحيحة وتستند الى قرار تفسيري صادر عن محكمة مختصة ولم يرد عليها أي الغاء او تعديل، ويبقى لمن يتضرر من ذلك اللجوء الى السبل القانونية لبيان أي القرارات تعد الفاعلة والأخرى معطلة.

* قاضٍ متقاعد

اضف تعليق