تخوض إيران غمار هذا الاشتباك المحتدم، مع واشنطن، وهي في ذروة ضعف، لم تبلغها منذ ربع قرن، إن لم نقل منذ انتصار ثورتها الإسلامية، ذلك أن "الطوفان" وما بعده، قد أجهز على كثير من أوراق القوة التي بنتها بصبر وتكلفة، طيلة أزيد من عشرين عامًا، وانتهت بتحويل الإقليم...
بقلم: فاتح بيرول، آلان إيبوبيسي


كازابلانكا ــ في كثير من الأحيان، يكتفي الحديث حول تحدي الطاقة في أفريقيا بالتركيز على توصيل الكهرباء للمستخدمين النهائيين. فمع افتقار نحو نصف سكان بلدان أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى إلى القدرة على الوصول إلى الكهرباء، ومع احتياج أربعة من كل خمسة أشخاص إلى حلول الطهي النظيف، يشكل توسيع نطاق توصيلات الكهرباء بالفعل أولوية ملحة. لكن ربط المنازل والشركات بمصادر الطاقة ليس سوى جزء من الحل. أما الجزء الآخر فيتمثل في ضمان إمكانية الاعتماد على إمدادات الطاقة وبأسعار معقولة.

بين الأفارقة الذين يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى شبكة الكهرباء، لا يتمكن نصفهم حتى من الاعتماد على إمدادات يمكن التعويل عليها. لكن من دون كهرباء يمكن الاعتماد عليها، تعجز الأسر والشركات عن توفير الإضاءة، والمواقد، وأجهزة الكمبيوتر، والري، والمعدات الزراعية، وآلات الحياكة، وغيرها من الأجهزة الكفيلة بتعزيز الرخاء وتحسين مستويات المعيشة. وهذا أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار انخفاض الطلب على الكهرباء في مختلف أنحاء القارة.

يتمثل أحد مفاتيح حل مشكلة الافتقار إلى القدرة على الاعتماد على الكهرباء وتحمل تكاليفها في أفريقيا في زيادة الاستثمار في الشبكات. من الممكن أن تساعد الاستثمارات الصحيحة في نقل الكهرباء على تثبيت استقرار الشبكة، وتقليل الانقطاعات، وتحسين الكفاءة، والاستفادة على نحو أفضل من مصادر الطاقة الأقل تكلفة أينما كانت في القارة. بدون النقل، من المرجح أن تنتهي الحال بكل الاستثمارات الأخرى في توليد الكهرباء والتوصيلات المنزلية إلى استخدامها على نحو منقوص.

تمثل تكلفة تطوير مشاريع النقل جزءا صغيرا من إجمالي النفقات اللازمة لتوفير الوصول الشامل إلى الكهرباء. تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن بلدان أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى تحتاج إلى استثمارات سنوية في الوصول إلى الطاقة تتجاوز 30 مليار دولار سنويا من الآن وحتى عام 2030 ــ أي أكثر من ثمانية أضعاف مبلغ 3.7 مليار دولار المستثمرة سنويا اليوم.

لحشد استثمارات أعلى في الشبكات، يتعين على الحكومات الأفريقية إشراك القطاع الخاص. وهذا يعني وضع أطر تنظيمية وسياسات واضحة وطويلة الأجل كفيلة باجتذاب المستثمرين وخفض تكلفة تمويل المشروعات الجديدة. في ظل الوضع الراهن، يجري تشغيل وتمويل جميع شبكات النقل في القارة تقريبا من قِـبَـل مرافق مملوكة للدولة بموارد مالية محدودة.

نحن نعلم أن هذا من الممكن أن ينجح. ففي عام 2024، سَـجَّـلَ قطاع الطاقة في أفريقيا عاما آخر من النمو في خانة العشرات، ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص. والآن، بات من الممكن أن تتبع عمليات بناء شبكات النقل وصفة النجاح ذاتها.

بوسع البلدان الأفريقية أن تتطلع أيضا إلى اقتصادات الأسواق النامية والناشئة الأخرى للحصول على نماذج قابلة للخدمة. في البرازيل، فتحت الإصلاحات السياسية والتنظيمية التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي شبكات الطاقة في البلاد أمام الاستثمار الخاص. منذ ذلك الحين، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، تضاعفت قدرة النقل والتوزيع إلى أكثر من أربعة أمثالها، فسمح هذا للبرازيل بتحقيق الوصول الشامل إلى الكهرباء.

