q

كان للسعودية دور مفصلي في اجتماع اوبك الاخير، بعد الخلاف على اتباع سياسية نفطية ملائمة للتغيرات التي طرأت على اسعار النفط عالميا، وادت الى خسارة نصف قيمته السوقية خلال وقت قياسي، اذ ان السعودية (وهي اكبر مصدري النفط في العالم) اصرت على ابقاء سقف الانتاج المرتفع، وعدم القيام باي خطوة من شأنها تغيير المعادلة الحالية، والتي فسرت لاحقا، من جانب اطراف اقليمية ودولية، على انها قرارات سياسية للتأثير على اطراف معينة بذاتها (خصوصا ايران وروسيا)، وان هذه السياسة قد تأتي متناغمة مع السياسية التي تتبعها الولايات المتحدة الامريكية لفرض المزيد من الضغوط الاقتصادية على ايران من اجل تقديم تنازلات نووية في المفاوضات الجارية بينها وبين القوى الكبرى، وروسيا من اجل فرض تسوية سلمية فيما يتعلق بقضية اوكرانيا، ولو صحت هذه الفرضية السياسية، فان عودة ارتفاع الاسعار النفطية مجددا (والتي وعد بها واكدها وزير النفط السعودي ربما خلال النصف الثاني من العام الجديد) هي مسالة وقت ليس اكثر، وربما هي رسالة، ايضا، الى اطراف محددة بعدم الاطمئنان كثيرا الى الموارد النفطية التي قد تتأثر بصورة عكسية مع التغيرات السياسية.

ويبدو ان هناك عوامل تنافسية دفعت، وربما اقنعت المصدرين الاخرين، الى ابقاء سقف الانتاج النفطي على حاله، والصبر على هبوط الاسعار حتى حين، وكانت وجهة نظر النعيمي التي أطلق عليها وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي "النظرية السعودية" تقوم على ترك الأسعار تهبط إلى حد يخرج معه من السوق كل المنتجين الهامشيين الذين يحتاجون لأسعار نفط مرتفعة ليواصلوا إنتاجهم، وبذلك تتخلص أوبك من الفائض من دون خسارة برميل واحد من حصتها السوقية، وهو امر قد يعزز من مكانة المنتجين الرئيسيين ويقلل من امال انتعاش النفط الصخري الذي بات يهدد النفط التقليدي من حيث الوفرة وكمية الانتاج، لولا ارتفاع تكاليف إنتاجه التي لا يمكن مقارنتها بتكاليف انتاج النفط التقليدي، ويمكن لدول مثل السعودية الصبر على انخفاض اسعار النفط لامتلاكها احتياطيات مالية ضخمة، ربما لسنة او سنتين، مقارنة بإنفاقها الضخم وميزانيتها المرتفعة.

في سياق متصل قال محللون إن ميزانية السعودية لعام 2015 تفترض سعرا للنفط مقاربا للمستويات الحالية عند نحو 60 دولارا للبرميل بالنسبة لخام القياس العالمي مزيج برنت وهو ما يعد تحولا عن ميزانيات سابقة كانت توضع بناء على أسعار للنفط تقل كثيرا عن مستويات السوق، ولا تفصح المملكة عن أسعار النفط التي تستخدمها في حساب ميزانيتها السنوية لذا فإن المحللين يقدرونها بافتراض عوامل أخرى عديدة من بينها صادرات النفط المزمعة والإنتاج، وبالنسبة لميزانية 2015 التي أعلنت مؤخرا فإن تقديرات أربعة محللين لسعر النفط الذي وضعت على أساسه الميزانية يتراوح بين 55 و63 دولارا للبرميل، ولا يعني ذلك بالضرورة أن المملكة تتوقع مثل هذه المستويات للأسعار في العام القادم، وقال وزير المالية السعودي إبراهيم العساف إن هناك خلافات كثيرة في الرأي حول بدء تعافي الأسعار حيث يتوقع البعض أن يحدث ذلك في النصف الثاني من العام القادم بينما يتوقع آخرون حدوثه في 2016.

ايرادات نفطية مفترضة

تستخدم الحكومة أسعار النفط المفترضة في الميزانية لوضع تصور أساسي للإيرادات في العام القادم، فإذا بلغ متوسط سعر خام برنت ما يزيد عن 60 دولارا للبرميل في العام القادم فإن إيرادات النفط السعودية ستأتي أعلى من المتوقع بينما ستقل الإيرادات إذا بلغ متوسط خام برنت أقل من 60 دولارا، وهبطت أسعار النفط بنحو 50 في المئة منذ يونيو حزيران وهو ما شكل ضغطا على المالية العامة للدول المنتجة مثل السعودية أكبر بلد مصدر للخام في العالم، وتتضمن ميزانية المملكة لعام 2015 إنفاقا قياسيا يبلغ 229.3 مليار دولار بزيادة قدرها 0.6 في المئة عن ميزانية 2014 بينما يتوقع أن ينخفض إجمالي الإيرادات إلى 190.7 مليار دولار وهو ما يعني عجزا قدره 38.6 مليار دولار، وفي الأعوام السابقة كانت الميزانية توضع بناء على أسعار للنفط تقل كثيرا عن المستويات في السوق، فعلى سبيل المثال افترضت ميزانية 2014 سعرا للنفط أقل من 70 دولارا للبرميل بينما كان يبلغ سعر خام برنت عند إعلان خطة الميزانية 111 دولارا. بحسب رويترز.

وفي مقابلة تليفزيونية أكد العساف أن وزارته تخلت عن الممارسات السابقة وافترضت متوسط سعر للنفط في 2015 قريبا من المستويات الحالية في أحدث ميزانياتها، وقالت جدوى للاستثمار السعودية إن ميزانية 2015 متسقة مع متوسط سعر لصادرات الخام السعودية عند 56 دولارا للبرميل في العام القادم ومستوى إنتاج قدره 9.6 مليون برميل يوميا وهو ما يعد قريبا من المستويات الحالية لخام برنت عند نحو 60 دولارا، ووضع محللون لدى البنك الأهلي التجاري أكبر مصرف في المملكة تقديرات مختلفة قليلا وقالوا إن الميزانية تفترض سعرا للنفط السعودي عند 61 دولارا للبرميل، وقالت جدوى والبنك الأهلي التجاري إن سعر النفط المفترض في الميزانية السعودية تم خفضه للمرة الأولى في 2009، وقالت مونيكا مالك الخبيرة الاقتصادية لدى بنك أبوظبي التجاري إن الميزانية تفترض سعر برميل النفط السعودي عند 55 دولارا والإنتاج عند 9.5 مليون برميل يوميا بينما يقول عماد مشتاق الخبير لدى إكسترات لاستشارات الأسواق الناشئة إن الميزانية تفترض السعر عند 63 دولارا.

وأشار مشتاق إلى أن الإيرادات غير النفطية هذا العام بلغت 30.7 مليار دولار وافتراض نفس المستوى في العام القادم يوضح أن الحكومة تتوقع إيرادات نفطية قدرها 160 مليار دولار في 2015 أو 438 مليون دولار يوميا، وتدعم المملكة بكثافة مبيعات الوقود المحلية ولذا فإن مشتاق وضع تقديراته لإيرادات النفط بناء على صادرات الخام والتي يعتقد أنها ستبلغ 6.9 مليون برميل يوميا العام القادم متماشية مع المستويات الحالية، وتأتي تقديرات جدوى لسعر النفط أقل نسبيا نظرا لأنها تفترض أن الإيرادات غير النفطية (التي تتمثل بشكل رئيسي في الرسوم على الخدمات الحكومية والجمارك) سترتفع العام القادم في ظل قوة الاقتصاد ومن ثم ستقل التوقعات المتعلقة بمساهمة إيرادات النفط.