قريبا، ستظهر نماذج مماثلة في أفريقيا. على سبيل المثال، قامت شركة Africa50، وهي شركة متعددة الأطراف تستثمر في البنية الأساسية وإدارة الأصول أنشأتها الحكومات الأفريقية وبنك التنمية الأفريقي، وشركة شبكة الطاقة في الهند، وهي واحدة من أكبر مطوري ومشغلي البنية الأساسية للنقل في العالم، بتطوير شراكة بين القطاعين العام والخاص في كينيا في مجال نقل الكهرباء. بالتعاون مع الحكومة الكينية، تهدف الشراكة إلى بناء ما يقرب من 250 كيلومترا (155 ميلا) من خطوط النقل الجديدة لتوجيه الطاقة المتجددة المولدة في المناطق الشمالية إلى المراكز الصناعية ومراكز الطلب في غرب البلاد.

تكتسب مثل هذه الشراكات بين القطاعين العام والخاص أهمية حاسمة لسد الثغرات الهائلة التي لا تزال قائمة في تمويل وتنفيذ مشاريع البنية الأساسية للطاقة. فمن خلال الإصلاحات التنظيمية وآليات تقاسم المخاطر، يصبح بوسع رأس المال الخاص المساعدة في النهوض بالمشاريع التي قد يكون من الصعب تمويلها لولا ذلك. استفادت الهند من مثل هذه النماذج منذ أن بدأت تحرير قطاع الطاقة في عام 1998. ويُعد مشروع تالا للنقل ــ وهو شراكة بين شركة شبكة الطاقة في الهند المملوكة للدولة وشركة تاتا باور ــ مثالا بارزا على ذلك.

التنسيق الإقليمي الأوثق ضروري أيضا. ذلك أن الاستثمار في الربط الشبكي الحديث يسمح بتبادل الكهرباء من البلدان ذات الفائض في الإمدادات إلى تلك التي لا تملك ما يكفي منها. ومن الممكن أن تضطلع مثل هذه الشبكات بدور رئيسي في ظل الظروف الطارئة، مثل موجات الجفاف المدمرة التي تشل إنتاج الطاقة الكهرومائية في زامبيا. وبالفعل، نجحت 12 دولة أفريقية في مجمع الطاقة في غرب أفريقيا في مزامنة شبكاتها بشكل دائم، ويقوم مجمع الطاقة في الجنوب الأفريقي بتطوير عدد كبير من خطوط النقل البيني لدعم مزيد من التكامل.

مع ذلك، تحتاج أفريقيا إلى مزيد من المبعوثين والمخططين للاستفادة الكاملة من التوصيلات البينية التابعة للشبكات الإقليمية القائمة وإرساء الأساس لتشغيل شبكات جديدة. كما سيساعد التكامل الإقليمي الأكبر المستثمرين على الحد من مخاطر مشاريعهم، من خلال توسيع مجموعة العملاء المحتملين.

لن تحقق أفريقيا الوصول الشامل إلى الكهرباء التي يمكن التعويل عليها دون استثمارات كبرى في البنية الأساسية للنقل؛ لكن هذا الاستثمار لن يتحقق دون تعزيز مشاركة أكبر من جانب القطاع الخاص. على الصعيد العالمي، يتنامى الاستثمار في قطاع الطاقة، وخاصة في مصادر الطاقة المتجددة، وتمديد شبكات الكهرباء، والبنية الأساسية المرنة للشبكات. ولكن للاستفادة من هذا الاتجاه، يتعين على الحكومات أن تحمل لواء القيادة من خلال تغييرات سياسية وتنظيمية هادفة. تقدم دول مثل جنوب أفريقيا، وكينيا، والمغرب أمثلة واضحة، حيث نجحت في جذب استثمارات القطاع الخاص في مجال الطاقة من خلال وضع خطط وأهداف الطاقة الطويلة الأجل، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتبسيط العمليات الإدارية.

يجب أن تتعلم الاقتصادات النامية واقتصادات الأسواق الناشئة من بعضها بعضا. فالاقتصادات التي وفرت إمكانية الوصول شبه الشامل إلى الكهرباء فعلت ذلك من خلال إطلاق العنان لتدفقات رأس المال اللازمة. ينبغي لهذا أن يكون على رأس أولويات صناع السياسات. فبمجرد تأمين طاقة يمكن الاعتماد عليها، يصبح بوسع الدول ملاحقة هدف التنمية الاقتصادية والبدء في تحسين حياة مئات الملايين من البشر.

* فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية.

آلان إيبوبيسي، الرئيس التنفيذي لـ "أفريقيا 50".

https://www.project-syndicate.org/


اضف تعليق