البحث عن عملاء جدد

فيما نقلت صحيفة الحياة عن وزير البترول السعودي علي النعيمي قوله إن المملكة مستعدة لزيادة الانتاج والاستحواذ على حصة أكبر في السوق لتلبية الطلب من عملاء جدد، وسئل النعيمي إذا كانت السعودية ترغب في الحافظ على حصة انتاجية قدرها 9.7 مليون برميل يوميا فاجاب "نعم إلا إذا أتى زبون جديد فقد نزيدها"، وهذه التصريحات أقوى دليل على ان أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم لا تنوي خفض الانتاج في ظل تهاوي الأسعار بل ترغب في استغلال تكلفة الانتاج المنخفضة لاقتناص حصة أكبر من السوق من منافسين من خارج أوبك، وأمام مؤتمر أوابك في أبوظبي أكد النعيمي أن السعودية لن تخفض الانتاج لدعم السوق حتى لو خفضه منتجون مستقلون، وفي المقابلة التي نشرتها صحيفة الحياة المملوكة لسعوديين اليوم قال النعيمي "بعد التحليل الذي قمنا به لن نخفض الانتاج في اوبك"، كما نفى ما تناقلته وسائل الاعلام عن مناقشته سياسة النفط مع نظيره الروسي الكسندر نوفاك في اجتماع على هامش مؤتمر أوبك في فيينا مؤخرا.

وذكر النعيمي أن رئيس شركة روسنفت التابعة للدولة ايجور سيتشين تحدث لمدة 30 دقيقة عن صناعة النفط في بلاده وانهى حديثه قائلا "لا يمكننا ان نخفض شيئا فآبارنا قديمة وإذا خفضنا انتاجها فلن تنتج مرة ثانية"، وأضاف انه انهى الاجتماع حين أكد نوفاك ان بلاده غير راغبة في خفض الانتاج ونقلت الحياة عن النعيمي قوله "لم اتحاور معه ولا أدري من نقل هذا الكلام"، كما استبعد الوزير أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى عجز في ميزانية السعودية العام الجاري وقال "حتى في حال حدوث عجز ليست لدينا مديونية والمصارف مليئة وبامكاننا الاقتراض منها، مع الحفاظ على الاحتياطيات النقدية"، وسئل إذا كان بامكان دول الخليج تحمل الأسعار المنخفضة لعامين أو ثلاثة أعوام فأجاب " نعم بإمكانها ذلك". بحسب رويترز.

وفي السياق ذاته قال وزير النفط السعودي علي النعيمي انه "متأكد" بان اسعار النفط ستتحسن معتبرا ان "نقص التعاون" من قبل المنتجين من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) مسؤول جزئيا عن تراجع الاسعار، وقال النعيمي امام مؤتمر للطاقة في العاصمة الاماراتية "متاكد ان السوق النفطية ستتعافى وان الاسعار ستتحسن"، واعتبر النعيمي الذي تعد بلاده اهم عضو في اوبك، ان من بين اسباب انحفاض الاسعار "عدم تعاون الدول المنتجة الرئيسة (خارج اوبك) وانتشار المعلومات المضللة وجشع المضاربين"، مشددا على "اهمية التعاون لضمان اسعار عادلة جديدة"، كما توقع النعيمي الا يستمر المنتجون "بكلفة عالية" في رفع انتاجهم، في اشارة واضحة الى منتجي النفط الصخري في اميركا الشمالية، وكذلك، نفى النعيمي وجود "مؤامرة" سعودية لاهداف سياسية خلف سياسة المملكة النفطية، وقال "انتشرت في الآونة الاخيرة تحليلات ومقالات عن مؤامرة من قبل السعودية لاهداف سياسية، استخدام البترول واسعاره ضد هذه الدول او تلك"، واضاف "اود ان اؤكد ان الحديث عن مؤامرات مزعومة من قبل السعودية لا اساس له من الصحة ويدل على سوء فهم"، وشدد النعيمي على ان "سياسة المملكة مبنية على اسس اقتصادية بحتة"، وتحدثت كل من ايران العضو في اوبك، وروسيا غير العضو، عن مؤامرة في سوق النفط لخفض الاسعار، علما ان الدولتين تتضرران بقوة جراء انخفاض اسعار الخام.

إحتمالية خفض الانتاج

الى ذلك تجاهل وزير البترول السعودي علي النعيمي تلميحات إلى أن المملكة أكبر مصدر للخام في العالم قد تخفض الانتاج لوقف انهيار الأسعار قائلا إن انتاج السعودية ظل مستقرا، وردا على سؤال عما إذا كان يعتقد أنه سيكون من الضروري خفض الانتاج قبل اجتماع أوبك القادم المقرر في يونيو حزيران قال "لماذا ينبغي لنا خفض الانتاج؟ لماذا؟"، وجاء ذلك في تصريحات للصحفيين على هامش مؤتمر سنوي للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في ليما عاصمة بيرو، وتصريحات النعيمي هي الأولى بشأن السوق منذ اجتماع أوبك في 27 من نوفمبر تشرين الثاني الماضي حين قاوم دعوات لخفض الانتاج، وتمسك النعيمي بما أعلن في السابق وهو أن السوق ستترك لتوازن نفسها دون تدخل المملكة، ويمثل هذا تحولا في سياسة السعودية التي طالما تدخلت في السوق، ورغم تراجع أسعار النفط أكثر من عشرة دولارات منذ اجتماع فيينا لم يبد النعيمي أي قلق، وقال إن انتاج المملكة بلغ 9.6-9.7 مليون برميل يوميا في نوفمبر وهو رقم يتسق مع تقديرات أكتوبر تشرين الأول، وأضاف "لن يتغير هذا إلا إذا طلب زبائن آخرون المزيد من النفط"، وقال "لن يتغير هذا إلى أن يطلب زبائن آخرون مزيدا من النفط"، وعند سؤاله هل تعاني السوق من تخمة في المعروض رد قائلا "يمكنك أن تعرف من السعر"، واضاف "أنتم من بلدان رأسمالية، تعلمون ما تفعله السوق، بالنسبة لأي سلعة، ماذا تفعل؟ إنها ترتفع وتنخفض، ترتفع وتنخفض"، وعندما سئل عما إذا كان يشعر بالقلق بشأن أسعار النفط قال "هل رأيتموني قلقا قط؟"، ووسعت أسعار النفط خسائرها المستمرة منذ شهور عقب اجتماع أوبك وهوت لأقل مستوى في أكثر من خمس سنوات دون 65 دولارا للبرميل. بحسب رويترز.

من جانب اخر قال رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي بن فيصل إن المملكة لن تدرس خفض الإنتاج إلا إذا شارك في التخفيضات المنتجون من خارج أوبك ومنهم روسيا، وقال الأمير تركي أثناء زيارة للندن "المملكة لن تتخلى عن حصتها في السوق في هذا الوقت لأحد وتسمح للمنتجين سواء في روسيا أو نيجيريا أو إيران أو أماكن أخرى بالبيع لزبائن السعودية لأننا خفضنا إنتاجنا"، وأضاف قوله "إذا وجد إشراف مضمون بدرجة معقولة على حصص الإنتاج، فحينئذ ستكون السعودية ومنتجو النفط الآخرون (في اعتقادي) مستعدين لخفض الإنتاج"، واستدرك بقوله "ولكن جربنا ذلك فيما مضى ومما يبعث على الأسف أن المنتجين الآخرين استغلوا ذلك الوضع"، وقد هبطت أسعار النفط الخام منذ يونيو حزيران لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ أكتوبر تشرين الأول عام 2009 حيث طغت إمدادات معروض جديدة من الخام الخفيف العالي الجودة من أمريكا الشمالية على الطلب الذي تضرر أيضا من تراجع النمو الاقتصادي في الصين وأوروبا، وكان من المتوقع أن تخفض منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك الانتاج لتعيد توازن السوق لكنها اتفقت على إبقاء سقوف الإنتاج المستهدفة دونما تغيير، وقال الأمير تركي إن المملكة تراكم لديها خلال السنوات الأخيرة احتياطيات مالية تكفي لتمويل احتياجاتها حتى إذا تراجعت أسعار النفط، وقال "لا أرى أزمة فورية في السعودية في العامين القادمين أو نحو ذلك".

اضف تعليق